مقالات مختارة >مقالات مختارة
استراتيجياتُ التنميةِ في صيدا.. نحو مدينةٍ نموذجية..
استراتيجياتُ التنميةِ في صيدا.. نحو مدينةٍ نموذجية.. ‎السبت 31 12 2022 10:27
استراتيجياتُ التنميةِ في صيدا.. نحو مدينةٍ نموذجية..

رنا ترو درزي

في المقاربةِ العلميةِ الموضوعية للاستراتيجيات التنموية الموضوعة للنهوض بمدينة صيدا، لا بدّ من الوقوف عند عدة نقاط أساسية يمكن من خلالها مناقشة المسألة التنموية والمشاريع قيد التنفيذ ..  فالتنمية لها شروطها وعناصرها وهي عمليةٌ منظمةٌ وفقَ رؤية استراتيجية وخطة واضحة المعالم.. وهي تحتاج إلى شركاء فعليين من مؤسسات الدولة والبلديات والهيئات المحلية بالإضافة إلى التعاون المباشر من المواطنين المستهدفين والمستفيدين من العملية التنموية..
 
إلا أننا في هذا المقال نطرح إشكالية توفير الظروف الملائمة للقيام بتنفيذ مشاريع تنموية تلامس حاجات المدينة الفعلية وتحولها الى مدينة نموذجية.. وهنا لا بدّ من الإشارة الى أنَّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمنية غير ملائمة لتقديم الدعم الكافي للإنجاز التنموي.. فالدولة اللبنانية شبه غائبة عن المدينة باستثناء المبادرات السياسية الفردية التي تبقى في المجال الضيق، بالاضافة إلى العوائق التي تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة وأبرزها:
 
1- المشاكلُ البيئية في صيدا  التي تنعكس بشكل كارثيٍّ على الأوضاع الصحية والاقتصادية والتنموية وتظهر مدى التقصير المتمادي للحكومات اللبنانية المتعاقبة في هذا المجال.

وهنا لا بد قبل الحديث عن الاستراتيجيات التنموية الشاملة للمدينة من وضع استراتيجية بيئية تقوم على مواءمة الإمكانيات مع الأهداف وأن يكون هناك خارطة طريق بيئية على قواعد علمية، خاصة أنَّ مدينة صيدا التي تعاني من مشاكل اجتماعية وصحية عديدة، تأتي في مقدمتها مشاكل البيئة والتلوّث التي تعتبر من أهم الصعوبات أو العراقيل التي تواجه تحقيق مشروع تنموي شامل ومستدام. لذلك قبل الولوج إلى وضع استراتيجيات وخطط تنموية شبه وهمية لا بدّ من حلِّ مشكلة "جبل" النفايات في صيدا،فبقاء المكب في مكانه كارثيّ  ولا يمكن أن تتحققَ بوجوده أية استدامة بيئية، خاصة أنَّ الاستدامة البيئية هي الاستجابة الآنية دون تعريض مستقبل الأجيال القادمة في قدرتهم على الاستجابة لاحتياجاتهم".
 
2- من ناحية ثانية، نطرحُ نوعًا آخر من التلوث في المدينة والذي لا يمكن أن يعكس وجه المدينة الحضاري والتنموي إلا بإيجاد الحلول النهائية له وهو موضوع  التسوّل خاصّة على الإشارات الضوئيّة عند توقف السّيارات والتي  باتت حالة مقلقة وتثير مخاوفَ المواطنين.

لذلك نرى أنَّ انتشار المتسوّلين على تقاطعي سبينس وإيليا بأعدادٍ كبيرة، يشكلُ حالةً شاذةً لا بدَّ من الانتهاء منها قبل الحديث عن مشاريع تنموية للمدينة.
 
3- وبالحديث أيضا عن العوائق التي تقف في وجه تحقيق استراتيجية تنموية في مدينة صيدا لا بدّ من الوقوف عند التصاعد الخطير في وتيرة هجرة الشباب والطلاب والأدمغة من المدينة نحو دول الغرب ومن أهمِّ أسبابها الظروف الأمنية والاقتصاديَّة إضافة إلى الفساد المستشري في معظم المؤسسات ومراكز الأعمال الذي تسبب بمشكلات اجتماعيَّة ونفسيَّة واقتصاديَّة كبيرة. وبالتالي لا يمكن أن تتحقق أي خطة او رؤية تنموية لا تلحظ أهمية عنصر الشباب ودورهم في العملية التنموية.

4- في سياقٍ آخر نطرحُ مسألةَ الربط بين تحقيق مشاريع تنموية وتأخر الأعمال في البنية التحتية لمعظم مناطق صيدا وإعادة حفر أقسام منها، معتبرين أنَّ "هذا   الإهمال قد لا يساعد في تسهيل انجاز مشاريع تنموية للمدينة بل هو يهدّد مصالح المدينة وسلامة أبنائها. من هنا لا بدّ من إعادة تأهيل ​البنى التحتية​ لمدينة صيدا وأسواقها وبالتالي وضع رؤية إنمائية لضبط التفلّت والتعديات على الأملاك العامة.

5- أخيرًا  لا بدَّ من المرور سريعًا على ما تعانيه صيدا من مشاكل كثيرة تشمل "التسربَ المدرسيّ، الحالة الاقتصادية المتردية، إنعدام الثقة بين السكان نتيجة الفقر، نقص التماسك الاجتماعي، وجود بعض حالات الإدمان التي ليست سبب المشاكل الأخرى كما هو سائد، بل إنها نتيجة لغياب أي متنفس للشباب في هذه المنطقة".

 
وعليه، نرى أنَّ وضع الاستراتيجيات التنموية العشوائية التي تغفل هذه المشاكل الأساسية التي تعاني منها مدينة صيدا هو مجرّد مضيعة للوقت واستنزاف أكبر للمدينة والساكنين فيها..

وبالتالي لا بدّ من الانطلاق من استراتيجية تنموية ذات أهداف واضحة ومحددة خاصة  أنَّ الاستراتيجية الجيّدة تأخذ في الحسبان الحواجز والموارد القائمة (الناس، والمال، والسلطة، والمواد،...).

كذلك، يجب أن تكون متناسقة مع الرؤية، والرسالة، والأهداف العامة للمبادرة. وغالباً ما تستعمل المبادرةُ استراتيجيات متعدّدة ومختلفة لبلوغ غاياتها – توفير المعلومات، وتعزيز الدعم، وإزالة الحواجز، وتوفير الموارد...الخ.

المصدر : جنوبيات