الأربعاء 8 تشرين الثاني 2023 09:25 ص

هل تطيح "غزة" بأحلام بايدن بولاية رئاسية ثانية؟


* جنوبيات

لا تشبه العلاقة التي تربط الولايات المتحدة الأميركية بإسرائيل علاقاتها بأي دولة أُخرى. وليس من المبالغة القول إنه في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة، قلما وُجدت علاقة حميمة ومتشابكة بين دولتين كما هي العلاقة بين أميركا وإسرائيل، إذ حظيت هذه الأخيرة ولا تزال بالدعم المالي والعسكري السنوي أكثر مما تناله أي دولة أُخرى، والأهم أنها تحظى أيضاً بدعم سياسي وغطاء قانوني في كل المحافل الدولية لكل ما ترتكبه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يشكل خرقاً فاضحاً للقوانين والمواثيق الدولية. ولقد ساهم هذا السلوك الأميركي على مر العقود في توفير الغطاء للكيان الصهيوني لتجاوز كل المحظورات، وهو ما استغلته إسرائيل في عمليات الانتقام غير المسبوقة في حجمها ووحشيتها ضد غزة وأهلها انتقاماً لعملية "طوفان الأقصى". 

لكن هذه العلاقات "التاريخية" والعميقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تعني بالضرورة توافق قادتهما دائماً، إذ تشوب هذه العلاقة أحياناً مواقف تعبّر عن اختلاف أو خلاف في وجهات النظر؛ فعلى الرغم من المواقف السياسية الواضحة للرئيس الأميركي جو بايدن إزاء إسرائيل والصهيونية، ودعمه القديم لهما حتى قبل أن يتبوأ منصب الرئاسة، إذ يُعتبر من أشد الرؤساء الأميركيين دعماً لإسرائيل وللصهيونية، وهو القائل منذ 37 عاماً: "لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أميركا خلق إسرائيل لحماية مصالحها"،[1]  فإن علاقته برئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو اعتراها فتور علني، حتى إن بايدن لم يوجه دعوة إلى نتنياهو لزيارة البيت الأبيض كما جرت العادة تقليدياً بعد تأليف حكومة إسرائيلية جديدة، لكنه في المقابل استقبل الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ في لقاء بروتوكولي لا مفاعيل سياسية كبرى له نظراً إلى عدم تمتع رئيس إسرائيل بصلاحيات تنفيذية تُذكر. 

وإذ بعملية "طوفان الأقصى" تغيّر مسار العلاقات الفاترة بين الرجلين، فيطير الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل في زيارة نادرة لرئيس أميركي إلى دولة أُخرى في أثناء الحرب، في مسعى واضح للتأكيد أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل في أوقات الأزمات وتدعمها، بصرف النظر عن الاعتبارات الأُخرى، وتوّج بايدن دعمه لإسرائيل خلال هذه الزيارة عندما قال: "لا أعتقد أنه يتعيّن عليك أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً، أنا صهيوني."[2]

وقد حظيت مواقف بايدن بتأييد من الكونغرس الأميركي الذي أقرّ تقديم الدعم العسكري والمادي لإسرائيل. لكن مع التصعيد غير المسبوق الذي تشهده الضربات الإسرائيلية لقطاع غزة، والخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين بدأت تتعالى أصوات داخل الكونغرس وخارجه مطالبة بتغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه ما يحدث في غزة.

وقد تكون الأصوات التي بدأت أيضاً تتعالى من داخل البيت الرئاسي، أي من الحزب الديمقراطي، معارضة موقف بايدن مؤشراً مقلقاً على تغيير في نسب الأصوات المؤيدة للرئيس في الانتخابات القادمة.

