عام >عام
ذكرى الإستقلال الماسي للبنان: منذ اغتيال الرئيس الحريري.. 13 سنة نصفها شغور وتصريف أعمال
ذكرى الإستقلال الماسي للبنان: منذ اغتيال الرئيس الحريري.. 13 سنة نصفها شغور وتصريف أعمال ‎الاثنين 19 11 2018 09:41
ذكرى الإستقلال الماسي للبنان: منذ اغتيال الرئيس الحريري.. 13 سنة نصفها شغور وتصريف أعمال

هيثم زعيتر

أثمرت وحدة اللبنانيين في العام 1943، انتزاع استقلال لبنان من سلطات الإنتداب الفرنسي، التي اضطرت إلى الإقرار بالحقوق الشرعية اللبنانية، لينطلق لبنان وفق "وثيقة الإستقلال"، التي اعتُبِرَتْ انتصاراً لبنانياً للحرية والتحرر من الاستعمار في ظل الحكومة اللبنانية الأولى التي ترأسها، ابن صيدا الرئيس رياض الصلح في عهد الرئيس بشارة الخوري.
هذا التضافر، تُوّج بنصرٍ بُذِلَتْ من أجله الدماء، لكن فريقاً حاول استثماره لمصلحته، والاستئثار بمفاصل ومقاليد الحكم، وهو ما عُرِفَ بـ"المارونية السياسية"، ما أدّى إلى حرمان وإهمال فئات لبنانية عديدة وشعورها بالغبن، والتعامل معها على أنّها من "أبناء الجارية"، في خدمة "أبناء الست".
وأسفر ذلك عن أنْ تكون شرارة انطلاق التحرّكات، على صعد متعدّدة، وبعناوين متنوّعة، مطالبة بالحقوق، وهو ما أوجد أرضية خصبة للإستغلال، وإشعال أحداث في مراحل عديدة، فكانت شرارة الحرب العبثية في لبنان، وإنْ كان عنوانها "بوسطة عين الرمانة" (13 نيسان 1975)، لكن سبقها اغتيال المناضل معروف سعد في صيدا، وهو يسير في مقدّمة تظاهرة تنادي بحقوق الصيادين ضد شركة "بروتيين" (26 شباط 1975).
وكان اغتيال المناضل "أبو مصطفى" لزج الثورة الفلسطينية في الحرب العبثية، وتدفيعها ثمن التصدي (التمرّد) على محاولات التطويع الأميركية، بالتنازل عن حق العودة والتوطين، بعد "قمة الجزائر" التي اعترفت بـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" ممثّلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني (26 تشرين الثاني 1973)، ومن ثم اجتماع "المجلس الوطني الفلسطيني" في القاهرة، الذي أقرَّ النقاط الـ10 للبرنامج المرحلي (1-8 حزيران 1974)، وصولاً إلى دخول الرئيس ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة، كأوّل قائد ثورة، يُلقي خطاباً على منبرها، ويكرّس الاعتراف الدولي بالمنظّمة، وينتزع لها مقعداً بصفة مراقب (13 تشرين الثاني 1974)، ومن ثم "القمة العربية" التي عُقِدَتْ في العاصمة المغربية الرباط، (26 تشرين الثاني 1974)، التي أكدت على حق إقامة سلطة وطنية مستقلة بقيادة "منظّمة التحرير الفلسطينية" الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وبعد الحرب العبثية، توصّل اللبنانيون إلى "اتفاق الطائف"، الذي عُقِدَ في المملكة العربية السعودية، وأنهى اقتتالاً بين اللبنانيين، وكان لإبن صيدا (الرئيس) رفيق الحريري فيه دور بارز في إقراره، بعد اجتماع مطوّل للقادة السياسيين، الذين اجتمعوا بين 30 أيلول 1989 و22 تشرين الأول من العام ذاته، بمشاركة 22 نائباً، من أصل 73، كانوا لا يزالون على قيد الحياة، من بين 99 نائباً انتُخِبوا في دورة العام 1972.
هذا المؤتمر لم يكن خياراً لبنانياً صرفاً، بل كان قراراً إقليمياً ودولياً، أقرَّ "المناصفة" في المجلس النيابي بين المسلمين والمسيحيين، وتحوّل إلى "وثيقة الوفاق الوطني"، التي جرى إقرارها في قاعدة القليعات العسكرية (5 تشرين الثاني 1989)، بمشاركة 52 نائباً من أصل 73 من الأحياء، لتنطلق عجلة الحياة البرلمانية في لبنان مجدّداً، بانتخاب النائب رينيه معوض رئيساً للجمهورية، الذي اغتيل (22 منه)، ثم انتخاب الرئيس الياس الهراوي (24 تشرين الثاني 1989)، الذي مُدِّد له في العام 1995، حتى (23 تشرين الثاني 1998)، قبل انتخاب قائد الجيش العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية (24 تشرين الثاني 1998)، الذي مُدِّدَ له أيضاً، في العام 2004، حتى (23 تشرين الثاني 2007)، ومن ثم انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية (25 أيار 2008)، والذي أتم ولايته حتى (24 أيار 2014)، فانتخاب قائد الجيش الأسبق النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية (31 تشرين الأول 2016).
ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري (14 شباط 2005)، وحتى اليوم، عانى لبنان سلسلة من الأزمات السياسية والأمنية، كانت السمة الأبرز فيها، شغور في رئاسة الجمهورية، أو فراغ حكومي، أو إطالة أمد تشكيل حكومات، جرّاء وضع عصي في الدواليب، ليتّضح أنّ 13 عاماً، كان أكثر من نصفها فراغاً دستورياً، ناهيك عن التعطيل المستمر تحت حجج وعناوين متعدّدة.
اليوم تحل ذكرى الإستقلال الماسي الـ75، هذا العام في ظل حكومة تصريف أعمال، وانقضاء 6 أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومته العتيدة، مع بداية العام الثالث من عهد الرئيس عون، وما أنْ تُحل إحدى العقد حتى تبرز عُقَد جديدة، وسط محاولات البعض لإلغاء أو تعديل "إتفاق الطائف"، بدلاً من العمل على تنفيذ بنوده، بالرغم من الأخطار العديدة المحدقة بالمنطقة، والتي يتأثّر لبنان بتداعياتها بشكل مباشر سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وفي ظل أزمة كثافة النازحين السوريين، وفشل المجتمع الدولي بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، مع استمرار الانحياز الأميركي للكيان الإسرائيلي، الذي يعمل على تكريس يهودية الدولة، ومحاولات تمرير "صفقة القرن"، لإلغاء قضية اللاجئين، بعدما اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه أزاح عن طاولة أي مفاوضات مقبلة، ملف القدس، باعتبارها عاصمة موحّدة للكيان الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده إليها من تل أبيب، فيما المنطقة على فوهة بركان في الأراضي منذ العام 1948، والقدس والضفة الغربية وقطاع غزّة، وصولاً إلى لبنان والجولان ودول الجوار.
وسط كل هذه الصعوبات، استطاع لبنان تثبيت الأمن والاستقرار والتصدّي للعدو الإسرائيلي وتوقيف شبكاته التجسّسية، والمجموعات الإرهابية، واعتقال خلاياها بفضل سهر الأجهزة الأمنية والعسكرية.
وانطلاقاً من أنّ لبنان محكوم بالتسويات، من خلال تدوير الزوايا، وتنظيم وتجاوز الخلافات لحسابات متعدّدة، لكن ذلك لا يعني أنّ الأمور ستستقيم بعد تشكيل الحكومة العتيدة، بل إنّ المطبّات ستكون في البيان الوزاري، وإذا ما تمَّ تجاوزه باعتماد الصيغة ذاتها لحكومة الحريري السابقة، فلاحقاً سيكون الاشتباك مع الملفات المتعدّدة، والبنود المطروحة على جدول الأعمال، مع استمرار الاصطفاف والتمثيل الوزاري، وفقاً للكتل النيابية، التي تضمن تأمين تصويت الأكثرية تحت قبة البرلمان.
وفي ظل هذه الأجواء والتمسّك بالمصالح الشخصية، حزبياً وطائفياً ومناطقياً، فإنّ ما يهم المواطن هو تحسين وضعه المعيشي والمالي والاقتصادي، الذي أدّى ويهدّد بإقفال وإفلاس شركات ومؤسّسات، وهو ما ينعكس سلباً على دورة الحياة للجميع.
وأيضاً محاربة الفساد والرشاوى والسمسرات، وتأمين مبدأ المساواة بدفع المتوجّبات بين المواطنين، لا أنْ يقتصر الأمر على المغلوب على أمرهم، فيما يتم إيجاد صيغ لتهريب دفع الحيتان للمتوجّبات، عبر قوانين ومراسيم تتناسب مع فتاوى لمشاريعهم المخالفة.
وأنْ تتم معالجة تقنين التيار الكهربائي، وأزمة المولّدات والنفايات، ومشكلة المياه، وزحمة السير، التي تتفاقم يوماً بعد آخر، وانفجار مجاري الصرف الصحي، مع أوّل هطول للمطر، الذي يُنذر بانفجار من نوع آخر، قد يُقدِمْ عليه مَنْ هو مهدّد برزقه وقوت عياله.
فهل يتّعظ المسؤولون بإعلاء المصلحة العامة فوق المصالح الشخصية الآنية، وإيلائها غاية الاهتمام؟

 

المصدر : اللواء