لبنانيات >أخبار لبنانية
دبوسي.. طرابلس قادرة على إنقاذ لبنان
دبوسي.. طرابلس قادرة على إنقاذ لبنان ‎الجمعة 22 03 2019 12:31
دبوسي.. طرابلس قادرة على إنقاذ لبنان

جنوبيات

في حوارٍ شامل مع السيد توفيق دبوسي رئيس غرفة الصناعة والتجارة والزراعة في طرابلس تعقيبا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الغير مستقرة حاليا في لبنان، استعرض دبوسي العديد من المحاور والخطط التي تستهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة داخل الأراضي اللبنانية.
وقال: بنظرة أكثر شمولية إلى المجتمعات البشرية، سنجد أن جميع بلدان العالم تقريبا قد تعرضت للعديد من المشكلات الإنسانية الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية والإدارية أيضا، ولعل المثال الأقرب إلى الواقع هو دولة الصين حينما تعرضت لأزمة نقص محصول الأرز على الرغم من تصدرها لقائمة الدول المنتجة له عالميا،  علما” انها دولة تعيل نحو مليار و400 مليون نسمة.
والأمر ذاته ينطبق على أوروبا وأمريكا من حيث ظهور بعض المشكلات المتأصلة في المجتمع، أما بالنسبة للوضع في لبنان، فإنه لا يمكننا الحديث عنه بشكل مستقل عن المنطقة ككل، ذلك من حيث حجم التفاعل الاجتماعي والاقتصادي الراهن.
وهنا تجدر الإشارة إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة اللبنانية في ظل التغيرات والتطورات التي حدثت بالمنطقة مؤخرا، وأعتقد أنه على الرغم من حجم الصعوبات التي يعاني منها المجتمع اللبناني، إلا أنه لا يزال أفضل حالا من كثير من دول المنطقة.
فبالنظر إلى بداية نشأة الدولة اللبنانية عام 1920 لابد من أن نطرح تساؤلا هاما، هل نجح لبنان منذ ذلك التاريخ فعلا في إرساء قواعد دولة المؤسسات؟
وهنا لابد من الاعتراف بأن المجتمع اللبناني تشكل أساسا وفقا لمجموعة من الطوائف والمذاهب التي آمنت بعقيدتها ومذهبها الخاص أكثر من إيمانها بالوطن، ورغم ذلك فأنا أرى أن جميع الطوائف لم تسئ إلى لبنان على الإطلاق، كما أنه رغم التعدد المذهبي، إلا أن الجميع يتفقون على مبدأ رفض الأوضاع الغير سوية بالوطن.
وبنظرة تفاؤلية إيجابية، وبعد استعراض كافة الحروب المدمرة التي مرت بالمنطقة ورغم كل الظروف القاسية التي تعرض لها المجتمع اللبناني، إلا أن لبنان في رأيي لا زال وضعه أفضل من غيره ، كما باتت حاجة المجتمع اللبناني واضحة إلى المزيد من التفاعل والاندماج الثقافي مع دول المنطقة.
وعلى الرغم من حالة الرفض العام التي تجتاح لبنان، وعلى الرغم من الفشل الواضح في بناء الوطن ذاته، إلا أن الدولة اللبنانية نجحت في تحقيق الانتشار من خلال تكوين شبكة علاقات ناجحة خارج الوطن، فهناك علاقات وطيدة داخل أوروبا وأمريكا وأفريقيا والصين واليابان والخليج العربي.
وعليه فإن التجارب العملية قد أثبتت فعليا أن الشعب اللبناني هو شعب قيادي، وهناك الكثير من الأمثلة والتجارب القيادية التي تؤيد ذلك.
حول سؤال عن حقيقة أن لبنان ناجح على المستوى الفردي فقط، ولكنه فاشل تماما على مستوى الجمع، وبالتالي أخفق في مسألة بناء الوطن؟
أجاب دبوسي: نعم، هذا الأمر واضح، وهنا لابد من تحليل الوضع الراهن من أجل الوقوف على كافة الأبعاد والأسباب الكامنة وراء ذلك الفشل، فكيف للدولة اللبنانية أن تفشل في بناء ذاتها بينما تنجح في مساعدة الآخرين في بناء أوطانهم؟
وفي ضوء ذلك، لابد من طرح التساؤل الأكثر أهمية، وهو ما الدور الذي يمكن أن يلعبه كل قيادي في لبنان من أجل تحقيق الازدهار في الدولة وبالتالي تحقيق الاستقرار، الأمر الذي يعمل على توطيد أواصر العلاقات وتكوين منصة قوية وجاذبة للآخر من أجل المشاركة في مشروع بناء الوطن.
