الأربعاء 27 كانون الأول 2023 23:18 م

قضاة الشّرع الشّريف لدى المحاكم الشّرعيّة السّنِّيّة: المسلمين السُّنّة في لبنان مستقلّون استقلالًا تامًّا في شؤونهم الدِّينيّة وأوقافهم الخيريّة


* جنوبيات

بيان صادر عن قضاة الشّرع الشّريف لدى المحاكم الشّرعيّة السّنِّيّة:

 

تفاجأ قضاة المحاكم الشّرعيّة السُّنّيّة في لبنان، بالخطوة غير المنسّقة الّتي أقدم عليها قاضيان شرعيّان عاملان في الملاك، عبر قيامهما بتقديم طعن أمام مجلس شورى الدّولة لإبطال قرار "المجلس الشّرعيّ الإسلاميّ الأعلى" الصادر في التّاسع من أيلول الماضي، والمتعلّق بتمديد السّنّ القانونيّ لولاية مفتي الجمهوريّة اللُّبنانيّة، على الرّغم من مضيّ زهاء ثلاثة أشهر على القرار المذكور. ومباركة جميع أبناء الطّائفة السُّنّيّة وفعاليّاتها لهذا القرار المبرور؛ بتجديد الثّقة بحكمة وحنكة وقيادة سماحة المفتي الشّيخ عبد اللّطيف دريان.

 

إِنّ القضاة الموقّعين أدناه، يرفضون ما قام به القاضيان المذكوران، ويعتبرونه خروجًا على الإجماع الحاصل لدى جميع المراجع الزّمنيّة والدّينيّة في الطّائفة السّنّيّة، حول القرار الّذي يحفظ لمقام الإفتاء اعتداله ووسطيّته، في ظلّ ما تشهده هذه المرحلة التّاريخيّة الّتي يمرّ بها لبنان والمنطقة، ويرونه مضرًّا بوحدة صفّ المسلمين، وتفريقًا لكلمتهم، وإِضعافًا لإرادتهم.

 

هذا، ويؤكّد القضاة الموقّعون أدناه، بأنّ "المجلس الشّرعيّ الإسلاميّ الأعلى" هو سيّد نفسه في كلّ ما يتعلّق بالمرسوم الاشتراعيّ رقم (١٨) تاريخ ١٣/ ١/ ١٩٥٥ وتعديلاته، ولا سيّما القانون الصّادر بتاريخ ٢٨ / ٥/ ١٩٥٦، الّذي أناط بالمجلس الشّرعي الاسلاميّ الأعلى وحدَه، سلطة تعديل ما تقتضيه المصلحة من نصوص المرسوم الاشتراعيّ السّالف الذّكر؛ وتكون قراراته نافذة بذاتها. وبالتّالي لا اختصاص مطلقًا لمجلس شورى الدّولة بالقرارات الصّادرة عن "المجلس الشّرعيّ الإسلاميّ الأعلى"، وأنّ على مجلس شورى الدّولة إعلان عدم اختصاصه المطلق، وردّ الطّعن شكلًا، منعًا لأيّ مساس بسلطة "المجلس الشّرعيّ الإسلاميّ الأعلى"، وسيادته المطلقة على قراراته ذات الصّلة، ويظلّ من غير الجائز تكريس سابقة قضائيّة قد تؤدّي إلى الافتيات على استقلاليّة هذا المجلس الشّرعيّ، أو التَّدخُّل فيما قد يؤدّي إلى إثارة النّعرات الطّائفيّة، أو السِّلم الأهليّ، وزعزعة وحدة صفّ هذه الطّائفة السّنّيّة المؤسّسة للكيان اللّبنانيّ، محذِّرين من مَغَبّة أيّ مساس بهذه الاستقلاليّة المحفوظة قانونًا للمجلس الشّرعيّ الموقّر. ومنوّهين بأنّ القرار الصّادر عنه في هذا الشّأن ينتمي بطبيعته إلى فئة القرارات التّشريعيّة وليس الإداريّة، كما يختلف جوهريًّا عن تلك القرارت الإداريّة الّتي تصدر عن مفتي الجمهوريّة، وبالتّالي لا مقايسة بينهما، كما يتوهّمه البعض ويُرَوّج له تشغيبًا وتخريبًا، علمًا بأنّ قرارت المجلس الشّرعيّ تقبل المراجعة أمام هذا المجلس حصرًا، من كلّ متضرّر، وفقًا للطّرق والمُهَل المنصوص عنها في المرسوم الاشتراعيّ ١٨/ ١٩٥٥ وتعديلاته؛ ولا سيّما الموادّ /٤٧ ـ ٥٣/ منه، والقرار رقم (٢) تاريخ ٦/ ٤/ ١٩٧٨، وموادّه ذات الصّلة.

 

إنّ التّذرع بتصحيح مسارات المؤسّسات الدّينيّة لا يتمّ إلّا من خلال "كلمة التّوحيد وتوحيد الكلمة"، ومن أشخاص صادقين ومخلصين ومأمونين، وبالتّأكيد ليس في سجلّهم الوظيفيّ ولا في سمعتهم المسلكيّة، ما يُسيئ إلى منهج الاعتدال والوسطيّة، وليسوا أخيرًا ممّن يتّخذون شعار "الغاية تُبَرّر الوسيلة."

 

ونُذَكِّر أخيرًا، كلّ مَنْ يعنيه هذا الخَطْبُ الجَلَل، بأنّ المسلمين السُّنّة في لبنان مستقلّون استقلالًا تامًّا في شؤونهم الدِّينيّة وأوقافهم الخيريّة، ويتولَّوْن تشريع أنظمتها وإدارتها بأنفسهم طبقًا لأحكام الشّريعة الغرّاء والقوانين والأنظمة المستمدَّة منها. كما أنّ مفتي الجمهورية اللُّبنانية هو الرئيس الدِّينيّ للمسلمين، وممثِّلهم بهذا الوصف لدى السُّلطات العامّة، وله ذات الحرمة والحقوق والامتيازات الّتي يتمتّع بها أعلى الرُّؤساء الدِّينيِّين بلا تخصيص ولا استثناء. وأنّه الرّئيس المباشر لجميع علماء الدِّين المسلمين، والمرجع الأعلى للأوقاف الإسلاميّة ودوائر الإفتاء، و"رئيس مجلس القضاء الشّرعيّ الأعلى"؛ ولن نسمح كقضاة شرعيّين بكسر هيبة سماحة المفتي، ولا كسر إرادة الإجماع السّنّيّ على تجديد الثّقة به؛ مستهدين بإرشاد قول النّبيّ الأعظم صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "عليكُم بالجَماعةِ؛ فإنّ يد الله على الجَماعة، ومَنْ شَذَّ شَذَّ في النّار"، نعوذ بالله تعالى من الشّذوذ وحظوظ النّفوس، ومن مفارقة الجماعة وشقّ عصا الطّاعة؛ ﴿هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ﴾.

المصدر :جنوبيات