بأقلامهم >بأقلامهم
العادات والتقاليد في مجتمعنا اللبناني
العادات والتقاليد في مجتمعنا اللبناني ‎الجمعة 27 01 2023 08:43 د.هبة المل أيوب
العادات والتقاليد في مجتمعنا اللبناني


يولد الإنسان في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد، والقيم المتوارثة من جيل الى جيل، فالعادة هي التكرار لأعمال إعتاد على فعلها دون تفكير مسبق،إنما استحوذت إهتمامه ووقتاً منه، حتى إنه لا يشعر بالراحة إذا ما تخلّف عن القيام بها، منها إيجابية ومنها سلبية وفي كلتا الحالتين تبقى عادة وروتين، أما التقاليد فهي القيم المتوارثة من جيل الى جيل ، ينفذها الأبناء فقط لمجرّد أن الآباء يقومون بها قبلهم، وهذه العادات والتقاليد تختلف من مجتمع لآخر ومن دولة الى دولة، ومهما كان الإختلاف في العادات والتقاليد ،فهي تبقى راسخة في العقول وتتحكم بحياة الفرد وقراراته المستقبلية، وتجعله اسيراً لها طيلة حياته ونسأل هل العادات والتقاليد هي حتماً تجلب الخير للإنسان؟ أم أنها تسببّ له الأذى النفسي والعذاب في حياته المعيشية؟
منذ الجاهلية الأولى، سادت العادات والتقاليد، وحكمت معيشتهم اليومية، وسيطرت على عقولهم ، الى أن جاء الإسلام، حيث حرّم بعضها ، وأهمها وأد البنات، وغيرها من العادات التي لم تكن لصالح حياة الفرد في المجتمع، من ثمّ تعاقبت العصور وآخرها العصر الحديث والإنفتاح على العالم الخارجي، هذا الإنفتاح دفع  الإنسان الى التحرر من هذه العادات إذ لم يعد يقدسّها ، ولم تعد تشكل له عقبة في حياته، ولا عائقا امام التفكير بضرورتها انما لديه الحرية في إختيار البديل ، الذي يتناسب ويتوافق مع معتقداته وقناعاته، لكن على الرغم من هذه المحدثات إلا ان الزواج بين الأقارب لا يزال قائماً في بعض القرى اللبنانية على الرغم من إثبات الدراسات الحديثة بأنها سبب للأمراض الوراثية.
في هذا السياق، تذكر سيدة شاهدة على الأضرار الناجمة من أزواج الأقارب: "لدينا في العائلة قانون عرفي ، بعدم الزواج من خارج العائلة ، حتى أصبح الجميع يشبهون بعضهم، مما جعل مستوى تعليمهم وذكاء أطفالهم ، أقل وكثير منهم يعاني من أمراض خطيرة تصيب أنزيمات الدم".
بالمقابل تؤكد دراسات علمية، ان الزواج من خارج العائلة ، أي الزواج من الغرباء، إنما يكسر جدران العائلة، ويقوي العلاقات داخل المجتمع الأوسع. هذه الشهادة وهذه الدراسات هي مؤشر لما مدى الخطورة المتأتية من السير خلف هذه العادة والتقليد الأعمى وبالتالي تطبيقها دون تفكير في الآفات .
هنا تستنتج مقولة ان : "إذا كان التغيير مجازفة محفوفة بالمخاطر فإن العادة والتقليد قاتل". في الواقع أن درجة الوعي، والتنوع الثقافي ، والإنفتاح على باقي الحضارات، إنما أحدثوا تغييرات الى حدّ ما في هذه المعتقدات والتقاليد، ولا بدّ من القول أن المجتمع الذي يرفض الإختلاف والتنوّع ،ويحاول عمل نسخ متطابقة من أفراده، إنما هو مجتمع ضعيف وغير متماسك، إن الاختلاف سنة الله في الكون وهو أساسي في استخلاف الله للإنسان في الارض.
لذلك، إن الإختلاف بين الأفراد، هو بمثابة الدافع لقبول الآخر،  والدافع ايضاً للتغيير لهذه المعتقدات والعادات، التي تؤدي بعضها الى مشاكل اجتماعية ، وأمراض صحية، يمكن للإنسان العاقل ان يكون بمنأى عنها ، وثمة حقيقة لا بدّ من ذكرها ألا وهي أن رفض الزواج من الأقارب وزواج الغرباء إنما يوسّع دائرة العلاقات الاجتماعية، فالإنسان كائن إجتماعي بطبيعته،  وأنه يميل بطبعه إلى الإختلاط بغيره من الأفراد ، ويحاول أن يقيم علاقات إجتماعية بنّاءة ، تزيد من معرفته وثقافته ، فالمعرفة تراكمية تتكون من تراكم الخبرات والتجارب الإنسانية ، وما المجتمع الإنساني سوى مختبر تتم فيه كل التجارب الإنسانية،  التي لا بدّ من الوصول الى الإستنتاجات، والخبرات، والأحكام ، التي من شأنها أن تهدي الفرد في المجتمع ،وتدلّه على الطريق الصائب ، فالحياة التي تحكمها العواطف هي حياة مهمشة ومتخلّفة أما المجتمعات التي توازن بين العقل والعاطفة هي مجتمعات رائدة ومبدعة .
أخيراً، يبقى أن العادات والتقاليد في المجتمع الإنساني ، ليست أحكاماً مطلقة لا بدّ من الأخذ بها ، إنما هي قابلة للتغيير وفق المتغيرات التي تطرأ على المجتمعات، فالحياة الإنسانية هي خيارات يختار منها الكائن الحي ما يتناسب لصالحه ، وليس ما يسببّ له الأذى والمرض النفسي دون الوعي في ذلك، خاصة تلك التي تقع في دائرة اللاوعي والعقل الباطن .

المصدر : جنوبيات