الخميس 6 حزيران 2019 15:11 م

بين إخلاء السبيل وتنفيذ الجريمة... ماذا فعل مبسوط؟


* ملاك عقيل

لا يزال ليل طرابلس الدامي عشية عيد الفطر محط تحقيق تجريه قيادة الجيش بالتزامن مع تحقيق منفصل يتولاه "فرع المعلومات" في محاولة للإحاطة بالظروف التي دفعت "خرّيج" سجن رومية، بعد سنة وشهر قضاها في الزنزانة بتهمة التواصل مع مجموعات ارهابية، الى التحوّل الى "وحش فالت" يصطاد الابرياء من القوى الامنية والعسكرية والمدنية. بين 12-9-2017 تاريخ إخلاء سبيل عبد الرحمن مبسوط و4-6-2019 تاريخ تنفيذ جرائمه المتنقلة في طرابلس مدة كانت كافية لخروج "الوحش" من القفص!

وفق المعطيات عبد الرحمن مبسوط كان واحداً من "لائحة المغادرين" الى سوريا بهدف القتال أو التواصل مع مجموعات متشدّدة لتنفيذ عمليات ارهابية، لكنه عاد أدراجه من دون تنفيذ ما كان يصبو اليه. هذه المجموعة بدأ رصد مغادرة عناصرها الى سوريا بشكل منظم منذ العام 2014، بحيث يسطّر بلاغات بحث وتحري بحقهم، وعند العودة الى لبنان يعاد توقيفهم للتحقيق معهم في الاجهزة الامنية. وهذا ما حصل بالتحديد مع مبسوط الذي أوقف في مطار بيروت عام 2016 من قبل الامن العام ثم أحيل الى "فرع المعلومات" للتحقيق معه، كونها الجهة التي أصدرت بلاغ البحث والتحري بحقه. خضع للتحقيق لنحو أربعة أيام ثم أحيل الى المحكمة العسكرية التي أصدرت قرارها بسجنه سنة ونصف في كانون الأول 2017، بعدما ثبت عدم قتاله أو تنفيذه عمليات ارهابية الى جانب تنظيمات متطرفة في سوريا أو العراق أو في لبنان. 
بين تاريخ إخلاء سبيله وتنفيذه جريمته في طرابلس أقل من عامين يفترض بالتحقيق المفتوح على خطين أن يكشف "خبايا" هذه المرحلة والدوافع الحقيقية للجريمة واحتمال تنسيق مبسوط مع مجموعات أخرى وامتداداتها، ومصدر السلاح الذي كان بحوذته، مع العلم أن تصريحات وزيرة الداخلية ريا الحسن ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بشأن "حالته النفسية" و"عمله الفردي" مبنية على ما يبدو على معطيات أمنية أولية تفيد بأنه لم يكن متّزن نفسياً. لكن مشكلة عثمان التي عرّضته لمساءلة مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي انه استبق التحقيقات وأطلق مواقف ملتبسة في ظل شارع محقون وغاضب من هول الجريمة التي أوقعت أربع ضحايا أبرياء، وترك باب التساؤلات مفتوحاً بسبب حديثه عن "يمكن في أخطاء صارت" لم تعرف ماهيتها. 

وكانت لافتة جداً تغريدة النائب جميل السيد الذي اشار الى أن خلال التحقيق معه في 11 آذار الماضي أكد عبد الرحمن مبسوط "أنه ينتمي إلى فكر داعش، وسُجن لمدة سنة في رومية بين٢٠١٧و٢٠١٨، ولديه نقمة عارمة على أجهزة الجيش والأمن الداخلي، ويتحين الفرصة للإنتقام منهم"! قائلاً "دماء العسكريين تسأل: لماذا أفرِج عن مبسوط في اليوم التالي؟". أوساط النائب جميل السيد تؤكد أنه تقصّد عدم تسمية الجهاز الأمني الذي حقّق مع مبسوط في هذا التاريخ، "لكن الوقائع التي ذكرها في تغريدته الهدف منها تصويب المسار بعد ارتفاع عدة متاريس إن تحت عنوان مسيحي- مسلم أو "التيار الوطني الحر" بوجه "تيار المستقبل" أو قوى الامن الداخلي بوصفها محسوبة على الطائفة السنية والجيش بوصفه محسوباً على الطائفة المسيحية، إضافة الى المتاريس المرتفعة بين القضاء والامن، ولأن الأمور ذهبت الى هذا الحد من الانحراف السياسي وهو منطق تدميري بالكامل، أراد السيد أن يقول أن هناك واقعة حصلت وهناك اعترافات موثقة أقرّ بها عبد الرحمن مبسوط "فإما على المعنيين أن يكذّبوا النائب السيد وإما علينا أن نعرف بأي ظروف حصل هذا التوقيف، والمسؤولية هنا مشتركة بين الامن والقضاء، ولماذا تمّ إخلاء سبيله في اليوم التالي، ومن هو المتدخل. وهنا نكون أمام تحديد مسؤوليات وليس تخمينات". 