وبالنظر إلى الوضع القائم في لبنان، قمنا بدراسة متطلبات مشروع تنمية الوطن فوجدنا أن الآخر كي يبدي استعداده فعلا للمشاركة، فهو بحاجة إلى بعض الأمور الأساسية فهو بحاجة مثلا إلى وجود مرفأ، بحاجة إلى مطار. وبالحديث عن مطار بيروت، فإنه في الوقع لا يستطيع أن يخدم أكثر من 6 مليون زائر، فإذا ما تم تخصيص ميزانية تقدر ب500 مليون دولار من أجل تطويره قد تزيد قدرة مطار بيروت على استيعاب المسافرين لتصل إلى 12 مليون زائر .
وهنا لابد من أن نطرح تساؤلا هاما، هل سيتوقف طموح الدولة اللبنانية عند هذا الحد! أم هل ستسعى نحو المزيد من التطوير من أجل استقطاب 120 مليون زائر!
تعقيب: في حالة وجود مطار بمحافظة الشمال، فهل تعتقد أنه سوف يستقطب الزائرين مثلما هو الحال بالنسبة لمطار بيروت؟
أجاب دبوسي: هذا أمر أكيد، ولكن لابد من دراسة كافة أبعاد الموضوع، فإذا ما تساءلنا عن إمكانية التوسع بمساحة مطار بيروت، سنجد أن الإجابة هو أنه لا يمكن ذلك، وإذا ما نظرنا إلى المطارات الأخرى الموجودة في لبنان مثل مطار حامات ومطار رياق ومطار القليعات (مطار الرئيس الشهيد رينيه معوض)، فإن الدراسات الفنية والتقنية وجدت أن مطارات رياق وحامات لا تصلح لأن تكون مطارات دولية، أما مطار القليعات الذي تبلغ مساحته الحالية 3 مليون متر، فمن خلال تقييم وضعه الحالي وجدنا أنه يمكن إجراء مجموعة من التوسعات لتصل مساحته الكلية إلى 10 مليون متر مربع وبالتالي يصبح مؤهلا لأن يكون مطار دولي مطابق للمواصفات العالمية.
ومن ناحية أخرى تم دراسة إمكانية التوسع افتراضيا للمساحة الإجمالية لمطار القليعات، وذلك نظرا للمساحات الشاسعة الموجودة بمنطقة سهل عكار، كما أنه نظرا للقوانين التي تحرم بناء المنشآت في المناطق المحيطة بالمطارات، فإنه من السهل امتلاك الأراضي المحيطة بسعر معقول جدا” وضمها إلى مساحة المطار.
وبالنسبة للمرافئ الموجودة في لبنان، نجد أن مساحة مرفأ بيروت 812 الف متر وغير قابل للتوسع، ولديه القدرة على خدمة مليون و600 مستوعب سنويا، ومرفأ طرابلس 760 الف متر وقادر على خدمة 200 الف مستوعب سنويا، فإذا المرفأين متواضعين جدا ولايوفون بالغرض، وذلك نظرا لأن الدراسات الأخيرة توصي بأن يكون الحد الأدنى من الدور الخدمي الذي يمكن أن تقدمه المرافئ بالنسبة للعراق وسوريا هو 20 مليون مستوعب سنويا، وبالتالي فالقدرة الاستعابية الحالية غير كافية.
وبدراسة المنطقة البحرية، وجدنا أن المنطقة الوحيدة التي تصلح لأن تكون مرفأ دولي هي المساحة من طرابلس وحتى القليعات بحيث يكون أقصى اليمين هو مرفأ طرابلس وأقصى اليسار هو مطار القليعات، لتكون منطقة جاذبة للاستثمار من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي في لبنان.
وبصورة افتراضية قامت الدراسة بردم 500 متر بطول 20 كيلومتر من القليعات إلى الميناء إلى مرفأ طرابلس فوجدنا أنه بإمكاننا الحصول على مرفأ بمساحة 10 مليون و452 متر مربع، وبالتالي فإن لبنان سوف تشهد انطلاقا من طرابلس الكبرى وجود مطار دولي بمساحة 10 مليون و452 متر مربع ومرفأ دولي إقليمي بالمساحة ذاتها .
