مقالات مختارة >مقالات مختارة
ميسون عزام: "خطّ المواجهة" بحثٌ في شهادات وقرارات هُمِّشت
ميسون عزام: "خطّ المواجهة" بحثٌ في شهادات وقرارات هُمِّشت ‎الخميس 22 05 2025 11:37
ميسون عزام: "خطّ المواجهة" بحثٌ في شهادات وقرارات هُمِّشت

فاطمة عبدالله

ترى الإعلامية ميسون عزام أنّ برنامجها الجديد «خطّ المواجهة» على قناة "العربية" نتاج حاجة مُلحّة إلى إعادة النظر في حوادث شكَّلت لحظات محورية في التاريخ الحديث وغيَّرت مسارات إلى الأبد. يأتي استجابة لتراكُم حوادث هامشية في أوقات الاضطرابات السياسية الكبرى، لم تلفت الانتباه في حينه، ولكن مع الزمن ينكشف أثرها في تفاصيل الحياة اجتماعياً وسياسياً وحقوقياً.

تقول عزام إنّ البرنامج يعيد بناء الحدث ويستكشف آثاره من خلال إحياء ذاكرة الشهود وصنّاع القرار والعمل على توثيقها بعرض لقطات أرشيفية تخلق فهماً أعمق لما حدث، «إنه مساحة للتأمُّل في الماضي لفَهْم الحاضر والبناء لمستقبل أكثر وعياً واستنارة. ومحاولة للحفاظ على الذاكرة البشرية؛ تلك التي لم تُكشَف أو ربما شُوِّهت».

اختبرت الإعلامية الفلسطينية العمل الصحافي مذيعةً في غرفة الأخبار ومبعوثة في القمم والميدان لأكثر من عقدَيْن. اليوم، حان الوقت للخروج من تفاصيل الخبر لتبدأ التوغُّل في حيثيات الحدث، فتعيشه مباشرة مع الناس من خلال برنامج «بين زمنين» الذي يجري العمل على إنتاجه، ويُعنى بالبحث ميدانياً عن قصص تسامح في بلدان مزَّقتها الحروب، وأخرى تعرَّضت للإبادة، وغيرها نخرتها التفرقة والعنصرية، وبرنامج «خطّ المواجهة» الذي نتحدَّث عنه.

ولا تحصُر «خطّ المواجهة» بتقديم سرد لحوادث تاريخية فقط. تريده كاشفاً لتفاصيل تتيح فَهْم الواقع، «تكتشفُ بعمق لحظات نادراً ما أُضيء عليها، فأُغفِلت عن قصد أو بسبب تشابكها في سلسلة من الأحداث الكبرى. ونؤمن بأنّ الفَهْم الحقيقي لا ينبع فقط من معرفة ما حدث، وإنما من كشف المغزى الأعمق للأحداث التي أُغفلت أو طُمست».

الضيف هو الشاهد أو صاحب القرار، وحضوره يرتبط مباشرة بمدى صلته بالحادثة المُكتَشفة. عنه تقول: «مشاركته تُعنى في كشف خيوط ما حدث، ومناقشة كيفية تذكّرها بصدق ووضوح واحترام لوعي الجمهور». ولكن، كيف تتعامل مع محاولة أحد الضيوف تلميع صورته أو إعادة كتابة الرواية من منظوره فقط؟ تجيب: «لا يمكن إنكار أنّ التحدّي الأكبر لأيّ مقابلة، بصرف النظر عن طبيعة البرنامج، هو محاججة أيّ إنسان في ذاكرته. فهي ملكه وحده، خصوصاً إذا كان هو الشاهد الوحيد أو المتبقّي على حادثة محلَّ جدل. هذا لا يعني عدَّ ما يُقدّمه الضيف من المُسلَّمات. (خطّ المواجهة) يعتمد على بحوث موثوق بها، ومصادر مدقَّقة، ومواد أرشيفية تُشكل أساساً راسخاً لتعزيز حوار نزيه».

