عام >عام
صلاح صلاح "سندباد فلسطين" من مرارة الألم.. استخلاص تجارب وعِبَرْ
صلاح صلاح "سندباد فلسطين" من مرارة الألم.. استخلاص تجارب وعِبَرْ ‎الجمعة 30 09 2016 09:24
صلاح صلاح "سندباد فلسطين" من مرارة الألم.. استخلاص تجارب وعِبَرْ
صلاح صلاح خلال توقيع كتابه

هيثم زعيتر

اقتنع المناضل الفلسطيني صلاح صلاح، بأنْ يوثّق تجربته النضالية في كتاب حمل إسم: "من ضفاف البحيرة إلى رحاب الثورة"، الصادر عن دار الفارابي، ويقع في 430 صفحة من القطع الوسط، ضمنها ملحق صور.
ومن الأهمية أنْ يُبادر مناضلون وشهود على حقبات نضالية، توثيق تجاربهم، خاصة إذا كانوا في قلب الحدث، فكيف إذا كانوا هم الحدث بعينه!!
وهكذا هو الحال مع "أبو ربيع"، المناضل الصلب، والفدائي الذي تشهد له الدساكر والوديان والجبال، تصدّيه لقوّات الاحتلال الإسرائيلي، مستطلعاً ومنفّذاً عمليات بطولية.. وأيضاً منفّذاً لمهام نضالية في صفوف "حركة القوميين العرب"، وهو يتوارى عن أعين رجال "الشعبة الثانية" في لبنان، أو فارّاً من سجن حمص في سوريا.
وفي كل المواقع القيادية التي تبوأها في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، و"منظّمة التحرير الفلسطينية"، بقي صلاح كما نشأ في المنزل الأوّل، الذي وُلِدَ فيه في بلدة غوير أبو شوشة على ضفاف بحيرة طبريا، في فلسطين، حيث عاش يتيماً بعد استشهاد والده متأثّراً بالتعذيب على أيدي جنود الانتداب البريطاني، لدعمه الثورة الفلسطينية الكبرى، وهو التعذيب ذاته الذي تعرّض له صلاح بأيدٍ عربية.
ومع تعلّمه الأحرف الأولى والكتابة والقراءة، كانت رياح الغزو الصهيوني تهبُّ على فلسطين، حيث اضطر صلاح إلى مغادرتها في العام 1948، وهو طفل، وبعد ترحال في لبنان، حطَّ به الرحال مع عائلته وعشيرته في الجهة الجنوبية من مخيّم عين الحلوة، في صورة مشابهة لواقع البلدات في قضاء طبريا، وسط بلدات: لوبية وحطين وعرب الغوير ونمرين، مع مجاورة الشجرة وصفورية وعمقا والزيب.
الوالدة الحاجة صالحة، التي كدّت وتعبت وتحمّلت آلام الأيام، بعد رحيل شريك العمر، غرست في صلاح وشقيقه النضال لأجل فلسطين، وتولّى عمّه الأمير أبو علي، وهو شيخ القبيلة، الاهتمام به، حيث كان ديوانه مقصداً لكبار المخيّم ووجهاء بلداتهم، يجلسون فيه، يتذكّرون الأحداث التي مرّت في الصبا، والمؤامرة التي أخرجتهم من بلادهم، ويتباحثون الواقع والتطلّعات للمستقبل.،ولم تَحُل ظروف الطبيعة من اجتماعهم في "الديوان" الذي كان عبارة عن خيمة كبيرة.
وأوكلت إلى صلاح مهمة "خدمة القوم" من روّاد الديوان واستقبالهم، وهو ما أتاح له مجالسة الكبار والاستماع إلى أحاديثهم ورواياتهم وذكرياتهم وتجاربهم، قبل أنْ تُطلب منه قراءة نشرة "الثأر" على ضوء السراج، ووجّه فيها تحقيقاً لوصيّة الوالدة بالعمل على استعادة فلسطين، وكانت بداية المشوار مع نواة "حركة القوميين العرب"، التي كان أفرادها نزلاء زنازين "الشعبة الثانية".
ولعلّ التعرّف إلى المناضل صلاح صلاح، لم يكن طارئاً، أو وهو في مركز قيادي، بل منذ الطفولة، حيث كان زميلاً لوالدي الراحل سليم زعيتر في "حركة القوميين العرب" وشاهداً على ولادتي، والتي كانت مبرّراً لعقد اجتماعات يُشارك بها أيضاً أحمد اليماني "أبو ماهر" وعبد الكريم حمد وسليم أبو سالم، وابراهيم حسين وفيصل عابد وسعيد الصالح، والقاضي جميل بيرم، ومحمّد علي رباح "أبو نبيل" وعبد الله رباح "أبو رمزي" وغيرهم.
وكان صلاح ووالدي رفاق نضال وزنزانة، وشكّلا في العام 1959 مع رفاق النضال "نادي الشباب العربي الفلسطيني" في مخيّم عين الحلوة، الذي كان له دور هام في حثّ الطلاب على التعلّم، وتوعية الشباب، ومحاربة التوطين ومشاريعه، والتصدّي لآفة "لعب القمار".
كان صلاح نشيطاً، وتمكّن مِراراً من أنْ يلوذ بالفرار قبل توقيفه، حيث نجح بالفرار من أحد سجون حمص السورية إلى لبنان، وبين عقوبة وأخرى كانت العناية الإلهية تنقذ الطفل اليتيم، المُصِر على المضي بطريق النضال، فعايش الكبار من قادة الثورة، وإنْ اختلفت وجهات النظر، وبقيت من أجل فلسطين كما يراها كل منهم.
"أبو ربيع" قرّر ترك المهام القيادية وهو في عز العطاء، وهذه صفة تمتاز بها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، التي قرّر عدد من قادتها التنحّي في لحظات - على الرغم من إمكانية العطاء - إفساحاً في المجال أمام الجيل الشاب لتسلّم مسؤولية القيادة.
كم هو رائع أنْ يوثّق المناضلون تجاربهم، للإضاءة على حقبات نضالية، كانت فيها الظروف أصعب من مراحلنا هذه، وكان فيها مجرّد لقاء أو وشاية كفيل ببلوغ السجن، وعلى الرغم من ذلك، استطاع الشباب التغيير، وتحويل المعاناة وألم النكبة إلى منطلق للنضال الصادق، الذي استطاع وضع الثورة الفلسطينية على الخارطة الدولية، فتعمّد النضال بدماء الشهداء والجرحى، وصمود الأسرى والمُبعدين، وثبات الصامدين فوق أرضهم المحتلة أو في الشتات، حيث يتمسّكون بحق العودة.
"أبو ربيع" خِضّتَ تجربة ناجحة، أضأت فيها على حقبات نضالية، كانت فيها زوجتك سميرة (فريال سعيد الشيخ سليم) رفيقة درب في كل منها، وهو ما يُتوقّع أنْ يفتح النقاشات على مصراعيها، لأنّك كنت صريحاً وجريئاً، وتناولتَ التجارب كما عشتها، بألم المرارة، لكن من أجل الاستفادة من التجارب.