لبنانيات >أخبار لبنانية
محسن ابرهيم يعود إلى العمل الوطني بهوية جديدة…
محسن ابرهيم يعود إلى العمل الوطني بهوية جديدة… ‎السبت 15 12 2018 14:30
محسن ابرهيم يعود إلى العمل الوطني بهوية جديدة…


وهو يدنو من العقد التاسع من عمره، قرر الامين العام لـ”منظمة العمل الشيوعي”، السياسي المخضرم محسن ابرهيم، وبعد طول احتجاب عن الفعل والضوء، ان يبدل الهوية السياسية للتنظيم الذي اطلقه منذ مطالع السبعينات من القرن الماضي. وقد اعلن انه ولج مرحلة البحث عن اسم جديد يتواءم وروح العصر، معطياً مهلة سنة لاشتقاق هذا الاسم، على ان يحمل هوية الانتماء الى “اليسارية الديموقراطية العلمانية”، وعلى ان تكون الماركسية واحدة من الروافد الفكرية لهذا التنظيم الذي سيغيّر جلده، وليس الرافد الحصري كما كان سابقاً.

التوجه الجديد الذي يعتزم السير على هديه هو جزء من مبادرة قررها ابرهيم وتنظيمه الذي كان داخلاً في طور الستر منذ زمن بعيد، في اطار مهمة قرر التصدي لها وهي تجديد اليسار اللبناني “وانقاذه من حال التهالك والتداعي التي وقع في اسارها هذا اليسار ومعه بطبيعة الحال اليسار العربي والعالمي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وتناثر حبّات عقد منظومته الجبارة والمترامية الاطراف في مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي.

هذه الرؤية هي خلاصة وثيقة فكرية – سياسية أقرها المؤتمر العام الرابع الذي عقدته “المنظمة” في الثامن عشر من تشرين الثاني الماضي، وجرت خلال “عملية مراجعة شاملة ومعمّقة للمرحلة السالفة وما تخللها من تحولات جذرية على كل المستويات”. وقد كشفت عن المؤتمر والوثيقة التي تمخّض عنها النشرة الناطقة بلسان التنظيم “بيروت المساء” التي توزع مجاناً، الاسبوع الماضي.

الوثيقة السياسية المقرَّة انطوت على 8 عناوين عريضة هي: الاول ازمة النظام السياسي اللبناني ولّادة الازمات، وضرورة فتح أفق معركة التحديث الديموقراطي، والثاني ازمة اليسار التي تنامت وكبرت خلال العقود الثلاثة الماضية، والثالث “معضلة دور حزب الله وسلاحه”، واللافت دعوته الى ضرورة معالجة قضية هذا السلاح “بعيداً من الشعارات التبسيطية التي تستسهل الانزلاق الى الحرب الاهلية”، والرابع واقع الاقتصاد اللبناني، والخامس الانتخابات النيابية، والسادس المسألة السورية، والسابع مآل القضية الفلسطينية، والاخير عن “الانتفاضات العربية”.
واشارت الوثيقة في خلاصتها الى ان المؤتمر أعاد انتخاب ابرهيم اميناً عاماً وهو المنصب الذي يتولاه منذ انطلاق المنظمة، أي قبل 58 عاماً بلا انقطاع.

الحدث كله (المؤتمر والوثيقة والمقررات) تم من دون أدنى اهتمام من وسائل الاعلام ومن الاوساط السياسية المعنية، ولا سيما منها المناخات اليسارية او ما تبقّى منها. إذ لم يعد مستغرَباً ان نبأ إحياء تنظيم سياسي واعادة بعث الروح فيه، او الاعلان عن تأسيس اطار سياسي ما بغضّ النظر عن هويته، لم يعد يثير الاهتمام، فالزمن ليس زمن استيلاد الاحزاب والاطر الايديولوجية، فضلاً عن ان الساحة مكتظة حدّ الاشباع بما يكفي ويفيض من قوى وتيارات أخذت مكانها وبسطت هيمنتها في شوارع وساحات معينة، اضافة الى انه يستحيل في السياسة اعادة ما كان سائداً ثم باد.

