عام >عام
لنفايات... موت بأسلحة سرطانية ومكب الصرفند نموذج لا يحتذى
لنفايات... موت بأسلحة سرطانية ومكب الصرفند نموذج لا يحتذى ‎الثلاثاء 27 03 2018 10:27
لنفايات... موت بأسلحة سرطانية ومكب الصرفند نموذج لا يحتذى

فاطمة رمال

"كأنك تتنشق موتك" هو عنوان التقرير الذي أطلقته منظمة "هيومن رايتس" في كانون الأول من العام 2017، عن مكبات النفايات في لبنان. ونشر التقرير خريطة للمكبات المكشوفة، والموثقة من قبل وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وبحسب هذا التقرير هناك نحو 150 مكبا مكشوفا يتم حرقها في مختلف أنحاء البلاد.

يتم حرق النفايات في الهواء الطلق بشكل منتظم في معظم المكبات، التي تتواجد في بعض أفقر المناطق في البلاد مثل البقاع، النبطية والجنوب.

يمكن اعتبار بلدة الصرفند الجنوبية (قضاء صيدا - الزهراني)، نموذجا لما يجري في محيط هذا المكبات. تحرص زينب فاضل ألا ينقطع دواء الحساسية والسعال من منزلها. أصبح الدواء كالسكر والرز، كما تقول. يبعد منزل زينب نحو 300 مترا عن مكب النفايات. وتنفق حوالي 25% من مدخولها الشهري على العلاج من الإلتهابات الرئوية المزمنة والسعال المزمن التي تعانيه هي وطفلاها وزوجها. تصف الوضع بالـ "كارثة الكبيرة التي لم يعد لنا قدرة على تحملها"، تؤكد زينب أن معظم سكان الحي القريب من المكب يعانون المشاكل الصحية نفسها.

تتزايد الأمراض السرطانية في المنطقة بشكل مخيف وكل ذلك بسبب التلوث في الهواء والمياه والمزروعات الناتج عن مكب النفايات والروائح المنبعثة منه بخاصة أثناء الحرق او حتى الجرف. "لا يمكننا البقاء في المنزل ونضطر للمغادرة، فأنا وزوجي من ذوي الدخل المحدود لا نستطيع الخروج من البلدة" تقول زينب.

من جهتها، تقول مديرة متوسطة الصرفند الرسمية نجاة محسن إنها لا تستطيع فتح نوافذ المدرسة "خاصة في الفترة المسائية عندما تحرق النفايات". تبعد المدرسة نحو كيلومتر واحد عن المكب. كيف يتعايش الأطفال والطاقم التعليمي مع الوضع إذا؟ تجيب محسن بأنهم كما سكان البلدة يعانون التلوث، حتى أن "بعض المعلمات لم يستطعن إكمال الحصة التعليمية بسبب الاختناق". تتكرر عبارة "الوضع لم يعد يحتمل" على معظم الألسن.

وتشير الإحصاءات والأرقام إلى أننا امام أزمة حقيقية، إذ "يحمل الدخان المنبعث من حرق المكب نحو 900 مادة مسرطنة تنتشر في الهواء ولا يعرف بأي رئة تستقر او اي تربة"، بحسب قول الدكتور محمد خروبي أخصائي الأطفال والحساسية في مستشفى خروبي.

ولفت خروبي إلى ان "هناك 50 الى 60% من الأطفال في البلدة يعانون أمراضا مزمنة يسببها التلوث الناتج عن المكب "كتضخم اللحميات وهذه تنتج عن الهواء الملوث بشكل مستمر، وكذلك التهابات القصبة الهوائية و10% منهم حالات ربو". ويضيف أن "المنطقة كلها تعاني الأمراض السرطانية المختلفة بسبب المكبات العشوائية".

واعتبر أن "الحل يكون في خطة متكاملة، فهناك خطط كثيرة توضع ولكن لا تنفذ بسبب تقاعس البعض وبخاصة المسؤولين فالجمعيات والمجتمع المدني يقومون بجهود جيدة ولكن كل ذلك لا يكفي فدورهم توعوي فقط وليس إدارة معامل نفايات".

