عام >عام
إحياء الليلة التاسعة من محرم في المجلس الشيعي
كنعان: الحسين هو مصباح الهدى وسفينة النجاة
إحياء الليلة التاسعة من محرم في المجلس الشيعي ‎الاثنين 9 09 2019 14:14
إحياء الليلة التاسعة من محرم في المجلس الشيعي

جنوبيات

 

 جرى إحياء الليلة التاسعة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى، برعاية رئيس المجلس الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان، وفي حضور حشد من علماء الدين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ومواطنين غصت بهم قاعات المجلس وباحاته، ليفترشوا الطرق المجاورة له. عرف بالمناسبة الشيخ علي الغول، وتلا المقرئ أنور مهدي آيات من الذكر الحكيم.

وألقى رئيس المحاكم الحعفرية العليا الشيخ محمد كنعان كلمة قال فيها: "ما زال أبو عبد الله الحسين يصارف هذه الأمة ذهبا بما دونه من فضة بل حصى بل تراب، ولا محل في قاموس نهضته لاستشعار غبن أو غش، لأن الحسين عليه السلام كان ولما يزل حمال لغة السماء، وألقِ السماء، وفرادة السماء، فمن شاء التحق ومن لم يشأ لن يحجب، ومن يرتد طرفه إلى جعبة مصالحه لن يهنأ بصوت يلتصق بدماغه بالقلب وشغافه، بالضمير والوجدان، ويسري في الرحم والعروق نبضا يتلظى: هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون. ولقد خبأ الأحرار في طفولتهم صورة الحسين نغما في عزاء وتساؤلا عن البكاء وراحة حلقوم على باب حسينية أو مأتم، فلما كبروا وكبرت في مسامهم الحرية لم تعد دفاترهم ولا حناياهم تتسع لصورته، فقد ترجل من مقعد طفولتهم إلى سرج شبابهم وهودج كهولتهم متكثرا بتكثر مفردات الحق، وسيالا في كل جنبات العلا، فلن يجد أحد منصف جبينا شامخا إلا والحسين في ذروة كاهله الأعبل، ولا قمة سؤدد إلا وأبو عبد الله راية مجدها وعلا منارها، ولو تساوت الأشياء فانعدم مفهوم التسامي لأسس له الحسين دعائم رفعة ووشائج ارتقاء، ويكفي أن يكون مصباح الهدى وسفينة النجاة، كتب على الإنسان الإنسان أن يحمل عبق الحسين دما، وعطشا، وقبضة سيف، ودمعة ساكبة، ومصيبة راتبة، حتى يرتقي بإنسانيته فيغدو بشرا يطأ حيازيم الموت قاهرا، ويتسربل عزة في حياة فليس مفوضا بعد الحسين عليه السلام أن يذل امرؤ نفسه".

وأضاف: "لقد تعمدت السلطة أن تصدم الأمة بعد رسول الله في كل مواطن نهضتها ونموها، وما إن تموضع علي في موضع حفظ التشريع، وحيث تترست الزهراء لائذة بباب دارها، حتى تتالى مسلسل الجسارات والتقحم، فكانت الصدمة تتلوها الصدمة ولو أراد سارد أن يتوسع لخذله المداد، ولامتلأت الأوراق بل لغدا اللسان ألكنا ولو من خطيب مفوه. فبعد أن كان النهي من قبل البعض عن كتابة سنة النبي في حياته سرا غدا بعد وفاته علنا يعاقَب فاعله ، وكان بيان السلطة يلخص توجهاتها، والنص هو ما نقله صاحب تذكرة الحفاظ نقلا عن رأس السلطة فيقول: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله. هذا النص أنشأ ضربة تشكيكية بحديث النبي صلى الله عليه وآله من جهة وكرس منعا من تداوله من جهة أخرى، مما يعني أن الكتاب الكريم أصبح مفصولا عن الراسخين في العلم المستنبطين أحكامه والمولجين حراسته والذين لن يفترقوا عنه حتى يردوا جميعا على رسول الله الحوض يوم القيامة. هنا كانت الصدمة في عمق ثقافة الأمة التي أباحت لكل الناس أن تقول بالقرآن ما تشاء فغدا التأويل شركة مؤممة وليست قطاعا ربانيا لله الأمر فيه من قَبل ومن بعد".

