الخميس 27 كانون الثاني 2022 09:32 ص

كيف يغيّر عزوف الحريري خيار طرابلس السنّيّ في انتخابات 2022؟


* جنوببات

 

يكثّف اعتكاف الرئيس سعد الحريري غموض المشهد الانتخابيّ في طرابلس، المدينة الّتي انحاز مزاجها منذ انتخابات 2005 لـ"تيار المستقبل"، فمنحته أكبر حضور في شارعها السنيّ. اليوم، خسر ممثّلو المستقبل التّقليديّون (الجسر، علّوش، كبّارة) حيثيّة التيار، فيما يتردّد حديثٌ عن عزوف الرئيس نجيب ميقاتي عن خوض الانتخابات. نظرياً، يفترض انكفاء زعيمين سنّيين رصيداً أوفر لمنافسيهما أشرف ريفي وفيصل كرامي. لكن تحسّس "البدائل" ليس بديهياً، فالمرشّحون التغييريون لم يظهروا بعد، والكلام عن طفرة داعشيّة يتزايد، في موازاة تعاظم الخوف من إفراغ الساحة الطرابلسية أمام خيار "الإرهاب".

إذن، كيف تحسم القيادات السنية خيارها الانتخابيّ في طرابلس؟ وهل التطرّف بما يمثّله من نقيض للحريريّة سيتصدّر عناوين المعركة المقبلة؟
ريفي: "نحتاج الاعتدال القويّ"

لا يحيد الوزير السّابق اللواء أشرف ريفي عن خطابه الناريّ الموجّه ضد "حزب الله"، وهو ما يشكّل سبب وجود ريفيّ السياسيّ، لا سيّما في طرابلس. ويجزم بأنّ "رواية "داعش" في طرابلس اختلقها "حزب الله". وليسمح لنا الحزب بتذكيره أنه هو الارهابيّ المتطرّف. أهل طرابلس لبنانيّون، وطنيّون، معتدلون، ويؤمنون بالعيش المشترك، وتاريخنا شاهد. المفارقة، أنّ إرهابياً يعتبر نفسه معتدلاً، ويعتبر أنّ المسالمين إرهابييّن".

ويرفض ريفي اختزال الاعتدال بسعد الحريري، "كلّ بيئتنا الطرابلسيّة معتدلة. يوجد في طرابلس مليون مواطن، وقد يكون قد التحق منهم بحدود المئة شخص بتيّارات متطرّفة. هؤلاء يمثّلون نسبة ضئيلة جدّاً تنطوي على حالات فرديّة وليست حالة اجتماعيّة".

وفي الحديث عن ترشّحه المقبل، يأتي طرح ريفي "في ضوء حاجة طرابلس المؤكّدة إلى معتدلين، لكن أقوياء"، منتقداً "الاعتدال الضعيف، والمنبطحين، ممّا أودى بالبلاد إلى الهاوية"، فـ"مَن سيبني المرحلة المقبلة هم الوطنيّون والمعتدلون الأقوياء".

ويعتبر أنّ "الطائفة السنيّة هي من يختار من يمثّلها، ولا أحد يستطيع أن ينصّب نفسه زعيماً عليها".

وفي تصوّر ريفي أنّ مسافة أربعة أشهر تفصل عن الانتخابات، ولذلك لا تبدو الصورة في طرابلس وسواها ناضجة، وهي محكومة بوجودها في منطقة متسارعة الأحداث. ويتمسّك اللواء بواجبه "في مواجهة أيّ يد غريبة تعبث بلبنان، منذ زمن الوصاية السورية، واليوم إيران، وكائناً من يكون، سواء ترشّحت أم لم أترشّح"، مضيفاً أنّه سيحسم خيار ترشّحه بحلول الـ15 من شباط.

 
 نحّاس: "ميقاتي يبحث أمره"

المستشار السياسي للرئيس ميقاتي النائب نقولا نحّاس، يوضح بأنّ الرّئيس ميقاتي "لم يحسم قراره بعدم خوض الانتخابات، وهو خاضع لمزيد من البحث، وتحيطه متغيرات عدّة. لكن القرار الأقرب هو عزوفه عن الانتخابات. وفي الوقت نفسه، لا أحد يستطيع التأكيد أو النفي ما لم يصرّح الرئيس ميقاتي نفسه بقراره".

