بأقلامهم >بأقلامهم
"السّياسيّ الكونكانيّ.. وشراء النّار"!
"السّياسيّ الكونكانيّ.. وشراء النّار"! ‎الثلاثاء 14 03 2023 09:28 القاضي م جمال الحلو
"السّياسيّ الكونكانيّ.. وشراء النّار"!


يُحكى في الزّمن المعاصر، والضّرب في عمق الخواصر، أنّ سياسيًّا من "جمهوريّة كونكان الديمقراطيّة" مشهود له بالنّصب والاحتيال ونهب الأموال، علم من مصادر مطّلعة أنّ مسؤولي "جمهوريّة هات إيدك والحقني" يقومون ببيع أراضٍ في الجنّة مع صكوك بيع وسندات تمليك مصدّقة وممهورة بأختام الدّولة المذكورة. فعزم الأمر وشدّ الرّحال وجهّز حقيبة السّفر المليئة بدولارات السّوق السوداء واستقلّ طائرته الخاصّة التي حطّت أدراجها في مطار "جمهوريّة هات إيدك والحقني".

في اليوم التّالي ذهب إلى الدوائر العقاريّة في العاصمة وقابل المدير العامّ المسؤول وطلب إليه أن يشتري "جهنّم وبئس المصير"! فأجابه المسؤول: نحن نبيع الشعب أراضي في الجنّة فقط، وقد أصبح ربع الشّعب في "جمهوريّة هات إيدك والحقني" يمتلك أراضي في جنّات الخلود مع ضمانات الغفران والنّعيم الأبديّ. فكيف تريد أن تشتري نار جهنّم وبئس المصير؟!
وهنا ابتسم السياسيّ الكونكانيّ وقال: أنا اعشق النّار وأريد شراءها فهلاّ بعتموني إيّاها؟ 
ردّ المسؤول، والاستغراب بادٍ على وجهه: سأسأل كبار رجال الدّولة وأجيبك نهار غد.
وفي اليوم التّالي حضر الكونكانيّ واستأذن بالدخول إلى مكتب المسؤول الذي رحّب به قائلًا:
إنّ مسؤولي دولة "هات إيدك والحقني" قد وافقوا بالإجماع على بيعك نار جهنّم بمبلغ وقدره مليار دولار أميركيّ! 
وافق السياسيّ الكونكانيّ على الفور وجرى توقيع العقد مع كافّة متمّماته، مع سند التّمليك ممهورًا بختم الدّولة وتصديقها، وتمّ تسليمه "شهادة تمليك نار جهنّم وبئس المصير"!
وفي صبيحة اليوم التالي عقد السياسيّ الكونكانيّ مؤتمرًا صحفيًّا حضره نخبة شعب "جمهوريّة هات إيدك والحقني" وأثناء الكلام عن شرائه "لجهنّم وبئس المصير" فجّر مفاجأة من العيار الثقيل، فقد صرّح قائلًا: أيّها الشّعب العزيز في "جمهوريّة هات إيدك والحقني" أبشّركم بخبر صادم! 
لقد اشتريت "جهنّم وبئس المصير"، ومن الآن إلى يوم يبعثون، لن يدخل أحدٌ منكم النار، فقد أقفلتها وأوصدت أبوابها، فلا داعي للخوف، ولم يعد من المُجدي شراء أراضٍ في الجنّة لضمانِ الغفران وعدم دخول النّار. 
خيّم الصّمت مدّة، وشخصت الأبصار نحو منبر الأخبار، وفجأة علا الصّراخ والهرج والمرج والزّغاريد المعبّرة عن الفرح والأمان. 
وبعد أسبوع من واقعة بيع "جهنّم وبئس المصير" لم يعد أحدٌ من المواطنين في "جمهوريّة هات إيدك والحقني" يريد شراء أيّ أرضٍ في الجنّة.
دُقّ جرس النّفير للحدث الخطير ودعت السّلطات في "جمهوريّة هات إيدك والحقني" إلى اجتماعٍ طارئ في مجلس الوزراء لمناقشة الحادث الجلل، وخرج الاجتماع بأن يُعاد شراء "جهنّم وبئس المصير" من السياسيّ الكونكانيّ الذي قبل بذلك لقاء عشرة مليار دولار أميركيّ، فوافقت السلطة في "جمهوريّة هات إيدك والحقني" على ذلك ودفعت المبلغ نقدًا. 
قبض السّياسيّ الكونكانيّ المال وركب طائرته الخاصّة وعاد إلى "جمهوريّة كونكان الديمقراطيّة" فرحًا بإنجازه الضّخم. 
إنّها محاكاة لقصّة خياليّة تتماهى مع الأحداث المقيتة التي نعيشها في بلدنا الحزين لبنان على أيادي سياسيّي الغفلة عن الواقع والرّضى بالمواجع، وتحت إشراف وأنظار كافّة المراجع...
فهل من يتّعظ؟!