وتابع: "اختلت البوصلة الفكرية مما جعل الأرضية مهيأة لتالي الصدمات، وهي تقديم منطق القبيلة والعشيرة على منطق الدين، وطبيعي أن يحصل ذلك فعندما يعجن الدين في قوالب السلطة ليسيل في مزاريبها فإنه لن يعود مرجعا ومؤمنا للإستقرار الإجتماعي لآحاد وجماعات الأمة، فتلجأ إلى البدائل المتاحة وأهمها العصبية القبلية التي قال عنها القرآن حكاية عن قوم شعيب: {ولولا رهطك لرجمناك} وفاتحة ذلك حين قال القائل: من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته. فاندلعت النار من تحت رماد ألفة القلوب التي كرسها الله ورسوله، وبات كل امرئ يبحث عن غطاء يقيه شر النازلات القادمة، وعادت الأوس تنظر بعين الريبة إلى الخزرج وغدت الخزرج كذلك، وهمدت أصوات أهل السابقة بعد أن علت صرخات الطلقاء وأبنائهم في تركيبة أحلاف عجيبة غريبة يخيل للناظر إليها أنها ارتجالية، ولكن ممعنَ النظر يدرك أن ثمة جامعا فكريا وتنفيذيا رافقها تأسيسا وتسييرا. ثم اندفعت عيون السلطة نحو الإقتصاد العام الذي بدأته بفاطمة عليها السلام وميراثها فسهل عليها ما دون ذلك. فأطلقت الأيدي على جبهات عدة فمن تفاضل في العطاء من بيت المال وفق تصنيف سيوطبقي، إلى إغضاء عن المصالح الخاصة، إلى تعمد الدفع باتجاه الإثراء الغير المشروع بما أوجب انقساما حادا في داخل البنية الإجتماعية فنجد عليا عليه السلام يستقرض دينارا لقوت عياله فيلتقيه في حر الهاجرة المقداد بن الأسود وقد ترك أطفاله يلعقون جوعهم فيلقي القبض على دينار علي المستقرض هبة علوية، في حين وفي نفس الوقت والمكان كان لدى زيد بن ثابت من الذهب ما يكسر بالفؤوس وعلى مربط الزبير ألف فرس وغلة ضياع طلحة كل يوم ألف درهم والقائمة تطول وتطول طردا وعكسا وما مصير أبي ذر الغفاري عن هذا ببعيد".

وقال: "تطورت الصدمات متتالية، فسخر الحاكم جيشا من القصاصين والمحدثين دجنوا الساحة الفكرية بالخرافة تارة والتدليس أخرى والكذب طورا آخر، فانتقلت الأمة بسرعة مذهلة من كونها صاحبة شعار إقرأ إلى شعار ثمة من يقرأ عنك وله الصوت وليس لك إلا الصدى تتصرف به مرددا وإلا فاسكت. ولم ترعو الصدمة المفتعلة عن سفك الدماء وتخريب الممتلكات فقد أوصى الحاكم قائد حملته على العراق قائلا: إن هذه الغارات على أهل العراق ترعب قلوبهم وتفرح كل من له هوى فينا منهم وتدعو إلينا كل من خاف الدوائر فاقتل كل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك وأخرب ما مررت به من القرى وأحرب الأموال فإن حرب الأموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب. ومعلومٌ أن من ليس على رأي قائده هو تابع لعلي عليه السلام".


وأضاف كنعان: "لقد أدخلت الصدمات تلك الأمة في أمرين خطيرين، الأول: الشلل النفسي حيث فقدت القدرة على الفعل وجلست في موقع المتلقي تاركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد عبر عن ذلك عمار بن ياسر في وداع أبي ذر إلى منفاه الأخير الذي لم يودعه إلا القلة القليلة حين قال: وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلا الرضا بالدنيا والجزع من الموت. وهي عبارة تدل في أهون ما تدل عليه أن الأمة فقدت منطق التصالح مع ذاتها والنظر إلى نهايات الأمور واكتفت بالسلامة الآنية على قاعدة من بعدي الطوفان. والثاني: الإزدواجية في التعاطي والتي تستبطن النفاق حتما فهي تغضي عن الحق مع معرفتها به وتؤثر مهادنة، بل والإنخراط بالباطل مع وضوح بعض مفاصله وهو منطق أفضى إلى قول الخارجي لعلي عليه السلام: لله دره من كافر ما اخطبه، أو قول الفرزدق للحسين: قلوب الناس معك وسيوفهم عليك. ولقد تنبه في عصرنا الحديث الأستاذ الجامعي الكندي دونالد ماكرون لهذا النهج حين نظر لنظرية الصدمة التي تنتهجها السلطة مقابل الشعب بغية سحق عناصر الأداء فيه وضرب مكامن مقاومته تمهيدا لغسل الأدمغة ثم تعبئتها بالإسقاطات التي تريدها. وتبعه من لم يقصر عنه في التيه الثقافي الأمريكي ميلتون فريدمان الذي اعتبر أن الصدمة في الإقتصاد كفيلة وحدها بإماتة كل روح خلاقة لدى أي أمة. ثم أرسلت نظرية الصدمة تلك إرسال المسلمات وما يزال العمل بها قائما في أكثر من مكان".

