رحل زياد،
من دون أن يترك كلمة وداع،
من دون أن يُنهي الجملة الأخيرة
في مشهد مسرحيٍّ يضحك ويبكي معًا.
غاب،
وتركتنا وحدنا في "شي فاشل"
نحصي خيباتنا على "رصيف الغرباء"
نبحث في "نزل السرور"
عن سرورٍ لم يأتِ يومًا.
مَن يُقنع القلب أن "بالنسبة لبُكرا"،
لا أحد سيعزف بعدك؟
ولا أحد سيصرخ من قهره:
"هيدا مش شعب، هيدا نَفَر!"
يا ابن فيروز والرحابنة
والمجد والعزّة،
يا مَن جعلت من الوجع
والخيبة أغنية،
ومن الوطن نكتة دامية،
يا مَن عرّيتنا من أقنعتنا
وغنّيت لنا "بما إنو"...
وتركْتَنا عالقين في المعلّق،
ننتظر تكملة لا تأتي،
ونهاية لا تنتهي.
أين نذهب بعدك؟
كيف نواجه هذا "الفيلم الأميركي الطويل"،
من دون أن نضحك على حزننا؟
مَن يُخبّئ لنا وجعنا في لحن
ويرسم عارنا على مسرح؟
مَن يكتب عن وطن
يبيع كل شيء،
حتى حلم أولاده؟
أنتَ وحدك كنت تقولها،
وتضحك،
ثم تصمت،
ثم تعزف شيئًا
يفتح شقوق القلب
على الضوء.
رحلت،
فبكتْكَ "الكرامة"،
وصمت "الشعب العنيد"،
وقرّرَتْ بيروت أن تلبس
سوادها الحقيقي،
لا سواد الأخبار،
بل سواد الفقد الكبير.
سهرية رحلَتْ،
ونحن في الغياب
نحصي الأغاني،
نقلّب في شراييننا موسيقاك،
نستنشق صوت فيروز،
ونسمع همسكَ بين المفاتيح:
"مش رح نبقى أصحاب..."
لكننا بقينا لكَ أوفياء.
أخبرني يا زياد،
كيف تموت قامةٌ كتلك
وكان صوتها
أعلى من موتٍ كهذا؟
كيف تذبل ضحكتك الساخرة
وهي التي فضحتنا
أكثر مما واسَتنا؟
أنتَ لا تُختصر بموعد دفن،
ولا بخبر عاجل،
أنتَ جرحٌ طويل
في زمنٍ قصير الذاكرة.
أنتَ وصيّةُ الضحك المرّ،
وشاعرُ الذين ما عادت
فيهم طاقة على الحلم،
أنتَ الثورة
التي لا ترفع شعارات،
بل تعزفها.
فلا وداع لكَ،
ولا قبرٌ يتّسع لموسيقاك،
ولا تراب يُغلق على مَن صرخ
في وجه هذا العالم
وغنّى من فمه إلى جرحه.
ستبقى هنا،
في سجائر الحوار،
وفي نظرة عتب على هذا البلد،
في كل نكتة تنزف،
وكل نغمة تقاوم،
وفي كل مَن سمعك مرّة
ولم يعد كما كان.
رحلْتَ،
لكنك تركْتَ لنا
صرخةً لا تسكت،
ومرآةً لا تكذب،
وتركْتَ فينا
ذاكرةً تُغنّى،
ولا تموت.