وفي هذا النوع من البرامج، ما احتمال مواجهة رفض أو تردُّد من شخصيات للظهور؟ ردُّها أنها تحترم قرار الضيف المشاركة من عدمها، «فلكلّ سببه». رغم ذلك، لا يمنع غياب الصوت سردَ الحادثة والبحث عن صوت آخر قادر على تناول الموضوع. بالنسبة إليها، «يعمل البرنامج على ضمان أن يكون السرد كاملاً ومتوازناً وصادقاً قدر الإمكان، حتى لو اختار بعضٌ الصمت».

مع كلّ حلقة، يتبادر إلى ذهنها ضيوفٌ تشاء مقابلتهم لإدراكها أنهم سيقدّمون جزءاً من الحقيقة المطروحة، وهم الوحيدون القادرون إما على دحضها وإما على تأكيدها. «يا للأسف، معظم هؤلاء، إنْ لم يكن جميعهم، رحلوا».

كثيراً ما تساءلت ميسون عزام عمَن كان سيملك المشهد كاملاً؟ مَن كان ليُحدّثها عن تفاصيل الحكاية بصورة أوسع، فيروي جانبه من القصة؟ تقول إنّ أحد الأسماء هو الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وتتابع: «خلال تسجيل حلقات (خطّ المواجهة)، كشف ضيوفٌ قصصاً عن (الختيار) نادراً ما تُذكر، إنْ وُجدت أصلاً. مثلاً، تحدَّث أحدهم أنَّ عرفات لم يكن يطرح حق العودة في المفاوضات بكونها حلاً، وإنما كان يستكشف مبادرات وطروحاً تُعنى بإيجاد حلّ للاجئين الفلسطينيين حتى لو تطلَّب ذلك تقديم تنازلات. لو كان عرفات حياً، لرغبتُ أن يكون ضيفي لسماع الرواية العلنيّة للأحداث، وفَهْم صراعاته الداخلية وخياراته المستحيلة إن صدَقَتْ. نحتاج إلى معلومات أشمل لمعرفة ما يدور خلف الأبواب المغلقة، وهذا ما نحاول تقديمه».

ولو خُيّرت بين أن تكون شاهدةً على الحدث أو صانعة قرار فيه؛ أي موقع تُفضّل؟ تشاء أن تكون صانعة قرار رغم تقديرها للدورَيْن: «ولكن، من تجربتي في (خطّ المواجهة)، أدركتُ أنّ الشهود يساعدون على توثيق الحقائق. ورغم ذلك، عندما يختار صانع القرار التحدُّث، فإنه يقدّم الحقيقة من الداخل. الشاهد يلاحظ ويتذكَّر، لكن صانع القرار يُشكّل اللحظة ويتعايش مع عواقبها. ليس كلُّ شاهدٍ بالضرورة صانع قرار، لكنَّ كلَّ صانع قرار هو، بلا شك، شاهد؛ يحمل ذكرى ما حدث وسياقه».

وأيُّ أثر تنتظره في المُشاهد العربي؟ تريد من «خطّ المواجهة» توثيق الأفكار التي كان لها دور في تشكيل عالمنا الراهن، بهدف تحرير الفكر من تواريخ ثابتة أو روايات منقوصة. وتتمنّى أن تتشكَّل تفاصيل القصص للمُشاهد من أصوات ضيوف لا تُسمع دائماً ولحظات لم تُفهم تماماً.

الختام على لسانها: «أؤمن بأنّ الحقيقة غالباً ما تكون أكثر تعقيداً وغموضاً مما يُقال لنا، وبالتالي نبحث عن فَهْم أعمق لما ظننا أننا نعرفه. نريد إظهار كيف شكَّلت أصغر القرارات أو اللحظات المُهمَّشة مسارنا اليوم. لذا، لا يعيد البرنامج كتابة التاريخ، لكنه يكشف ما تُرك في الهامش من شهادات منسيّة وقرارات حملت معها الأمل والألم».

ميسون عزام: "خطّ المواجهة" بحثٌ في شهادات وقرارات هُمِّشت
المصدر : الشرق الأوسط