بأقلامهم >بأقلامهم
َ"يُحكى... ويُروى"!
َ"يُحكى... ويُروى"! ‎الأربعاء 10 01 2024 07:22 القاضي م جمال الحلو
َ"يُحكى... ويُروى"!

حنوبيات

لم يؤتَ أحدٌ من خلقِ اللهِ مثلما أوتيَ سيّدُ الكائناتِ النّبيُّ العربيُّ محمّدٌ عليه أفضلُ الصّلاةِ والسّلامِ. فقد أوتيَ جوامعُ الكلمِ، فكان بكلمتين أو أكثر يختصرُ المطوّلاتِ والشّروحاتِ، فتصلُ الفكرةُ إلى المتلقّي بومضةٍ من نورٍ، وبصيصٍ من بنّورٍ. لا بل إذا أردْت عناوينَ لرسائل الماسترِ، أو لأطروحات الدكتوراه، فإنّه بإمكانِك أن تلجأَ لحديثٍ مختصرٍ تنطلقُ منه لتصلَ الى أهمِّ الدّراساتِ والبحوثِ والمقالاتِ الموسوعيّةِ.

ولنعطِ أُنموذجًا مختصرًا نسردُ فيه بعضَ ما ذكرَه النبيُّ العربيُّ من أقوالٍ أصبحت فيما بعد سننًا قوليّةً وفعليّةً وتقريريّةً. 

مثالُ ذلك: 

"الدّنيا مزرعةُ الآخرةِ".

"الاِقتصادُ نصفُ المعيشةِ".

"إِماطتُك الأذى عن الطّريقِ صدقةٌ".

"تبسّمك في وجهِ أخيك صدقةٌ".  

وغيرُ ذلك الكثير الكثير...

إنّها جوامعُ الكلمِ، تختصرُ المزيدَ من الشّروحاتِ فتصلُ الفكرةُ إلى القارئِ الفطنِ بلمحةٍ من وهجِ الإنارةِ، وصدقِ العبارةِ. 

فعندما أكتبُ مقالًا ما، أكونُ بين أمرين: 

فإمّا أن أبتكرَ الفكرةَ فأعملُ جاهدًا أن أوصلَها بسلاسةٍ إلى المتلقّي. 

وإمّا أن أتبنّى فكرةً موجودةً في الواقعِ المُعاشِ، أو سبقَ أن طُرحَت في سياق تاريخيٍّ موثّق، فأصوغُ توليفةً خاصّةً، وحلّةً جديدةً، وصيغةً مميّزةً. ثمّ أضعُ الإِطارَ العامَّ للمقالِ بشكلٍ ممهورٍ ببصمةٍ خاصّةٍ. 

قد أُخطِئُ وقد أصيبُ. فإذا اجتهدْتُ فأخطأت فلي أجرٌ بذلك. وإن اجتهدْت فأصبْت فلي أجران. 

وما يلفتُ الانتباهَ أنّ البعضَ يريدُ التّقليدَ الأعمى لعلّه يكونُ محطَّ الأنظارِ بما يُشاعُ من أخبارٍ. 

ولهذا أقول: 

إذا أردْت التّقليدَ فاعتمدِ التّجديدَ في السّردِ، والتّحديدَ من مبتغاك كي تصلَ إلى هواك! لكن انتبهْ إلى السّقطات في عالمِ الخلطات، فادرسِ البيانَ والتبيين. وادرسِ الاستعارةَ والتّشبيهَ، واعرفِ البديعَ في قولِ السّميعِ، وتعلّمِ الجناسَ التامَّ وغيرَ التّامِ، واقرأِ الطّباقَ والسّلبَ، وتعوّدْ على السّجعِ كي لا يلامسَك الوجعُ، بأن ذهبَ وما رجعَ، وضاقَ وما اتّسعَ. وغير ذلك الكثير من الصّورِ الكلاميّةِ كما جاءَ في الأدبِ الإنجليزيّ: 

‏"The figures of speech"

وانتبهْ للقطَبِ المخفيّةِ في الجملِ اللّفظيّةِ. وخذْ علمًا بمحطِّ الكلامِ كي لا تُلامَ. وأحطْ خبرًا في فحوى المعاني في قراءتِك كتابَ "الأغاني"!

أمّا الّذي يرمي الكلامَ جُزافًا، ويختارُ منه الأسوأَ فأقولُ ما قالَه الشافعيُّ: 

يخاطبُني السّفيهُ بكلِّ قبحٍ 

فأكرهُ أن أكونَ له مجيبا 

يزيدُ سفاهةً فأزيدُ حِلمًا 

كعودٍ زادَه الإِحراقُ طيبا. 

فإن كان لابنِ المقفّعِ محطُّ كلامٍ: 

(زعموا أنّ)... فلابنِ الحلو : (يُحكى ويُروى)...

"إنّها جوامعُ الكلمِ، والقطبةُ المخفيّةُ".

فحذارِ... من التّقلّبات الجوّيّةِ!

 

المصدر : جنوبيات