ويرى نحّاس أنّ التغيير المطلوب في طرابلس هو "انتخاب مشاريع لا أشخاص، حتى لا تعاد تجربة انتخابات 2018"، متمنّياً "أن يصرف الناس تركيزهم على الأسماء، وترجيح خيار المبادىء والمشاريع والتطلّعات"، وهو لا يتبنّى إطلاقاً الكلام عن تمدّد داعش في طرابلس.

المعطيات إذن تُغلّب اعتكاف ميقاتي، ليترك فراغاً سنّياً كبيراً. فمنذ دخوله المعترك السياسي في العام 2000، لم يُقرِن ميقاتي حضوره في طرابلس بأيّ نائب سنّيّ، ونتائج انتخابات 2018 خير دليل على سعي ميقاتي لتوطيد زعامته سنّياً.

 
 علّوش: "سينحسر الحاصل الانتخابي"

من جهته، يقسم القيادي في "تيار المستقبل" الدكتور مصطفى علّوش انكفاء "تيّار المستقبل" إلى مستويين: الناخبين والمرشّحين؛ و"تيار المستقبل لن يحاول استمالة الشارع الطرابلسيّ نحو المشاركة في التصويت أم عدمه، لكنّ المحازبين اتّخذوا قراراً بأن يكونوا خارج العمليّة الانتخابيّة، وإن أثّر عدم اقتراعهم على الانتخابات، فهو سيؤثّر على الحاصل الانتخابي بشكل عام".

الأمر نفسه "يحتكم إليه نوّاب "تيّار المستقبل" من المحازبين، فهم لن يترشّحوا"، بحسب علّوش، الّذي نفى أيّ احتمال لخوضه الانتخابات، وإن التزم المحازبون هذا القرار، فتأويله واضح في عدم ترشّح سمير الجسر.

 
ويستثني علّوش "شخصيّات تترشّح مع "تيار المستقبل"، وبعضها سيجرّب حظّه مستقلاً، بسبب امتلاك بعض الحيثية. لكن النجاح لن يحالفها إن لم تنضمّ إلى لائحة تضمن لها حاصلاً من الأصوات"، الأمر الّذي يتوافق مع تموضع الوزير السابق محمد الصفدي والنائب محمد كبّارة، عبر احتمال ترشيح الأول زوجته فيوليت، والثاني ابنه كريم.

ويستبعد علّوش انتشار المتطرّفين في طرابلس بالحجم الّذي تتّخذه المسألة مؤخّراً، و"هذا الخطاب يطرحه البعض ليكسب أصواتاً في طرابلس".

 
كرامي: "لتطويق داعش"

يبدو أنّ علّوش يغمز من قناة النائب كرامي، لكونه شدّد إعلامياً على "تغلغل داعش"، محذّراً من خطورتها طرابلسيّاً. وكان كرامي ناشد رئيس الحكومة ووزير الداخلية والقوى الأمنية أن "تكشف عن حقيقة هذه الأخبار، حتى يتبيّن صحة هذه الأخبار من عدمها، وحجم هذه الظاهرة، والسبل الآيلة إلى تطويقها".

واللافت بل الاستثنائيّ ربّما هو حضور كرامي طرابلسياً، الذي يُعتبر المرشّح السنّيّ الوحيد الّذي لن تتأثّر قاعدته الانتخابية في طرابلس، و"بلوكاتها" معروفة.

 
قد لا تشكّل الرواية الداعشية الواقع الطرابلسيّ بقدر المُشاع حولها، وإن كان المُرجّح أن المعركة السنيّة المقبلة ستنطلق من مسألة "التطرّف" و"الاعتدال"، ومفاتيحها حاضرة بزخم في خطاب ريفي، وكرامي أوّل من طرق بابها.

وتبقى التحالفات خاضعة لتركيبات لم تتوضّح معالمها بعدُ، ويُرجّح أن يبدأ عدّها التنازليّ مع إعلان "الجماعة الإسلاميّة" أسماء مرشّحيها في طرابلس، وفي الدوائر الانتخابيّة كافّة، في غضون الأيام الأولى من شباط. 

المصدر :النهار