ولن يقتصر المرفأ على المعاملات التجارية والاستيراد والتصدير فقط، بل سيكون جاهزا للأغراض السياحية والمهام البترولية أيضا والتخزين والصناعات البحرية، ليكون لبنان بذلك بما يمتلكه من مطار ومرفأ دولي اقليمي يبعد بمسافة 6 كيلومتر عن الحدود اللبنانية السورية في منطقة العريضة،  13 كيلومتر عن الحدود اللبنانية السورية في منطقة العبودية لتكون لدينا مساحات شاسعة من سهل عكار صالحة للزراعة والصناعة والتخزين.
وبذلك سوف نتمكن من نقل المنطقة الاقتصادية الخاصة من 500 ألف متر مجاور لمرفأ طرابلس لتصبح ملايين الأمتار ضمن الخطة الاستثمارية التي من شأنها خلق نحو 100 ألف فرصة عمل.
وعليه فإذا ما نجح لبنان في إقامة علاقات وشراكات دولية مع العملاق الصيني سوف تشهد الدولة ازدهارا كبيرا حيث سيتم التوسع في حجم المعاملات التجارية على نطاق عالمي أكثر شمولا، فعلى سبيل المثال فالاستثمار الناجح يكون في بناء مؤسسة خدمية متكاملة مثل مول تجاري يشمل كافة القطاعات الخدمية والمحال التجارية.
ونفس الحال بالنسبة للمطارات فإنه يجب أن يتم تصميمها بطراز عالمي بحيث تضم الفنادق والسوق الحرة والسوق التجارية، كما يجب أن يكون المطار ذكيا ومطابقا للمواصفات البيئية السليمة، وهكذا تكون الخطة المستقبلية التي تحتاجها لبنان كما يحتاجها الآخرون أيضا.
فلبنان القادر على النهوض بمشروعات بهذا الحجم على أرضه يجب أن يكون قادرا” على تحقيق التنمية المستدامة وإقامة أكبر المشروعات وجذب الاستثمارات داخل الوطن ذاته.
وقد نجحت الغرفة التجارية في شراء الأرض المحيطة بمقر الغرفة كي تكون المقر الأول للتنمية المستدامة في لبنان داخل طرابلس التي نتطلع لأن تكون عاصمة لبنان الاقتصادية، وقام بالفعل رئيس مجلس الوزراء بوضع حجر الأساس لذلك المشروع المستقبلي العظيم.
وردا” على سؤال حول مشروع طرابلس عاصمة اقتصادية للبنان، وما هو المشروع الأول الذي لا يمكن تأجيله، والذي سوف يفتح الباب من أجل تحقيق المشروع الوطني التنموي الضخم والذي يستهدف إرساء قواعد التنمية المستدامة في لبنان؟
أجاب دبوسي: بالطبع عند التخطيط لهذا المشروع العملاق، كان هناك العديد من النماذج الافتراضية والدراسات التي تم إعدادها في ضوء المعطيات الراهنة، كما تم الاستعانة بفريق متخصص في شتى المجالات، وكان أول لقاء لنا عندما تم طرح فكرة المشروع الوطني التنموي، مع السفير الصيني من أجل طرح فكرة المشروع عليه، فكان تعليقه بأن لبنان فعلا يحتاج إلى تلك الخطوة الهامة والتي سوف تبرهن للعالم أجمع مدى ثقل ومحورية الكيان اللبناني في المنطقة. وتابع بأنه بالنسبة لدولة الصين، فهي مستعدة لتوقيع عقود شراكة مع لبنان من أجل المضي قدما في سبيل تنفيذ المشروع.
الخطوة التالية هي عرض مخطط المشروع على السيد رئيس مجلس الوزراء، وفي نفس الوقت كانت الغرفة التجارية تتولى مهمة البحث عن الجهات المتخصصة التي يمكنها المشاركة في المشروع التنموي وتقديم التمويل اللازم، بالإضافة إلى البحث عن الجهات التنفيذية التي يمكن إسناد المشروع إليها.
وأخبرت الرئيس الحريري بأننا على استعداد قريبا لتقديم ملف كامل عن الدور الذي يمكن أن يلعبه لبنان في المنطقة التي نتمنى أن تكون عاصمة اقتصادية للبنان، لأننا نريد فعلا أن نصبح شركاء حقيقيين داخل الوطن وداعمين له وليس عبأ عليه، كما نضع نصب اعيننا معالجة كافة نقاط الضعف في الدولة مثل مشكلات التطرف والعنف.
