عام >عام
رحيل تيسير قبعة .. قائد تاريخي مناضل وأسير ومبعد
رحيل تيسير قبعة .. قائد تاريخي مناضل وأسير ومبعد ‎الجمعة 22 07 2016 09:20
رحيل تيسير قبعة .. قائد تاريخي مناضل وأسير ومبعد
الراحل تيسير قبعة

هيثم زعيتر

ليس بالأمر الهيّن أنْ نودّع مناضلاً، فكيف إذا كان قائداً رائداً بمكانة تيسير قبعة، صاحب السجل النضالي الحافل منذ نعومة أظافره، طالباً وأسيراً ومُبعداً، وأحد القادة التاريخيين والمؤسِّسين في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، والمراكز العديدة التي تبوّأها، وآخرها نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني.
منذ الصغر كنتُ أسمع من والدي عن مناضلين قادة رحل منهم الكُثُر أمثال: جورج حبش، وديع حداد، أبو ماهر اليماني، أبو عدنان قيس، وما زال هناك مَنْ يتابعون النضال وفي طليعتهم: محسن إبراهيم، نايف حواتمة وصلاح صلاح وآخرون.
ومن المناضلين الذين تركوا بصمات مميّزة، القيادي تيسير قبعة "أبو فارس"، الذي شاءت الظروف أنْ أتعرّف إليه عن قرب خلال عقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسته الخاصة في رام الله في الضفة الغربية يومي 26 و27 آب 2009، في زيارتي الأولى إلى أرض الوطن، وكانت لحظة هامة ومفصلية في تاريخ إنقاذ المؤسّسات الفلسطينية، وتحديداً رأس الهرم، اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية"، حيث حرص الرئيس محمود عباس على تثبيت الشرعية الفلسطينية من خلال ملء الشواغر في اللجنة التنفيذية، بعدما باتت مهدّدة بفقدان شرعيتها، إثر فقدان ثلث أعضائها الـ18، برحيل أمين عام "جبهة النضال الشعبي الفلسطيني" الدكتور سمير غوشة (4 آب 2009).
ومع عدم تمكّن أعضاء في اللجنة التنفيذية من حضور اجتماعاتها في رام الله، فكانت دعوة رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون لعقد جلسة خاصة وفقاً للمادة 14 - فقرة ج من النظام الداخلي.
جلس على المنصة الرئيسية الرئيس "أبو مازن" وعن يمينه الزعنون وقبعة وعن يساره أمين عام المجلس الدكتور محمّد صبيح.
وبعد ملء الشواغر الستة تزكية واقتراعاً، التي كانت خطوة إنقاذية، شعرتُ كم هي السعادة بادية على مَنْ قام بهذا العمل الهام، وبينهم قبعة، الذي توالت اللقاءات معه، في أكثر من مناسبة، حيث لم تكن بحاجة إلى جهد من أجل معرفته وجوده، ليس لضخامة جسده، بل من صوته الجهوري، وضحكته المميّزة، التي ترشدك إليه مباشرة.
المناضل القائد، المولود في قلقيلة (20 آب 1938)، تأثّر بثورة يوليو الناصرية في العام 1952، التي يرحل عشية الاحتفال بذكراها، وانتقل إلى دمشق لدراسة الحقوق في جامعتها، حيث انتُخِبَ رئيساً لـ"رابطة الطلبة الفلسطينيين" في سوريا، وكان في طليعة القوميين العرب، المنادي بالوحدة العربية، فكان ضحية الانفصال عن مصر في العام 1961، حيث اعتُقِلَ وأُبعِد إلى القاهرة، التي انتُخِبَ فيها رئيساً لـ"الاتحاد العام لطلبة فلسطين"، وساهم في تفعيل دوره واتساع انتشاره ليشمل أكثر من 40 فرعاً في جميع أنحاء العالم.
نقل القضية الفلسطينية إلى المحافل الدولية عبر المشاركة في المؤتمرات الطلابية والشبابية في افريقيا وأوروبا الشرقية والغربية، فتوحّدت حول قضية فلسطين.
وشارك ممثلاً لـ"الاتحاد العام لطلبة فلسطين" في المؤتمر الأوّل الذي عُقِدَ في القدس في العام 1964، وافتتحه عاهل المملكة الأردنية الهاشمية الملك الحسين بن طلال، وانتُخِبَ عضواً في أوّل مجلس وطني فلسطيني وبقي فيه حتى وفاته.
إثر نكبة حزيران 1967 واحتلال العدو الإسرائيلي لمدينة القدس، لتكون أوّل عاصمة عربية تُحتل، وأيضاً الضفة الغربية وقطاع غزّة والجولان السوري وسيناء المصرية، يمّم وجهة نظره إلى الأرض المباركة، وعاد مع مجموعة من رفاق الدرب إلى فلسطين، حيث شارك في قيادة وتنفيذ عمليات إلى أن اعتقله الاحتلال (20 كانون الأوّل 1967).
لكن اعتقال المناضل تيسير قبعة ورفاقه، كان شرارة لانطلاق حملة عالمية دعت إلى إطلاق سراحه، واستفاد من العلاقات التي نسجها يوم كان يتولّى مهام أمين عام "اتحاد الطلبة الفلسطينيين"، فزارته وفود من اتحادات طلابية عالمية.
واضطر الاحتلال إلى الإفراج عنه في العام 1971، لكن أبعده إلى الأردن عبر صحراء النقب، ثم انتقل إلى لبنان، ومنها تنقّل بين سوريا والعراق والجزائر وتونس، وقابل رؤساء وحكّام وقيادات، وترأس وفوداً فلسطينية إلى العديد عن دول العالم.
تيسير قبعة كان أوّل ممثّل لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية منذ اللجنة التاسعة (بتاريخ 13 تموز 1971) واستمر حتى اللجنة العاشرة التي انتهت ولايتها (بتاريخ 22 آذار 1977)، حيث مثّل الجبهة حينها أحمد اليماني "أبو ماهر".
"أبو فارس" كان في طليعة الداعين إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على أي جزء من أرض فلسطين كخطوة أولى لتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، فسبّب له موقفه هذا انتقادات ممَّنْ كان لا ينظر إلى آخر النفق.
وتحقّقت أمنيته وما دعا إليه، بأنْ عاد إلى أرض الوطن، وشارك في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الـ21 التي عُقِدَتْ في غزّة في العام 1996، وانتُخِبض فيها نائباً لرئيس المجلس، قبل أنْ يُعاد انتخابه بالمركز ذاته، وبقي فيه حتى رحيله - أي لمدّة 20 عاماً.
كما انتُخِبَ في العام 2005 نائباً لرئيس البرلمان الانتقالي، وفي العام 2006 نائباً لرئيس "الجمعية البرلمانية الأورو - متوسطية".
اقترن في العام 1974 من ابتسام نويهض ورُزِقَا بأربعة أولاد (فارس و3 بنات).
يرحل المناضل تيسير قبعة بعد أنْ وافته المنية في العاصمة الأردنية، عمان، صباح أمس، حيث يوارى الثرى في "مقبرة سحاب" في عمان بعد صلاة اليوم (الجمعة).
وقد نعى الراحل كل من الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون واللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وفصائل الثورة الفلسطينية.
رحم الله الراحل صاحب الكلمة الجريئة.. والسجل النضالي المشرف.. وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أهله ومحبيه وكل من عرفه الصبر والسلوان.