وفي جولة على ردات الفعل المعارضة لمواقف بايدن من الحرب الإسرائيلية على غزة، يمكن التوقف عند أهمها:

وجّه أكثر من 400 موظف في الكونغرس رسالة طالبوا فيها رؤساءهم بالعمل على دعم قرار لوقف إطلاق النار في غزة. لكن الوثيقة الموقعة من الموظفين لم تحمل أسماءً لاعتبارات أمنية، وخوفاً على مستقبل عمل الموظفين في الكابيتول.[3]
أرسل أكثر من 250 موظفاً سابقاً في حملات السناتور الأميركي التقدمي بيرني ساندرز الرئاسية السابقة، رسالة دعوا فيها ساندرز إلى طرح قرار وقف إطلاق نار فوري في غزة على مجلس الشيوخ الأميركي. ومما جاء في الرسالة: ".... نطلب منكم استخدام نفوذكم، والاحترام الذي تتمتعون به في جميع أنحاء الولايات المتحدة والعالم، للوقف بجرأة ضد الحرب وضد الاحتلال وفي سبيل كرامة الحياة البشرية ...."[4].
نظمت مجموعة من اليهود المؤيدين للسلام اعتصامات واسعة في قاعات الكونغرس احتجاجاً على الحرب، وطالبت المجموعة بوقف الحرب فوراً.
اقتحمت مجموعة من عشرات المتظاهرين الكابيتول رافعين شعارات ترفض العدوان على قطاع غزة، ومنددين بسياسات بايدن الداعمة لإسرائيل. وقد اعتقلت شرطة الكونغرس العشرات منهم.
ناشدت ألكسندرا روخاس، المديرة التنفيذية لجماعة "الديمقراطيون – العدالة" التقدمية الرئيس بايدن بالتحرك فوراً لمنع الغزو البري لغزة الذي من شأنه أن يؤدي إلى وقوع آلاف الضحايا المدنيين، ويهدد باندلاع صراع إقليمي شامل في الشرق الأوسط.
أمّا داخل الإدارة الأميركية، فبدأت مواقف معارضة تظهر معبّرة عن استياء من الدعم اللامحدود لإسرائيل. ومن هذه المواقف:

استقالة جوش بول، المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية في مكتب نقل الأسلحة إلى الخارج احتجاجاً على قرار إدارة بايدن مواصلة إمداد إسرائيل بالسلاح. وانتقد بول في كتاب استقالته "الدعم الأعمى لجهة واحدة" الذي يؤدي إلى "سياسة متهورة وغير عادلة وتتناقض مع القيم التي نعتنقها." واعتبر أن الدعم الأميركي لإسرائيل سيؤدي إلى مزيد من المعاناة للإسرائيليين والفلسطينيين، معرباً عن تخوفه من تكرار الأخطاء نفسها التي ارتكبتها الإدارة في العقود السابقة، والتي يرفض أن يكون جزءاً منها."[5]
النائب التقدمي المستقل عن فيرمونت، بيرني ساندرز، دعا أكثر من مرة، في مداخلات داخل الكونغرس، إلى هدنة إنسانية في غزة. ومنذ بداية الحرب يتهم ساندرز إسرائيل بخرق قواعد القانون الدولي، من خلال استهداف المدنيين وفرض الحصار ومنع وصول إمدادات الماء والغذاء والمساعدات الطبية.[6]
معارضون من أهل البيت الديمقراطي

لن يشعر الرئيس بايدن بالطمأنينة عندما تعلو أصوات من حزبه معارضة مواقفه المؤيدة لإسرائيل في الحرب على غزة، وخصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في العام القادم، ومن هذه الأصوات:

دعا السناتور كريس مورفي، كبير أعضاء مجلس الشيوخ في اللجنة الفرعية للشرق الأوسط، إسرائيل إلى السماح بوصول الوقود إلى المستشفيات ومحطات تحلية المياه إلى غزة.
اتهمت عضوة الكونغرس عن ولاية ميشيغن، رشيدة طليب، وهي الأميركية الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس، بايدن بالتحريض على الحرب القاتلة. وكتبت في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي مع الإشارة إلى الرئيس وإلى الانتخابات القادمة: "سوف نتذكر أين وقفت." وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكونغرس الأميركي أسقط محاولة لإدانة طليب، عندما رُفض الاقتراح الذي قدمته عضوة الكونغرس اليمينية المتطرفة مارغوري تايلور غرين، بأغلبية 222 صوتاً في مقابل 186 صوتاً. وكان اللافت انضمام 23 عضواً من الجمهوريين إلى معارضة اقتراح الإدانة.[7]
كذلك عبّرت عضوة الكونغرس عن الحزب الديمقراطي إلهان عمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن تأييدها لرسالة موظفي الكونغرس المطالبة بوقف الحرب. وتُعتبر عمر ضمن مجموعة من الديمقراطيين التقدميين الذين خالفوا توجهات الحزب من خلال الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة.
في الشارع الأميركي: عرب ومسلمون ويهود يعارضون بايدن

في مقابل المعارضة على المستوى السياسي، برزت معارضة من مجموعات من العرب والمسلمين واليهود الأميركيين، الذين اعتبروا أن بايدن خذلهم من خلال موقفه من الحرب على غزة. وأشعل تصريح بايدن المشكّك بصحة أرقام الضحايا الفلسطينيين في غزة، ردات فعل غاضبة وسط هذه المجموعات التي اعتبرت تصريح بايدن بمثابة اتهام للفلسطينيين بالكذب، بينما يؤكد الرواية الإسرائيلية.

