يعيش لبنان اليوم واحدة من أدق مراحله السياسية والأمنية، حيث تتقاطع الأزمات الداخلية مع الضغوط الخارجية، فالدولة اللبنانية اليوم أمام معادلة شديدة التعقيد، فهي عاجزة عن فرض مسار تفاوضي حاسم مع "حزب الله" خشية انفجار داخلي، لكنها أيضاً واقعة تحت وطأة ضغوط دولية متصاعدة، اقتصادياً وسياسياً، وتهديدات إسرائيلية تلوح بإعادة التصعيد العسكري.
المفارقة، بحسب مصادر سياسية، أن استمرار هذا الجمود السياسي والأمني قد يكرّس صورة لبنان كدولة عاجزة عن ضبط ملفاتها السيادية، ما يضعف موقفها أمام المجتمع الدولي ويزيد من عزلتها. ومع التحولات الإقليمية المتسارعة، خصوصاً في سوريا،والمواقف الإسرائيلية المتقلبة، فإن أي تصعيد في المرحلة المقبلة قد يخرج عن السيطرة، ما لم يبادر الداخل اللبناني إلى لملمة الأزمة ضمن حوار وطني مسؤول وفعلي.
وقبل أن يحط في بيروت بعد غد الاثنين، زار الموفد الأميركي ّ توماس برّاك باريس، حيث التقى
وزير الخارجية الفرنسيّ جان-نويل بارو. وبحثا في ملف سلاح حزب الله والتمديد للقوات الدولية كما اطلع برّاك الوزير الفرنسي على الورقة الأميركيّة التي ينتظر الرد اللبناني عليها.
ودانت الخارجيّة الفرنسيّة الضربات الإسرائيليّة في لبنان خصوصًا عندما يسقط ضحايا مدنيون، موضحةً بأنّ اتفاق التهدئة مع إسرائيل ينصّ على أنّ الجيش اللّبنانيّ وحده المكلّف بنزع السّلاح في الجنوب.
وأشارت الخارجيّة إلى أنّ "اليونيفيل" وآلية المراقبة ستشرفان على تسليم السّلاح إلى الجيش اللّبنانيّ، مؤكًدةً أنّنا نتواصل مع شركائنا الأميركيين حول لبنان ويجب تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بكامل بنوده.
إلى ذلك تمحور لقاء رئيس الجمهورية العماد جوزاف ورئيس الحكومة نواف سلام، حول التحضيرات للردّ اللّبنانيّ على "ورقة برّاك".
ومن بعبدا، أكد السّفير المصريّ علاء موسى دعم مصر الكامل لخطوات الرئيس عون"، معتبرًا مقاربته "واقعية ومنطقية"، ومشيرًا إلى "إشارات إيجابيّة في موضوع حصريّة السّلاح".
وحذّر الرئيس عون أمام زواره من أعداء الداخل الذين يلعبون على الوتر الطائفيّ حرصًا منهم على مصالحهم مع الخارج، نافيًّا الأخبار المتداولة أخيرًا عن دخول مجموعات إلى لبنان أو استعدادات لاقتحامات على الحدود اللّبنانيّة-السّوريّة. وأكّد أنّ التنسيق جارٍ على قدمٍ وساق على هذه الحدود مع الجانب السوري لمنع التهريب. وفي موضوع مكافحة الفساد، شدّد على أنّ الأمر يتم على كامل الأصعدة، مؤكدًا: "لا لونَ أو طائفة أو مذهب للفساد، ولا تمييز في مكافحته؛ فكلّ مرتكب سيعاقَب وفق القانون".
وفيما التقى الرئيس نبيه بري امس الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، لحوالى ساعة، رد الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، على من يطالب المقاومة بتسليم سلاحها، قائلاً: طالبوا أولًا برحيل العدوان. لا يُعقل أن لا تنتقدوا الاحتلال، وتطالبوا فقط من يقاومه بالتخلي عن سلاحه. من قبل بالاستسلام فليتحمل قراره، أما نحن فلن نقبل.
وبحسب المعلومات التي توافرت لـ"لبنان 24" فإن حزب الله أبلغ المعنيين موقفه من الورقة الأميركية المقترحة، مؤكدا عدم الحاجة لاتفاق جديد، بل يجب إلزام المجتمع الدولي والدول الراعية لاتفاق وقف النار العدو بتنفيذ الاتفاق القائم، في حين أن الموفد السعودي كان واضحا أمام من التقاهم من قوى سياسية وحزبية بضرورة قبول الورقة، حيث أكد الدعم السعودي للبنان مقابل التزام لبنان الرسمي بتعهداته لجهة حل ملف سلاح وحصره بيد الدولة فضلا عن ضرورة ترسيم الحدود مع سوريا وتنفيذ الإصلاحات، ومحذرا من تداعيات الرفض.
وعليه تشير الاوساط السياسية الى ان هناك اجماعا لبنانيا رسميا على ان "الورقة الاميركية" ليست منزلة ويمكن إضفاء التعديلات عليها من خلال الملاحظات التي يمكن تسليمها إلى الجانب الأميركي. وتلفت الأوساط إلى لقاء سيجمع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام قريبا لبلورة موقف موحد من الورقة علما أن اللجنة الرئاسية لم تنه بعد اجتماعاتها.