عام >عام
أزمة زراعية بنكهة سياسية بين لبنان وسوريا
أزمة زراعية بنكهة سياسية بين لبنان وسوريا ‎الخميس 9 06 2016 11:34
أزمة زراعية بنكهة سياسية بين لبنان وسوريا


 

تجمعت خلال الساعات الأخيرة في أفق العلاقة اللبنانية ـ السورية غيوم أزمة جديدة هي في الظاهر زراعية، لكنها لا تخلو في العمق من الأبعاد السياسية ـ الإقتصادية، المرتبطة بطبيعة اللحظة وتعقيداتها، في ظل المواجهة التي تدور في سوريا، وتلفح رياحها لبنان من حين الى آخر، على وقع اصطفافات داخلية حادة بين مؤيد للرئيس بشار الأسد ومعاد له.

 

فقد أصدر وزير الزراعة أكرم شهيب قراراً منع بموجبه إدخال شاحنات الخضار والفاكهة من منشأ سوري الى لبنان لـ”حماية المزارع اللبناني وإنتاجه في مواجهة دفق البضائع السورية"، كما أكد شهيب ، الأمر الذي تلقته دمشق بسلبية شديدة، بل ان المطلعين على أجوائها أكدوا أنها تضع تدبير وزير الزراعة في سياق الحرب التي تُشن عليها عبر جبهات عدة، وانها بصدد التصعيد ضد لبنان ما لم يتم التراجع عن القرار.

 

وإذا كان يُتوقع أن تبادر دمشق الى اتخاذ إجراءات مضادة بدءاً من اليوم، فإنه يُخشى من أن تتدحرج كرة الثلج في اتجاهات عدة، مع ما قد يرتبه ذلك من تداعيات، سواء على مستوى الواقع الداخلي، أو على مستوى العلاقة مع سوريا.
 


وقال الوزير شهيب من موسكو، إن الهدف من قراره هو حماية المزارع اللبناني والأسواق الوطنية، خصوصا في شهر رمضان المبارك، بعدما أغرقت كميات الفاكهة والخضار الآتية من سوريا الأسواق المحلية، ما انعكس ضرراً كبيراً على المزارع الذي لم يعد بمقدوره تحمل هذا الوضع، لافتا الانتباه الى أنه سُجل تدفق غير مسبوق للمحاصيل السورية الى لبنان خلال الأيام القليلة الماضية.

وشدد على أن قراره سيمنح الفرصة للمزارعين اللبنانيين لتصريف إنتاجهم في الداخل، بعدما أقفلت في وجههم أبواب العديد من الأسواق العربية والخليجية، ما أدى الى تعرض منتجاتهم الى حالة من الاختناق والكساد. وأضاف: المزارع يصرخ ومن واجبي كوزير للزراعة أن أستمع الى صرخته، وأتصرف وفق ما تمليه علي المصلحة الوطنية.

 

واعتبر أن أي قرار سوري مضاد بإقفال الحدود أمام الشاحنات اللبنانية لن يكون مؤثراً لأن سوريا لم تعد ممراً لمعظم المنتجات الزراعية اللبنانية، بعدما جرى تأمين بديل بحري لها، باستثناء محاصيل الموز والحمضيات.

 

وتابع: بمعزل عن هذا التفصيل، فإن أي رد فعل سلبي يصدر من الجانب السوري ويؤدي الى الإضرار بالمصالح اللبنانية، سنرد عليه بالمثل، وللعلم، فإن السوريين يستخدمون مطار رفيق الحريري الدولي كمحطة ترانزيت لتصدير بضائعهم، وهناك طائرات عدة تغادر أسبوعيا المطار محملة بالبضائع السورية، وبالتالي أتمنى ألا يلجأوا الى أي تدابير متهورة لئلا يدفعونا الى اتخاذ قرار بقطع هذا الشريان، على قاعدة المعاملة بالمثل.

 

في المقابل، أبلغ السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي أن القرار الذي اتخذه وزير الزراعة يستدعي مراجعة سريعة تراعي مصلحتي لبنان وسوريا، لان ما حصل ليس فيه مصلحة لأي منهما، بل ينذر بتداعيات نحن جميعا في غنى عنها، في هذه المرحلة الدقيقة.

 

وفي سياق متصل، قالت مصادر وزارية سورية، إن الإجراء الصادر عن الوزير شهيب لن يمر من دون رد، إذا لم يتم التراجع عنه سريعا، وذلك على قاعدة المعاملة بالمثل، مشيرة الى أن المسؤولين السوريين المعنيين عقدوا اجتماعات متلاحقة أمس لدرس الخيارات المضادة.

 

وأوضحت المصادر أن الرد سيتدرج من التدقيق في أوراق وأوضاع الشاحنات التجارية اللبنانية عند الحدود، في المرحلة الاولى، وصولا الى منع هذه الشاحنات من العبور وإقفال الحدود أمامها، وربما يرتفع سقف التدابير التصعيدية الى ما هو أشد وطأة، ما لم يتم تدارك الخطأ المرتكب بحق سوريا ولبنان.

 

ولفتت المصادر الانتباه الى أن السلطات في دمشق كانت قد سمحت بتصدير الموز اللبناني الى سوريا خلافاً لمقتضيات الروزنامة السورية، ومن دون رسوم جمركية، بعدما ألغت العقد الذي كان موقّعاً مع الإكوادور لاستيراد الموز منها، مشيرة الى أن المستغرب أنه في اليوم الذي انتهت فيه المهلة الزمنية لسريان مفعول هذا الاتفاق، بادر الوزير شهيب الى اتخاذ قراره بمنع دخول المنتجات الزراعية السورية الى لبنان، فهل تُكافأ سوريا على تعاونها بهذه الطريقة؟

 

وشددت المصادر على أن المستهلك اللبناني سيكون المتضرر الأكبر من تدبير وزير الزراعة، معتبرة أن ما حصل يندرج في إطار سلوك عدائي غير مفهوم، ولا يستند الى أي معيار أخلاقي أو اقتصادي، بل ينطلق من أحقاد شخصية بالدرجة الاولى.
 


وأوضحت أن "لدينا كل الحرص على المصلحة المشتركة بين لبنان وسوريا وعلى العلاقة الأخوية بينهما، ونحن منفتحون على أي نقاش وحلول منطقية"، معتبرة أنه كان يفترض بهذا الملف أن يُعالج تحت هذا السقف، وليس من خلال تدبير أحادي الجانب، يقفز فوق الروزنامة الزراعية والاتفاقيات المعقودة بين لبنان سوريا.

 

وأشارت الى أنه سبق للوزير شهيب أن اتخذ إجراءات مماثلة في السابق، ما اضطر دمشق الى تدابير مضادة، قبل أن تعود وتتراجع عنها بفضل وساطات على أعلى المستويات، متسائلة عما إذا كان المطلوب تكرار هذا السيناريو.