السبت 16 نيسان 2016 11:19 ص

العراق: إيران الحاكم وهذه أدوار العمائم...70 بالمئة من السجناء هم سنّة !


اكد الدكتور عبد الرحمن الرواشدي المشرف العام على وكالة حق الأخبارية العراقية أن ان الصراع في العراق هو صراع ارادات واجندات، وطبيعته تتحدد بما تمثله هذه الارادات وما تقوم عليه تلك الاجندات، فهنالك ارادات سياسية قومية كالذي تمثله القوى الكردية، وهنالك ارادات سياسية ولكنها توظف الدين والمذهب في بعض برامجها ويمثل ذلك القوى العلمانية بغض النظر عن مذهبها، فيجب ان لا تغيب عنا هذه التصورات ونحن نشخص طبيعة الصراع في العراق. وأضاف الرواشدي في حوار خاص لـموقع "لبنان 360" أجراه معه الزميل الدكتور جاسم الشمري أن إيران هي من تحكم العراق، ولذا كان عملها في العراق والمنطقة سلبيا بامتياز.وفي ما يلي نص الحوار:

 بعد هذه السنوات الطويلة من الاحتلال والعملية السياسية برأيكم العراق الى اين يتجه؟

 ان اتجاه بوصلة العراق ننظر اليها من زاويتين ، داخلية وخارجية ، أما الداخلية فان التوصيف الدقيق للعراق بعد هذه السنوات أنه يعيش حالة الانهيار التام ، سياسيا وامنيا واجتماعيا واقتصاديا، فبغداد لا تزال تحتل المراتب الاولى في اسوء المدن واكثرها فسادا، والفشل السياسي يلاحق عمليته المنحرفة، والانهيار الاقتصادي دخل كل فرد من افراد المجتمع فضلا عن مؤسساته، حتى صرح وزير المالية ان الحكومة قد لا تستطيع ان توفر الرواتب للموظفين عن منتصف هذا العام، واجتماعيا فقد ذكرت لجنة حقوق الانسان البرلمانية في تقرير لها : إن عدد الأرامل العراقيات وصل إلى مليون أرملة، وعدد الأيتام خمسة ملايين و(700) ألف يتيم، وأن العراق هو ثاني أسوأ مكان بالنسبة للمرأة في العالم العربي، وهنالك طفل واحد بين كل تسعة أطفال بعمر(5) إلى (14) عاما يعمل، وأن هؤلاء يشكلون نسبة (11%) من أطفال العراق، وبلغت نسبة البطالة "33%"، وأن "26%" من العراقيين لا يعرفون القراءة والكتابة، ويعيش أكثر من"35%" من النازحين في مأوى دون المستوى المطلوب، و( 37%) من العوائل النازحة داخلياً، لا تستطيع الوصول إلى ممتلكاتها، أو أن ممتلكاتها قد دمرت أصلاً، مع تزايد ظاهرة الهجرة منقبل العوائل العراقية وشباب العراق، الى اوربا، وامنيا فهنالك انهيار امني يتمثل بخروج أكثر من نصف المحافظات العراقية من سيطرة الحكومة المركزية ، وتخضع امنيا لسيطرة الميليشيات المسلحة، داعش وغيرها ، والإعدامات وصلت لأعلى معدلاتها، وأنها أخذت منحى طائفي، والعراق من الدول المتقدمة في معدلات الإعدام بعد الصين وإيران، والمداهمات تمارس بشكل مهين للمجتمع؛ حيث تضرب النساء، ويضرب الرجال أمام عوائلهم، ويؤخذ الشباب بشكل عشوائي بدون أدلة ملموسة، وأكثر من (70 %) من النزلاء في السجون هم من السُنة، وأكثر من (90%) منهم متهمون بالإرهاب، فضلا عن وجود سجون سرية لا تخضع للإشراف القضائي، وأنها مرتبطة مباشرة بقوات أمنية عراقية.  وأما من الناحية الخارجية، فلم يعد للعراق ثقله في المعادلة السياسية العربية والدولية، بل يمثل عامل اضطراب، وقد اسهمت الحكومة العراقية الطائفية في تغذية الصراع الطائفي في المنطقة بل وقدمت دعما بشريا وماديا للميليشيات الشيعية التي تقاتل في سوريا واليمن، كما اسهمت في الاضطراب الامني في دول عربية كمصر والسعودية والبحرين ليبيا والمغرب ودول في جنوب شرق اسيا.  وباختصار مثلما كان احتلال العراق والنفوذ الايراني فيه منطلق الفوضى في المنطقة فان زوالهما سيعيد للمنطقة شيئا من استقرارها، ولكن بعد صراع الارادات الاثنية التي تحكم كل مكون من مكونات المجتمع العراقي التي تغذيها اجندات خارجية، وهذه الارادات تملك مقومات الهزيمة لكنها الى الان لا تملك مقومات  لنصر، وهذا مما عقد المشهد العراقي.