الاكيد ان اسم محسن ابرهيم ليس نكرة عند أجيال الخمسينات والستينات والسبعينات واوائل الثمانينات من القرن الآفل، فنجمه في ذلك الحين كان في صعود، لا سيما عندما آلت اليه قيادة الفرع اللبناني لـ”حركة القوميين العرب” التي انطلقت في بدايات الخمسينات على يد المناضل الراحل جورج حبش (الحكيم) ورفيقه وديع حداد والكويتي الدكتور احمد الخطيب والسوري هاني الهندي والعراقي عبدالاله النصراوي، وحفنة من الشخصيات العربية التي كانت تدرس في الجامعة الاميركية في بيروت.

ومع مرحلة صعود الناصرية في مصر والعالم العربي، صار ابرهيم “معتمدها” الاول في لبنان ومنظّرها الابرز وصديق زعيمها جمال عبد الناصر واجهزته. وقد خصص الكاتب المصري الكبير الراحل محمد حسنين هيكل جزءاً من كتابه الذائع الصيت “بين الصحافة والسياسة” للحديث عن دور ابرهيم في الترويج لأفكار عبد الناصر وتوجهات نظامه في الساحة اللبنانية.

لكن ابرهيم عدل عن هذا الولاء بُعيد هزيمة عام 1967 التي أكلت من رصيد الناصرية، وجاهر بانزياحه الى فضاءات الاشتراكية العلمية (الماركسية) موضة تلك الحقبة ليخرج من رحم “حركة القوميين العرب” التي كان التفكك والانحلال قد بدأا يتسللان اليها ويفضيان لاحقاً الى اعلان حلها. وعلى الاثر اسس ابرهيم “منظمة الاشتراكيين اللبنانيين”، ثم اعاد تغيير الاسم الى “منظمة العمل الشيوعي” بعدما انضم اليها تنظيم نخبوي صغير اسمه “لبنان الاشتراكي” ويعتبر نفسه انه على يسار الحزب الشيوعي ليبرر وجود اكثر من تنظيم شيوعي في ساحة واحدة. وبعد تأسيس “الحركة الوطنية اللبنانية” بزعامة كمال جنبلاط، تولى ابرهيم منصب الامين العام التنفيذي لها وكان واحداً من القيادات الاساسية في تلك المرحلة، لا سيما بعد اندلاع الحرب الاهلية عام 1975. وكان الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، ومن ثم انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية وجسمها العسكري من بيروت، بداية عصر الأفول لابرهيم ودوره . ومع ذلك حافظ ابرهيم على دور معيّن من خلال كونه معتمداً لياسر عرفات وحركته في لبنان. وبعدها تضاءلت كثيرا إطلالات ابرهيم إلا في بعض التظاهرات، وقيل احيانا إنه المستشار غير المرئي لرفيق الحريري الذي حضن في مؤسساته معظم كوادر المنظمة المعروفين. ولعل آخر اطلالة منبرية لابرهيم كانت في ذكرى جورج حاوي في الاونيسكو عام 2006 حيث القى خطاباً اعلن فيه خطأ رهانات الحركة الوطنية وانسحاقها امام الوجود الفلسطيني في لبنان على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية. إعتراف متأخر جداً لكنه كان مدوياً حينذاك.

ورغم هذا الاحتجاب الطويل لابرهيم، إلا ان كثراً كانوا يتساءلون دوماً عنه وعن نوادره المدوية وعن توجهاته. وكان الجواب انه “قرف” من الحال السياسية المتردية، وان هوايته باتت “الكزدرة” عصراً على كورنيش المزرعة، الى ان كشف النقاب اخيراً عن توجهه الجديد بإعادة إحياء اطاره السياسي الستيني بهوية جديدة. ومن باب التندّر لخصوم ومحبين على السواء، قيل إن الرجل الذي اعتنق كل الافكار، من قومية الى ناصرية الى شيوعية، يأبى ان يغادر الدنيا إلا وقد اقترب من الليبرالية ليكون جرّب كل الافكار ما عدا الاسلام السياسي

المصدر : ابراهيم بيرم - النهار