وبناء عليه فإن تحديد الأهداف التي يسعى المشروع التنموي نحو تحقيقها سوف يساعد على استقطاب الشراكات المحلية والإقليمية والأجنبية أيضا نحو هذا المشروع الكبير، وهذا ما يحتاجه حقيقة المجتمع اللبناني.
ولقد قمنا بعمل فيديو توضيحي لشرح التصور الافتراضي الذي يقوم عليه المشروع التنموي والذي يوضح رؤية الدولة نحو المستقبل بعد إنشاء المنطقة الاقتصادية الكبرى وتطوير المرافئ والمطارات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشروع التنموي سوف يجعل للدولة اللبنانية دور اقتصادي متعدد الخدمات وليس مرفأي فقط وقادر على استيعاب 50 مليون مستوعب سنويا .
وعن امكانيك أن يسهم المشروع من خلال المرافئ والمطارات الدولية في إعادة إعمار سوريا مستقبلا” ؟
قال أعتقد أن تنفيذ هذا المشروع يعد بمثابة ضوء أخضر لشركات الملاحة الدولية التي تسعى إلى تنفيذ مشروعات داخل العراق وسوريا للاستفادة من لبنان كمنصة وركيزة أساسية لتقديم الخدمات الاقتصادية المتكاملة.

وعن التمويل قال: على الرغم من تعدد الجهات التي قدمت عروض التمويل والمساهمة في المشروع التنموي، مثل دولة الصين التي اقترحت فكرة تمويل المشروع كاملا، إلا أنه لابد أيضا من النظر إلى الشركات اللبنانية التي تلعب أدوار بارزة في العالم لتكون على قائمة الممولين والمساهمين في المشروع.
كما أحب أن أذكر حجم الإشادة التي حصل عليها التصور المبدأي للمشروع من قبل بعض الشخصيات الهامة مثل الرئيس سعد الحريري والسفيرة الأمريكية والسفير الصيني وأمين عام اتحاد الغرف التجارية العربية.
وعن متى يمكن أن يدخل المشروع مرحلة التنفيذ الفعلي؟
اجاب: أرى أن هناك نوع من التسارع الجيد في معدل الأداء الخاص بتنفيذ المشروع، ولكن يجب النظر إلى حقيقة وجود نوع من التجاذب حول هذا المشروع داخل لبنان، وهنا لابد من الإقرار بأن هذا المشروع هو مشروع لكل اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، وعليه فإن الاقتصاد اللبناني بحاجة فعلية إلى مشاركة وجذب الاقتصادات العالمية وأن يلعب لبنان الدور الأكبر في تقديم الخدمات التي يحتاجها المستثمر الدولي في المنطقة.
ومن ناحيتي فأنا أشعر بالتفاؤل بعد اللقاء المرتقب مع دولة رئيس مجلس الوزراء، وذلك بعد إنهاء كافة الدراسات الأولية المتعلقة بالمشروع، كما أن وجود عدد كبير من المستثمرين اللبنانيين والمتخصصين في مشروعات مماثلة، إلى جانب وجود الشركات اللبنانية والدولية يعد بارقة أمل كبيرة للمضي قدما نحو التنفيذ الفعلي للمشروع.

أود أن أؤكد على أن الدولة اللبنانية على كافة الأصعدة والمجالات الحياتية قد برهنت عبر التاريخ على أنها تمتلك المقومات اللازمة لتحقيق التنمية، فهذا المشروع الوطني قد استلهم قوته في الأساس من تركيبة وجذور المجتمع اللبناني، أي أن اندماجي بصورة شخصية وتناغمي داخل الوطن هو مصدر الإلهام الأساسي لخروج فكرة هذا المشروع إلى النور، لنرى جميعا طرابلس عاصمة لبنان الاقتصادية والتي سوف تعمل على إنقاذ الوطن والتغلب على كافة التحديات التي يمر بها.
فالمشروع التنموي في حقيقته هو مشروع إنساني وليس اقتصادي بحت يستهدف بالأساس الطبقات الفقيرة ويساعد على إقرار مبدأ تكافؤ الفرص وإقرار المساواة في المجتمع.

ينتهي الوقت المخصص للمقابلة ولا تنتهي الأسئلة. مشروع طرابلس عاصمة اقتصادية للبنان لم يأخذ بعد حقه في النقاش الوطني، رغم انه قادر على ايجاد دور جديد للبنان طالما سعينا في سبيله منذ سبعينات القرن الماضي. لنستمع إلى الرئيس دبوسي.