ما هي المشكلة الحقيقية في العراق، بتقديركم؟

 مشكلة العراق أنه يقع جيرانا لايران ، التي ترى فيه سببا لزوال ملكها، ويقف عائقا امام مشاريعها في السيطرة على المنطقة، كما ان النبؤات عند الصهيونية العالمية ومن يتأثر بها من قادة الغرب ولاسيما الولايات المتحدة الامريكية، تؤكد أن من يهدد كيان الدولة الصهيونية هم أهل العراق، ولذلك عمل حلف المصالح المشتركة (امريكا واسرائيل وايران) على الاطاحة ليس بالنظام السياسي الذي حكم العراق وانما بالدولة العراقية.  ومن اسباب المشاكل الدولية التي ياني منها العراق هو الموقع الاستراتيجي الذي يحتله العراق في قلب العالم، وما يمتلكه من موارد بشرية، وثروات طبيعية، وعمق حضاري، مما جعل هذه الاطراف تعمل على اخضاعه لنفوذها أو تدمير هذه المقومات أو اضعافها لدرجة فقد القدرة على ادارة الملفات الخارجية.  ومما عمق هذه المشكلة في العراق أنه لا يحسن ادارة هذا الصراع ولا يمكن له ان يتجاوزها الا إذا كان يعمل كبلد واحد موحد بجميع مكوناته ، كما في خوضه الحرب مع ايران، وهذا امر متعسر حتى في المستقبل القريب، ولذلك تم بناء مشاريع التقسيم له.

 هل القضية في العراق طائفية ساسية ام طائفية دينية؟

 قلنا ان الصراع في العراق هو صراع ارادات واجندات، وطبيعته تتحدد بما تمثله هذه الارادات وما تقوم عليه تلك الاجندات، فهنالك ارادات سياسية قومية كالذي تمثله القوى الكردية، وهنالك ارادات سياسية ولكنها توظف الدين والمذهب في بعض برامجها ويمثل ذلك القوى العلمانية بغض النظر عن مذهبها، فيجب ان لا تغيب عنا هذه التصورات ونحن نشخص طبيعة الصراع في العراق.  أما إن كان المقصورد بالصراع بين السنة والشيعة، فأقول ان الطائفية في العراق امتزجت منذ نشأتها بالدين والسياسة لانها قامت على مذهب سياسي معارض تحكمه مرجعية دينية وهم الشيعة، يقابله المكون السني الذي تحكمه منذ الخلافة الراشدة مرجعية السلطة الشرعية المتمثلة بالخليفة أو الامام أو امراء المؤمنين، فهو أهل خلافة ودولة حتى في العصور الحديثة، ولا يمثل العلماء الا موجه ومرشد أو مفت غير ملزم بفتاواه، وله بعد فردي أكثر من كونه بعدا جمعيا.  وأما من حيث الاجندات فقد استطاعت ايران في ظل حكم ولاية الفقيه ان تؤسس لدولة ترسم اهدافها السياسية تحت غطاء الدين، مع أنه لا يمثل لها الا جسرا لتحقيق اهدافها التوسعية ، ولذا فان الشيعة في العراق ما هم الا اداة تستخدمها ايران لاجل ذلك ، أما السنة فإن عمقهم العربي والاسلامي لم يأخذ دوره الايجابي بعد احتلال العراق ، فضاعت اجندتهم وتاهت بوصلتها، كما أن الانظمة في هذا العمق  فعلى الرغم أنهم يفكرون بهوية دينية ، الا أن مخزونهم من السياسة طغى على هذه الهوية فاختل توازن الدعم ، فتوجهت بوصلتهم الى دعم القوى التي تمثل السياسة بعيدا عن الدين.