وفِي هذا السياق تفيد معطيات ان مبسوط كان مدرجاً على اللائحة ٣٠٣ في الجيش المعمّمة على كافة الأجهزة الامنية والتي تشمل كل الأشخاص المشتبه بهم او المدانين او الملاحقين بجرائم ارهاب او عمالة، وبعد توجّه مبسوط الى مرفأ طرابلس طالباً وظيفة كعامل توضيب وحمال، تم التحقق من اسمه من قبل الامن العام فتبين انه مدرج على اللائحة ٣٠٣ فتم توقيفه، ثم أحيل الى الشرطة العسكرية للتحقيق معه، حيث تبين وجود حكم بحقه من قبل المحكمة العسكرية ونفذ محكوميته لسنة ونصف في سجن رومية، إضافة الى عدم توافر معطيات نفرض الاستمرار في توقيفه وفد افرج عنه لاحقا من دون اَي تدخل سياسي، وفق تأكيد مصادر أمنية. 

اليوم لا يزال هناك المئات من اللبنانيين المتواجدين بين سوريا والعراق ودول أخرى. لا عدد محدداً لهؤلاء طالما أن بعضهم يعود خلسة الى لبنان أو تهريب (أحد منفذي جريمة برج البراجنة عام 2015 كان عاد الى لبنان عن طريق التهريب ولازم بلدته لفترة ثم ظهر من ضمن المجموعة المنفذة للعملية)، أو خرج من لبنان ثم عاد، إضافة الى صعوبة تقدير أي اعتداء ارهابي محتمل ممكن أن يكون مصدره فئة من السوريين الموجودين اليوم على الاراضي اللبنانية تحت صفة "نازح"، أو أن يكون الدافع لأي عمل ارهابي غير مرتبط بالضرورة بفكر "داعش" أو أي تنظيم آخر متشدد.

بالمنظار الأمني يصعب على هذه المجموعات التي يتحرّك عناصرها بشكل إفرادي وضعها تحت المراقبة بشكل دائم وثابت أو سبر أغوار تفكيرها. "وضعيتها" الأمنية أكثر تعقيداً بكثير من الخلايا النائمة التي يسهل رصدها وكشفها بشكل أكبر. مع العلم أن الأجهزة الأمنية وبعد آخر تفجيرات ارهابية في منطقة القاع عام 2016 تمكنت من القيام من عدة عمليات استباقية حالت من خلالها من تنفيذ عشرات العمليات الارهابية، خصوصاً بعد "الشلل" الذي أصاب القسم الخارجي لعمليات "داعش". 

ظهور أبو بكر البغدادي، زعيم "تنظيم الدولة الإسلامية" في نيسان الماضي في تسجيل مصوّر مخاطباً أعضاء "التنظيم" على مدى 18 دقيقة، يؤكد فيه أن معركة "داعش" هي معركة استنزاف ومطاردة للعدو، وبأن "التنظيم" سيثأر لقتلاه وأسراه، وبأن مقاتليه نفذوا 92 عملية في ثماني دول "ثأراً لإخوانهم في الشام"، من بينها تفجيرات عيد القيامة في سريلانكا، سبقه نشر البغدادي تسجيلاً صوتياً في آب 2018، طالباً من مقاتلي "داعش" "الصبر ومتابعة القتال".

بدا ذلك تكملة لمسار إنكفاء "داعش" بعدما اعتمد "التنظيم"، بناء على سلسلة هزائمه المتراكمة وخسارة مناطق نفوذه في سوريا واستهداف قياداته، استراتيجية جديدة في القتال بدعوة عناصره للقيام بعمليات فردية ضد الدول التي تشارك في الحملات ضد "داعش"، ما دفع العديد من المتأثرين بفكر "التنظيم"، وليس بالضرورة من الملتزمين بالقتال معه، الى شنّ هجمات فردية في عدة دول وهو ما يعرف بنمط "الذئاب المنفردة"، حيث يعتمد مرتكب الاعتداء أي وسيلة متاحة بين يديه (دهس، طعن بالسكين، اطلاق نار من سلاح فردي...) لتنفيذ اعتدائه. 

في لبنان، كما في دول العالم، يصعب كثيراً رصد هذه "الحالات المتفلتة" التي تضرب أحياناً كثيرة في أكثر دول العالم المحصّنة أمنياً، بغض النظر عن خلفيتها، ومثال على ذلك المجزرة المزدوجة في نيوزيلندا التي استهدفت المصلين في مسجدين في كرايست تشرش وارتكبها مواطن استرالي. في الاجتماع الأمني الذي دعا اليه رئيس الجمهورية مبشال عون في بعبدا إثر "مجزرة طرابلس" كان ثمّة توافق على هذه "المسلّمة الأمنية"، مع دعوة رئاسية صريحة بالتنسيق أكثر بين الاجهزة الأمنية تداركاً لهذه العمليات الارهابية.

المصدر :"ليبانون ديبايت"