مقالات مختارة >مقالات مختارة
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ‎الجمعة 12 02 2016 09:53
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
محمد خالد سنو

محمد خالد سنو

أحد عشر عاماً مرَّ على اغتيال الحلم بقيام الدولة السيدة الحرّة المستقلة، وعلى تغييب دولة المؤسسات والقانون. سنوات مثقلة بالانشطار الوطني، والاحتراب السياسي، والتدهور الاقتصادي، وتخبّط المؤسسات الرسمية بمزاجية المسؤولين. فمن اغتال سيد شهداء لبنان، الرئيس رفيق الحريري، كان يهدف الى احداث هذا الانهيار الكبير في الحياة السياسية اللبنانية، وادخال لبنان في فوضى عارمة يسهّل معها تغيير الخطوط السياسية الحمراء، وربما إعادة النظر بميثاق لبنان والتزامه المصلحة القومية والتضامن العربي.
لقد عاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى لبنان ليخرجه من دمار الحرب الأهلية الى سماء السلم الأهلي والإنماء والإعمار. عاد الى لبنان ليصحح اتجاه بوصلته السياسية، فيستعيد هويته العربية وينتظم بالمنظومة القومية ويلتزم بالتضامن العربي، وينتصر للقضية الفلسطينية ويعادي الكيان الصهيوني. عاد الى لبنان ليعيد هذا البلد المدمر الى الخريطة الدولية، فينفتح على الاقتصادات العالمية ويستدرك ما فاته من تكنولوجيا وتطوّر. عاد الى لبنان ليعيد اعمار بنيته التحتية، ويقيم الجسور والانفاق، ويشق الطرقات والاتوسترادات، ويوسّع المطار، ويشيد مجمّع الجامعة الوطنية والمدارس الرسمية والمستشفيات الحكومية، ويصحّح الرواتب، ويحدث التشريعات، ويثبت سعر صرف الليرة اللبنانية، ويدعم الجيش والمؤسسات الأمنية، ويقدّم عشرات آلاف المنح للطلاب، ويشجع القطاع الخاص على الاستثمار في الوطن، فضلاً عن جلب استثمارات عربية وثق أصحابها بهذا الرجل الكبير. لقد أتى كطائر الفينيق ليقيم لبنان من الرماد، ويبث الأمل في كل مواطن بأن قيامة لبنان ممكنة.
لقد كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري رجلاً بحجم آمال وطن، رجل يتمتع بصداقات عربية واقليمية ودولية استثنائية، فوظّف كل امكاناته لنهضة لبنان، لكنه عانى كثيراً بسبب القيود التي فرضها عليه نظام الوصاية، والعراقيل التي وضعها في طريقه أعوان ذلك النظام. لقد أحب بيروت وأولاها إهتماماً خاصاَ، فبادلته المحبة وأعطته ما لم تعطه لزعيم سياسي قبله، أحادية زعامتها. لقد أصبح الرئيس الشهيد معشوق البيارتة، فالتفت عائلاتها حوله واعتصمت بنهجه، وآثرها على ما عداها، ورعى انتظامها في اتحاد جمعيات العائلات البيروتية، لدرجة أطلق عليه اسم «حزب الرئيس». وبفضله تسارعت نهضة بيروت ولحقت بركب التقدّم والتطوّر الذي توقف عندها لـ 15 سنة، وبات وسطها يحاكي وسط أجمل العواصم، واستقطبت الاهتمام الدولي والعربي ، وأضحت منبراً ثقافياً واقتصادياً يمجد حقوق الانسان والحريات العامة ويشجع على التعاون الاقتصادي بين البلدان وتوسيع دور القطاع الخاص، ويهتم بالبيئة ويحذّر من تبدّل المناخ.
لكن من أراد تفكيك أواصر الوطن وتهميش مؤسسساته وتحويله الى قبائل وطوائف ومذاهب، متقابلة أحياناً، ومتنافرة أحياناً أخرى، اغتال حبة عقد الوطن وأدخل لبنان في نفق لم يتمكن من الخروج منه حتى هذه الساعة.
رحم الله صانع نهضة لبنان الحديثة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومكن حامل مشعله دولة الرئيس سعد رفيق الحريري من إخراج الوطن من غياهب المجهول الى فضاء الحرية والسيادة والاستقلال. فلقد طال ليل لبنان، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.