وأظهرت مطالبة مجلس العلاقات الأميركية – الإسلامية الرئيس بايدن بالاعتذار عن هذا التصريح وإدانة الارتكابات الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة حجم الإحباط من مواقفه؛ فقد طالب الرئيس التنفيذي للمجلس الرئيس الأميركي بمشاهدة مقاطع الفيديو التي تظهر صور الأطفال الفلسطينيين المسحوقين الذين يُنتشلون من تحت الأنقاض، ليتأكد إذا كانت ملفقة، أم هي في نظره مجرد ثمن مقبول للحرب.[8]  وفي خطوة تنم عن تجاهل مواقف هذه المجموعات، اجتمع بايدن مع ممثلين عن العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، لكنه رفض أن يستقبل أفراداً ممن وجهوا انتقادات لسياسته. وقد أعرب عدد من هؤلاء عن شعورهم بالعزلة، وعدم الثقة بحزب كانوا يعتبرونه ملاذاً في مواجهة عداء الجمهوريين لهم، وعلى رأسهم دونالد ترامب.

إذاً، هل يواجه الائتلاف الذي يقوده بايدن خطر الانشقاق بسبب الحرب على غزة؟

من الواضح أنه وعلى الرغم من توافق الديمقراطيين على القضايا الداخلية، فإن الدعم غير المحدود الذي يقدمه بايدن لإسرائيل من شأنه أن يعمّق مشاعر الإحباط لدى الناخبين الديمقراطيين، وخصوصاً من فئة الشباب التقدمي. ويعتبر محللون أن بايدن يخاطر بتفكيك الاتئلاف المؤيد له والذي يعوّل عليه في الانتخابات القادمة.

ومع أن أغلبية الديمقراطيين تؤيد حق إسرائيل في تنفيذ ضربات انتقامية في غزة، إلاّ إن ارتفاع عدد القتلى بشكل متزايد، يؤدي إلى ارتفاع الأصوات المعارضة المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار.

ويرى متابعون للشأن الانتخابي، أن عامل السن مهم للغاية، فالناخبون الشباب تحت الثلاثين عاماً يؤيدون بشدة وقف إطلاق النار، بينما يؤيد من هم فوق الأربعين إسرائيل.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن نسبة 60% من المقترعين الذين تتراوح أعمارهم بين 19-29 سنة اقترعوا لمصحلة بايدن في انتخابات 2020، وهي الأصوات التي منحت بايدن نقاط التقدم على منافسه ترامب (بحسب Pew Research Center)،[9]  فإن تراجع الدعم لبايدن من هذه الفئة من المقترعين الأصغر سناً، الرافضين لسياسته، سيشكل عامل قلق في عملية إعادة انتخابه في حال قرر هؤلاء عدم التصويت له.

وفعلاً، تشير توقعات إلى تغيير في نمط التصويت في انتخابات 2024، ربما يشكل عقبة بالنسبة إلى الديمقراطيين، وهو ما قد يستغله الجمهوريون. وهو تغيير يعكس أيضاً اختلاف وجهات النظر بين القيادة التقليدية للحزب الديمقراطي والناخبين الليبراليين الأصغر سناً.

قد لا تشكل هذه الفئة الشابة من الناخبين أداة ضغط فاعلة في موازاة مجموعات الضغط اليهودية المؤثرة، لكنها بلا شك، تؤشر إلى تغيّر في نهج التفكير لدى الشباب الأميركي.

فهل ستطيح الحرب في غزة بأحلام بايدن الانتخابية على غرار حليفه "الموقت" بنيامين نتنياهو؟ هذا ما ستكشفه حتماً الأيام القادمة.

المصدر :مؤسسة الدراسات الفلسطينية