 اين دور علماء الدين في المشهد العراقي الشائك؟

 علماء الدين في العراق قسمان، تحكمهما التبعية والاتباع، فالقسم الاول: خاضع لاجندة سياسية ، يروج لها ويتستر على ظلمها وانحرافها بنصوص شرعية عامة يخضعها لتأويلات فاسدة، ويوظف عمامته لأسر عواطف الجمهور لاسيما الذين تم تغذيتهم بالمثيرات الطائفية، فهؤلاء بلا شك عليهم من الوزر أكثر من السياسيين الذين يمثلون اجندتهم أو يخضعون لتنظيمهم، لانهم اساؤوا الى الدين والى المجتمع، فظلموا باسم الدين وسرقوا باسم الدين وضللوا باسم الدين فهؤلاء كانوا سببا في فساد المجتمع ونفوره من الدين، كما قال ابن المبارك (رحمه الله) صنفان من الناس اذا صلحوا صلح الناس واذا فسدوا فسد الناس ، العلماء والامراء، فكيف حال الناس اذا اجتمع عليهم فساد العلماء والحكام؟ كما تشتد الخطورة ان نسبة هؤلاء أكثر بكثير في مجتمعاتنا اليوم.  وأما القسم الثاني، وهم العلماء الذين يتمتعون بالاستقلالية الذين يتبعون الشريعة بغض النظر عن رضا اهل السياسة، وهم صنفان ، ايجابي لا يدخر وسعا في الصدع بالحق ، وتوجيه النصيحة وحتى الحسبة السياسية على المواقف التي تصدر من القوى السياسية،  ويتعايش مع الناس ويشاركهم همومهم، فهؤلاء بلا شك صمام أمان لحفظ الدين وحفظ المجتمع على قلتهم.  وصنف سلبي انزوى بنفسه وعلمه عن المشاركة ولو بالحكمة والموعظة عن معالجة الاوضاع في العراق، وبلا شك ان هذه الانزوائية ليست في محلها وأن صلحت لبعضهم فهي مآخذ على كثير منهم كما اخبر النبي عليه الصلاة والسلام: ان من يخالط الناس ويصبر على آذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على آذاهم.  إن وجود مرجعية دينية رشيدة ولاسيما عند أهل السنة في العراق اصبح مطلبا ضرورياً له مبررات شرعية وواقعية ومنطقية. وقد قطعت هيئة علماء المسلمين في العراق شوطا في ذلك لكنها ابتعدت عنه بسبب استهدافها واخراج ابرز قادتها، وفقدانها لرمزها، وعدم ممارسة قادتها للمراجعات الايجابية لبعض قراراتها ومواقفها بما يتناسب مع فقه المرحلة، ويأتي المجمع الفقهي العراقي اليوم بممارسات تؤهله نسبيا للقيام بهذا الدور ولكنه لا يزال بحاجة الى مزيد من المقومات الجماهيرية والنخبوية التي ترسخه كمرجعية شرعية لاهل السنة في العراق، وعلى الذين يريدون اصلاحا حقيقيا في العراق أن يدعموا هذه القوى الدينية الايجابية وان كانت مكاسبها لا تعود في سلتهم وانما سلة العراق .