يذكر ان المدرستين الرسميتين في البلدة تقعان في محيط المكب بالاضافة إلى عدد من الأحياء السكنية (المشاع) اي من الطبقة الفقيرة. والمثير للاهتمام، ان المستشفى الحكومي قيد الإنشاء ملاصق للمكب.

لا توجد خطط جدية للحل، عدا بعض المبادرات الفردية التي تقوم بها الجمعيات المحلية التي تحاول انقاذ ما يمكن انقاذه. من هذه الجمعيات جمعية "شعاع البيئة" التي تعمل بالتنسيق مع جمعيات دولية ومحلية ولا سيما منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة.

تنتج بلدة الصرفند حوالى 30 الى 40 طن نفايات يوميا قررت السلطات المحلية منذ حوالي 4 سنوات مع جهات المجتمع المدني المحلي العمل على ايجاد حلول بديلة لكنها ليست جذرية. تهدف هذه الحلول إلى التخفيف من آثار المشكلة بحسب نائب رئيس جمعية شعاع البيئة السيدة امال خليفة.

وفي هذا السياق، عملت الجمعيات والأندية بالتعاون مع المجلس البلدي السابق لإطلاق حملة "دليفري" نفايات اي الفرز من المصدر. وأدى هذا الأمر إلى رفع الوعي. كما أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، قدم هبة بقيمة 150 ألف دولار أميركي، وهي عبارة عن مكبس وفرامة ومولد كهرباء لإنشاء معمل فرز نفايات وغيرها من المعدات. تتواجد هذه المعدات حاليا، في المعمل الذي تشرف عليه جمعية "شعاع البيئة"، التي تعمل على توسيع عملية الفرز لتشمل القرى المجاورة كما قالت السيدة خليفة. وأضافت خليفة: "نقوم بدورات توعوية اسبوعية في البلدات المجاورة بالتعاون مع البلديات".

بدوره، لا يقلل رئيس بلدية الصرفند علي حيدر من المشكلة لكنه اكد ان "حلول نهائية خصوصا مع عدم توفر الامكانات المادية لدى البلدية "كلفة معالجة طن النفايات تبلغ 100 دولار أميركي يوميا، أي حوالى مليون دولار سنويا وهذا رقم لا يمكن لبلدية ان تتحمله".

ولفت إلى ان "انتاجية المعمل الحالي بدأت بالتراجع مما اضطر البلدية لاطلاق حملة جديدة ولكن بمركز اضافي بالتعاون مع منظمة الـ "اي سي اف" حيث وضع في تصرفهم مستوعب (هنغار) بمساحة 900 متر مربع وتم تلزيم الآلات والمعدات في نوفمبر من العام 2017 ومن المتوقع ان يتم التركيب في مطلع السنة الجديدة ويبدأ العمل به في اوائل شهر شباط 2018".

ورأى أن "أزمة النفايات هي معركة العصر فلنعلنها معركة بيئية ولنكن أبطالها". وعند سؤاله عن إمكان توقف الحرق في المكب، اكد ان "مكب الصرفند لم يشتعل منذ سنة ونصف السنة، ولكن مكبات القرى المجاورة مشتعلة على مدار الساعة مما يؤثر على بلدة الصرفند، و"من المؤسف ان المكبات كلها موجودة على طريق اوتوستراد الزهراني فالدخان يغطي القرى والأوتوستراد فحتى المارة يتضررون من الروائح المنبعثة من حريق المكبات، أضف الى تلوث الهواء والمياه الجوفية التي نشربها ونسقي مزروعاتنا منها".

ولهذا السبب قام اتحاد بلديات ساحل الزهراني وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي بتوقيع اتفاقية مع الحكومة اللبنانية بقيمة 4 مليون ونصف المليون دولار اميركي وهي عبارة عن برنامج ادارة النفايات الصلبة SWAM 2 والذي يشمل انشاء مركز لمعالجة النفايات الصلبة بمقدار 150 طنا يوميا ليغطي منطقة الزهراني على ان يتزامن مع فرز النفايات من المصدر.

لكن هل يؤدي هذا الأمر إلى إقفال المكبات العشوائية؟ الوقت كفيل بالإجابة على هذا السؤال.