وتابع: "لقد عمل أهل البيت عليهم السلام في صدر هذه الأمة بإنشاء العوازل التشريعية والأخلاقية والإقتصادية التي امتصت صدمات السلطة فبددت اندفاعاتها المدمرة وكانت الزهراء عليها السلام الأولى التي هدر الحق على لسانها وانبجس الهدى من مواقفها حين حركت شاخصا نصبته بقولها: وجعل الله إمامتنا أمانا للأمة، لكنها أبدا لم تتحرك إلا وفق مقتضيات السلم الأهلي الذي عبرت عنه في ختام خطبتها: فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة. مع إنذارها الشديد مستشرفة للأمة مستقبل أيامها فتقول: فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة. وقد بين علي عليه السلام كل هواجسه وأبدى كل مخاوفه وسلك طريقه فيما هو المتاح له أمارا بالمعروف ولسان حاله وفعاله: لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور بها إلا عليَ خاصة، فالسلم الأهلي لدى أهل البيت عليهم السلام هو الأولوية المطلقة من جهة، وهو الذي يشكل الأرضية ليوم الذروة حيث لا رجوع لكلا المدرستين عما ذهبتا فيه. ثم بادر أبو محمد الحسن إلى النأي النهائي عن السلطة التنفيذية استنقاذا لبقية باقية في المقلب التشريعي في كيان الأمة وفي مواطن حراسة القرآن وبث الروح في السنة النبوية الشريفة بما يعد حدا من الخسائر واحصاء للفوادح وترميما للصدوع وكل معصوم في موطن حجيته البدرية لا يتخلف عنها ولا تنزوي عنه. أما الحسين عليه السلام فقد ورث أمة مهزومة في باطنها وظاهرها وعاصر سلطة لا تحصر صدماتها، ولا تعد بوائقها، فانتصر وأفلح وغلب، هي المرة الوحيدة في التاريخ التي تكسر فيها صدمة السلطة بصدمة الشهادة، وكثيرٌ هم الشهداء ولكل فضلٌ لا ينكر، لكن الحسين عليه السلام انتصر بشهادته، وقد نجد من الشهداء من ينتصر بعد إهراق دمه ولكل فضل بيد أن الحسين أفلح في تجيير النصر سيالا عابرا للأزمنة والأمكنة وهو ما انفرد به حقا وما اجتماعنا هنا وأمثاله إلا رشحة من ذلك الفلاح، كان أبو عبد الله عليه السلام غلاب الصدمات السلبية بصدمته الإستشهادية الدموية التي جللت الأمة ألقا وألبست الجبن شجاعة وسربلت القهر عزا في كثير مما لهذا الإمام عليه السلام من أياد ممتدة من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء، فاشهد أن دمك قد سكن الخلد، واقشعرت له أظلة العرش. بربكم هل سمعتم بغلاب كالحسين، ومفلح كالحسين، ومنتصر كالحسين".


وقال: "لقد كرس صلوات الله وسلامه عليه أن صدمات السلطة الإسقاطية ليست قدرا مقدورا، وأن الصدمة بذاتها ليست ملكا للسلطة. بل إن الفرد بما هو فرد وبما هو مندك بين جماعة يمكن أن يشكل صدمة مقابلة تطيح بالسلبيات كلها في رابعة من نهار، لقد لقفت عصا الحسين كل الإفك السلطوي المتراكم، وابتلعت نهضته كل الأراجيف والتسطيح والبؤس لتعيد انتاجه جبينا كله يتسامى، فاجتاح الحسين عليه السلام الزمان والمكان وأرسل من ظهيرة يوم عاشوراء رسالة الدم فواحة عطرة، زكية نامية متصلة بنهضة ولده المهدي الذي يحمل شعار جده والثأر لقضيته التي هي قضية كون وعوالم متصلة من الملك إلى الملكوت. لقد ابتلعت الدمعة الساكبة على المصاب كل جمر الظلم السلطوي فأطفأت ناره وأخمدت جمره حين صنع الحسين من الدمعة سلاحا ومن الحرقة تميزا، الدمعة التي لها كل الغنم وليس عليها أي غرم، تترقرق من شغاف القلوب إلى المآقي، وهل غير الحسين عليه السلام يفعل فينا هذا الفعل الغلاب".

وختم: "لقد أصبحت بعد الحسين كل صدمات السلطة تنظيرا وأفعالا، تنكيلا وقهرا، ظلما وجورا، تنتفض ذعرا من ذكر الحسين وتتطامن أمام قبر الحسين، فأين الذين منعوا زيارته عبر التاريخ من العسجد الذي يعلو قبابه والمآذن؟ هي مصارع عشاق لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من بعدهم. لقد كان الحسين عليه السلام قدر الله سبحانه ليكذب أحدوثة الصدمة، ولينزع به كل ذرائع الخنوع، ولم يكن قدرا عاديا، بل قدرا مقدورا لازما حين قال لأم سلمة رضي الله عنها: يا أماه شاء الله أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما وعدوانا، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا".

وفي الختام، تلا السيد نصرات قشاقش السيرة الحسينية، وموسى الغول زيارة الامام الحسين.