بأقلامهم >بأقلامهم
إدراك الأبارتهايد الإسرائيلي
إدراك الأبارتهايد الإسرائيلي ‎الأربعاء 31 05 2023 16:07 هبه بيضون
إدراك الأبارتهايد الإسرائيلي

جنوبيات

لا يختلف اثنان الآن على أنّ "إسرائيل" هي دولة أبارتهايد، قد لا يكون هذا المصطلح وصل إلى العديد، بل ربما إلى الكثير من الناس، بحكم عدم المتابعة وعدم الاهتمام بالسياسة وعدم القراءة وقلة الثقافة والاطلاع، ولكن كمفهوم، لا شك أنه وصل إلى العالم أجمع، بجميع اللغات وعلى جميع المستويات، ومع اختلاف الثقافات والاطلاع والتعليم ومستوى الاهتمام، فالمحتوى الأبارتهايدي وصل إلى جميع المجتمعات، بمختلف مكوناتها، إلى الصغير قبل الكبير، وذلك عبر وسائل التواصل المختلفة، وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت متاحة اليوم، إن لم يكن لجميع البشر، إلى نسبة كبيرة وقد تكون الأغلبية منهم، أيّ باستثناء أولئك الذين يعيشون في المناطق الفقيرة النائية، التي لم تصلها الحضارة والتكنولوجيا بعد.

إنّ المحتوى المتداول بجميع أشكاله واختلاف أنواعه وممارساته يدل على أنّ هناك درجة كبيرة من التمييز ضد الشعب الفلسطيني، هذا ما ثبت بالصوت والصورة عبر الفيديوهات المتداولة، وعبر القنوات الفضائية المختلفة، على اختلاف انتماءاتها، حيث أصبح من غير المقبول وغير الممكن لأيّ وسيلة إعلامية، سواء مكتوبة، أو مرئية، أن تتجاهل ما يحدث في فلسطين، من نهرها إلى بحرها، من معاملة عنصرية وانتهاكات عنصرية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، بما فيهم الشتات الفلسطيني الذي يعاني أيضاً من العنصرية الصهيونية، والتي تجلّت في أبشع صورها لمن هم في فلسطين وخارجه، فها هم الفلسطينيون في الشتات يمنعون من زيارة أقاربهم في الوطن، ويمنعون من حضور جنازات أعز الأقارب من أب وأم، لأسباب مختلفة وتحت ذرائع عديدة، مصبها جميعها في أنّ هناك تمييز عنصري مخيف، رهيب، وقح، عنيد، ظالم، قاهر، تجاوز كل الحدود، الأخلاقية منها قبل القانونية، والدينية منها قبل الإنسانية، وجميع حدود العقل والمنطق والموضوعية.
إنّ تجاهل أيّ وسيلة إعلامية للمارسات العنصرية التي تحدث بحق الشعب الفلسطيني يعتبر بحد ذاته جريمة، ويفقد تلك الوسيلة الإعلامية مصداقيتها واحترام الناس لها، وهذا ما يجعل وسائل الإعلام المعادية للشعب الفلسطيني وحقه تبث ما يحدث، ولكنها تتلاعب بالتقرير المرفق بالفيديو وبنص وكلمات الخبر أو التقرير، بحيث تحوّل المجرم إلى ضحية، والضحية إلى مجرم، وتحول الحق إلى باطل، والباطل إلى حق.
إنّ من لم يسمع بكلمة "أبارتهايد"، سمع بكلمة "تمييز"، وإن لم يكن قد سمع الأخيرة، يكون قد شاهدها وشعر بها، ومنهم من فكّر بها بعمق، بأسبابها وبتبعاتها، النفسية منها والجسدية، وتبعاتها على الأفراد المحيطين بمن يتعرض لها، حيث أنّ هذه الانتهاكات الأبارتهايدية، العنصرية، التمييزية، بجميع المسميات، البسيطة والمعقدة، لا تمس فقط من يتعرض لها بصورة مباشرة، بل تمس عائلته وأقاربه وأصدقائه وحتى معارفه، وتخدش كرامة كل من يسمع بها ويراها عن بعد، وترفع ضغط كل من يشعر بها من خلال مشاهداته، من أبناء الحق والكرامة وأحرار العالم، وتثير غضبهم، مهما بعدت المسافة بينهم وبين فلسطين.
إنّ القهر الذي يتعرض له الفلسطيني، أينما تواجد، خاصة أهلنا في فلسطين وفي الداخل الفلسطيني المحتل منذ عام 48، لهو إجرام بحق الإنسانية وبحق القوانين والتشريعات والأنظمة السماوية منها والوضعية، ولا أتخيل أنّ هناك بالغ عاقل، على وجه الكرة الأرضية، يراقب ما يعانيه الفلسطيني دون أن يتأثر، بغض النظر عن إن كان من النوع الذي يبدي تأثره ويعبّر عنه، أو يحتبسه داخل نفسه لموانع معينة، منها قد يكون حسابات خاصة، أو نتيجة موت الضمير وغياب الأخلاق ووجود مكاسب خاصة يجنيها جرّاء تجاهله لما يحدث.
لو شاهد أيّ طفل على وجه الأرض فيديو حول أحد الانتهاكات ضد الأطفال الفلسطينيين، وعلى الرغم من أنّ عقله لا ستوعب بعد ما هو التمييز، إلّا أنه سيعبر عن استيائه ببراءة وبأبسط الكلمات، منها مثلاّ أن يتساءل: لماذا يفعلون به هذا؟ أو "حرام" أو قد يبدو على وجهه الدهشة والغضب والألم وترى التساؤل والحيرة في عيونه، دون أن ينطق بكلمة، هذا الطفل يدرك معنى الأبارتهايد والتمييز العنصري والاضطهاد وغيرها من المفاهيم المرادفة بجميع اللغات، دون أن يسمعها أو يعرفها أو أن ينطق بها، هو يشعر بأنّ هناك خطب ما غير سوي، غير سليم، يتناقض مع طبيعة النفس البشرية، التي لم يكتمل عندها العقل بعد.
إنّ محتوى ومفهوم الأبارتهايد وصل إلى كل مخلوق، حتى إلى الحيوانات إذا شاهدته، وبصورة فطرية يكون هناك استنكار وشجب وإدانة واشمئزاز من تلك الممارسات، وتعبير عن رفض وغضب، كل بطريقته.
ما سبق لا يعني أن نتوقف عن فضح الممارسات والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني، ولا أن نتوقف عن التوعية بمفهموم الأبارتهايد بجميع مرادفاته، لأنّ ذلك يعتبر صقل للمعرفة التي اكتسبها الإنسان بالفطرة، بحيث يفهم أسباب وتبعات تلك الممارسات العنصرية والأهم أن يفهم الهدف منها، للتصدّي لها، كل من موقعه.
أختم بالقول كما بدأت، بأنّ الأبارتهايد الإسرائيلي واضح وجليّ للجميع، على اختلاف فئاتهم العمرية وثقافاتهم وخلفياتهم، وهذا يجعل مهمة "إسرائيل" في تلميع ذاتها وادعاءاتها بأنها ألأكثر ديمقراطية في المنطقة، تزداد صعوبة، بل وتذهب مع الريح، إلّا لمن والاها.
 
 

المصدر : جنوبيات