 ماهو دور ايران في الساحة العراقية؟

 ليس لايران دور في العراق، لأنّها هي من تحكمه، ولذا كان عملها في العراق والمنطقة سلبياً بامتياز، ولن تتنازل ايران عن هذا العمل والموقع الذي تبوأته الا في حالتين: اضطراب داخلي ، الذي يفرض عليها النظر الى الداخل اكثر من النظر الى المنطقة، كما حدث في الماضي حينما انشغل الصفويون بحرب الافغان فتمتع العراق آنذاك بشيء من الاستقرار.   والثانية: اعادة التوازن في المنطقة، ببروز قوة عربية - اسلامية اقليمية فاعلة تجعل ايران تعيد النظر في تدخلاتها الخارجية، وان ترجع الى ممارسة القوة الناعمة بدلا من القوة الخشنة التي استنزفتها واستنزفت اذرعها في المنطقة، وهذا ما نرى بوادره في التحالف الاسلامي وان كان في مراحله الاولى.  ولكن ستبقى ايران تمثل جزءا من المشكلة وليس جزءا من حلها، لاقتناع الغرب بان ايران لا تمثل خطرا على الغرب ولا حتى الكيان الصهيوني ولا المصالح الغربية في المنطقة، لان بوصلة ايران التوسعية تتجه نحو العالم العربي وبزاوية اقل الى العالم الاسلامي، ولذا فعلى الدول العربية والاسلامية ان تعمل على معالجة الحالتين اعلاه، تحقيقا للاستقرار في المنطقة ولو نسبياً.

ما هو الحل برأيكم للقضية العراقية المعقدة؟!

 العراق يتألف من ثلاث مكونات رئيسة، وهم العرب السنة والكرد والشيعة ، والحل يكون في توازن القوى لهذه المكونات، ولذا لن يكون هنالك استقرار في العراق الا في حالتين : أن تتمتع هذه المكونات كلها بالقوة لتمنع وقع الظلم عليها ، وصعوبة ممارسة الظلم على الاخرين ، أو أن تكون كلها ضعيفة، فلا ترتقي  ممارستها الى احداث الاضطراب والفوضى .  ولو القينا نظرة على المشهد الرعاقي فاننا نجد اختلال القوى فقد حظي المكونان الشيعي والكردي بمقومات القوة ، في حين تم استضعاف المكون السني من قبل قوى خارجية وداخلية، مما تسبب في هذا الاضطراب والفوضى في المشهد، ولذا على الجميع ان يفكر جديا في اعادة توازن القوى اذا ما بقي نظام المحاصصة الطائفية أو بالغائه واعادة الهوية العراقية الجامعة لتتصدر المشهد العراقي وتعيد رسم عمليته السياسية وعلاقاته الخارجية على وفق هذه الهوية .  وارى ان هنالك اربعة مبادئ يجب اعتمادها لتحقيق التوازن في العراق والمنطقة من قبل جميع المكونات لتمثل منارات هادية في طريق انقاذ العراق والمنطقة ، وهي :  مبدأ استشعار المسؤولية القائم على المراجعة والتقويم، مع الحرص على تقويم الاداء وتصحيح المسار.  مبدأ التكاملية : فالانفرادية لا سيما في القضايا المصيرية والاستعلاء على الشركاء في العمل والمصير واحتقار دورهم، لها تداعياتها الدموية في المشهد العراقية ، فالساحة العراقية تسع الكل بل وبحاجة الى جهود الجميع فالتحدي أكبر من الهوية المنفردة.  مبدأ التراكمية: ان البناء على الاسس الرصينة التي شيدت عليها الدولة العراقية، سيقطع الطريق امام من يحاول ان يهدمها وهو لا يملك مقومات البناء الصحيح، يقابله ازالة كل اسس المحاصصة المذمومة التي لمتنتج الا مشاريع الخراب والدمار والتمزق.  مبدأ التعاون لا التنافس: ان نجاح المشروع السياسي يستلزم التحرر من نزعة التنافس المذموم التي طغت على تصرفات قوى المكونات العراقية في المرحلة السابقة، والتنافس وإن حقق لأهله نصراً أو نجاحاً، إلا أنه لا يحقق تمكيناً لهم، بل قد يسلب من النجاح بعض استحقاقاته إن لم نقل أكثرها، وثمار التعاون أكثر وأنضج من ثمار التنافس، فالانقاذ والبناء في العراق في ظل التحديات الجسيمة التي تواجه ابناءه وتهدد وجودهم وهويتهم، لا يكون إلا حينما تتمكن في قادتهم جميعاً روح التعاون المحمود لا روح المنافسة المذمومة.  فان لم يتحقق ذلك ، فليس من حل أمثل الا بالذهاب الى مشروع الاقاليم كخطوة مرحلية لتقليل نزف الدماء وعجلة الدمار في العراق، وان كان يشوبه بعض السلبيات، فما من علاج من غير تضحية.

المصدر : جنوبيات