بأقلامهم >بأقلامهم
الديمقراطية وحقوق الإنسان: الأساس الحقيقي لحماية جميع المواطنين



جنوبيات
لا يمكن تحقيق عدالة حقيقية دون حماية فعالة لحقوق جميع فئات المجتمع، وضمان المساواة بينهم دون تمييز.
لطالما ارتبط مفهوم السلم الأهلي بالاستقرار المجتمعي، حيث يُنظر إليه كشرط أساسي للتعايش السلمي بين مختلف الفئات. غير أن الاقتصار على تحقيق السلم الأهلي دون وجود ضمانات قانونية راسخة قد يؤدي إلى حماية شكلية وغير مستدامة لبعض الفئات المجتمعية. فالسلم الأهلي، وإن كان عاملًا ضروريًا، إلا أنه قد يكون هشًّا إذا لم يُدعَّم بمنظومة قانونية تضمن المساواة وتحمي الحقوق الأساسية لجميع الأفراد، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الثقافية. لذلك، فإن الديمقراطية وسيادة القانون هما الضمانة الحقيقية لحماية جميع المواطنين، حيث توفران إطارًا قانونيًا ومؤسساتيًا يكفل العدالة للجميع، دون الحاجة إلى تصنيفات قد تُستغل لإحداث تفرقة بينهم، مثل مصطلح "الأقليات"، الذي قد يحمل في بعض الأحيان إيحاءات تُضعف من مبدأ المواطنة المتساوية.
السلم الأهلي يشير إلى حالة من التوافق المجتمعي التي تمنع نشوب النزاعات، وهو عامل مهم لأي استقرار داخلي. لكن الاعتماد عليه وحده كضمانة لحماية الفئات المختلفة قد يؤدي إلى نتائج غير مضمونة، إذ يمكن أن يكون السلم الأهلي قائمًا على اتفاقات سياسية مؤقتة أو توازنات قوى لا تضمن الحقوق على المدى الطويل. ففي غياب قوانين تحمي جميع المواطنين دون تمييز، قد تجد بعض الفئات نفسها عرضة للإقصاء والتهميش بمجرد تغير هذه التوازنات.
على العكس من السلم الأهلي المؤقت، تضمن الديمقراطية حماية مستدامة لجميع الأفراد عبر مجموعة من المبادئ الأساسية، مثل المساواة أمام القانون، وحرية التعبير، والمشاركة السياسية العادلة. فهي توفر آليات قانونية تحمي الجميع من التعسف وتمنحهم حق التمثيل السياسي والقدرة على الدفاع عن مصالحهم ضمن إطار مؤسسي واضح. كما أن الديمقراطية تمنع استبداد الأغلبية عبر وضع ضمانات دستورية تكفل عدم انتهاك حقوق أي فئة مجتمعية، مما يعزز من قوة النسيج الاجتماعي ويمنع أي ممارسات تمييزية ضد الفئات الضعيفة.
لا يمكن الحديث عن ضمان فعلي للحقوق دون التمسك بمبادئ حقوق الإنسان، التي تشكل الإطار الأخلاقي والقانوني لحماية جميع المواطنين دون تصنيفات قد تؤدي إلى التفرقة بينهم. فالمواثيق الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تضع معايير ملزمة تحظر التمييز وتضمن الحقوق الأساسية، مثل حرية المعتقد، وحماية الهوية الثقافية، وحق المشاركة الكاملة في المجتمع. إضافة إلى ذلك، فإن تبني سياسات تعزز الاندماج الاجتماعي والتعددية الثقافية يسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا، حيث يتم احترام التنوع بعيدًا عن أي تمييز أو إقصاء، ودون الحاجة إلى تصنيفات تضع فئة في موضع الحماية وأخرى في موضع الهيمنة.
إن تعليق حماية الفئات المجتمعية على تحقيق السلم الأهلي فقط يُعد تبسيطًا لقضية معقدة تتطلب حلولًا أكثر عمقًا. فالحماية الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال بناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتكفل سيادة القانون، حيث لا تُترك حقوق الأفراد لمعادلات سياسية متغيرة، بل تترسخ ضمن أنظمة قانونية عادلة تحمي الجميع دون استثناء.
لكن الأهم من ذلك، أن أي منظومة قانونية تحقق العدالة يجب ألا تقتصر على القوانين الجامدة، بل يجب أن تكون انعكاسًا لثقافة مجتمعية تعترف بقيمة التنوع وتقدّره، بحيث يصبح احترام الحقوق جزءًا من الوعي الجماعي وليس مجرد التزام قانوني. فالتشريعات قد تمنح الحقوق، لكنها لا تضمن احترامها ما لم تكن هناك إرادة مجتمعية تدعمها. ومن هنا، فإن بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي لا يعني فقط سن القوانين، بل العمل على ترسيخ قيم العدالة والمساواة في وجدان الأفراد، بحيث تصبح حقوق الإنسان مبدأ لا يقبل المساومة، دون الحاجة إلى تقسيم المواطنين بين أكثرية وأقلية، لأن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات.
"الحقوق لا تُوهب باتفاقات مؤقتة، بل تُصان بدساتير عادلة وثقافة تحترم كرامة الإنسان، بعيدًا عن أي تصنيفات تُضعف مبدأ المواطنة."