ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة
سهى باسل عطاالله تكتب في رحيل والدها: كنتَ وستبقى البوصلة في حياتي!


جنوبيات
عملتُ بجدٍّ وبشغف، ونجحتُ في عملي واجتهدتُ في دراستي بهدف أن تكون دائماً فخوراً بي،
حرصتُ أن أربي أبنائي على القيم والمبادئ التي نشأتُ عليها، وغرستَها أنت في داخلي،
واليوم، فقدتُ هذه البوصلة… لكن حكمتك وقيمك ستبقى محفورة في قلبي إلى الأبد،
ربيتني على أن الوطن قضية ورسالة، وأن العروبة التزام،
وكنتَ تعتبر فلسطين أمّ القضايا… أمانة في أعناقنا،
زرعتَ في قلبي حبّها، والإيمان بعدالة قضيتها،
وأخذتُ منك أيضاً حب الأرض والبحر… ذلك الشغف الهادئ الذي كان يسكنك،
لم تكن أباً عادياً، ولم تكن شخصاً عادياً
كنتَ استثنائياً بكل معنى الكلمة: بإنسانيتك، بثقافتك العميقة ،برقيّك، بذهنك المنفتح، وبعلمك الواسع
كنتَ رفيقي، طبيبي، سندي، ومعلمي في كل شيء في الحياة، وفي التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق،
إلى جانب كونك طبيباً بارعاً،كنتَ أيضاً مناضلاً وطنياً وقومياً حاضراً في قلب مدينتك صيدا، الأحب إلى قلبك.
أجيال عديدة من أبناء المدينة تعرفك وتقدّرك، وتذكرك ليس فقط بمهنيتك الطبية، بل بمواقفك الصلبة وإنسانيتك العميقة،
كنت صوتاً صادقاً على المنابر، تخاطب الناس من القلب إلى القلب،
من يعرفك عن قرب، يعرف وفاءك في الصداقات، ونبلك في التعامل، وثباتك على القيم،
وما يخفف من ألم الفقد، هو أن أثرك باقٍ في القلوب، وفي الوجدان العام،
أنا ممتنّة لهذه العلاقة الاستثنائية التي جمعتني بك،
لعِشرتك، لمرافقتك لي في رحلاتي ومهامي العملية،
كل من يعرفني في حياتي المهنية والاجتماعية، يعرفك ويقدّر قيمتك،
كنتَ لي الأب، والصديق، والطبيب، والقدوة،
وسيظل لقبي المفضل دائماً: "بنت الحكيم".
كنتَ أيضاً طبيباً استثنائياً… طبيباً إنسانياً، بكل ما للكلمة من معنى.
تفوقتَ في التشخيص، كنتَ من أبرع أطباء القلب… الطبيب الذي يُداوي بالعقل، كما يُداوي بالقلب،
في كل مكان أذهب إليه، أسمع كلمات تُردّد على مسامعي:
"والدك أنقذ حياتي"، "والدك الوحيد الذي عرف ما عندي"، "هو من منع عملية كانت ستُجرى لي عن خطأ"...
كنتَ أيضاً طبيبي الخاص، وكنتَ الشخص الذي علّمني كيف أتعامل مع نوبات الربو التي رافقت طفولتي، خصوصاً في الليالي الصعبة، عندما كنتَ تدخل الغرفة وتبقى إلى جانبي حتى أهدأ.
علّمتني أولويات الحياة: العائلة، الوطن، والشغف للعمل.
كنتَ دائماً إلى جانبي، في نجاحاتي وفي إخفاقاتي،
كنتَ أول من يحتفل بي عند الفرح، وأول من يحتضنني عند الانكسار،
حتى في دراستي الجامعية، اخترتُ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، لأني تأثرتُ بشغفك الكبير بهذا المجال.
أنا ممتنة لكل لحظة عشتها معك، ولكل رحلة سافرتُها إلى جانبك، ولكل ذكرى أحتفظ بها في قلبي.
انا فخورة ومحظوظة انني ابنة الدكتور باسل عطالله،
حتى في مرضك، لم تفقد طيبتك ولا ابتسامتك الحلوة.
واليوم، ومع أن غيابك يكسر القلب، فإن حكمتك ومبادئك ستبقى البوصلة التي ترشدني.
أدعو الله أن يمنحني الصبر والقوة لأكمل طريقي من دونك،
لكنّي أعلم أن روحك سترافقني، وصوتك يسكنني، وقيمك تقودني،
ستظل مَلك قلبي كل عمري.
خلال تكريم سهى باسل عطالله في العاصمة المصرية، القاهرة، بتاريخ 29 أيار/مايو 2023، كانت المفاجأة باشراك والدها بالتكريم، حيث غمر ابنته، مفتخراً بها وما وصلت إليه.