لبنانيات >أخبار لبنانية
لبنان بين الخروج من الأزمة والتسكين المؤقت ووهم الإستقرار
لبنان بين الخروج من الأزمة والتسكين المؤقت ووهم الإستقرار ‎الاثنين 2 06 2025 07:51
لبنان بين الخروج من الأزمة والتسكين المؤقت ووهم الإستقرار

جنوبيات

منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019، دخل البلد في دوامة من الانهيار المتواصل طالت جميع جوانب الحياة، من المالية العامة وسعر صرف الليرة، إلى الخدمات الأساسية والبنى المؤسساتية. ومع اقتراب مرور ست سنوات على هذه الأزمة غير المسبوقة، يطرح اللبنانيون سؤالًا مشروعًا: هل بدأ لبنان يخرج فعلًا من أزمته، أم لا يزال في دائرة المراوحة؟
الجواب الواقعي، حتى منتصف عام 2025، هو أن لبنان لم يخرج بعد من أزمته، بل يعيش حالة «تسكين مؤقت» للأعراض، لا ترتقي إلى مستوى التعافي الحقيقي. فعلى الرغم من بعض المؤشرات الشكلية التي توحي بتحسُّن محدود في بعض القطاعات، مثل الاستقرار النسبي لسعر الصرف أو الانتعاش الموسمي للسياحة، إلا أن الأسباب البنيوية للأزمة لا تزال قائمة، بل تتعمق.
يتمثل جوهر الأزمة اللبنانية في انعدام الثقة الكامل بين الدولة ومواطنيها، وبين الدولة والمجتمع الدولي. هذه الأزمة ليست فقط مالية أو اقتصادية، بل هي أيضًا أزمة حوكمة وشرعية سياسية ومؤسساتية. فعجز الدولة عن تنفيذ إصلاحات جوهرية، وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية، كلها عوامل تعرقل أي محاولة للخروج من الأزمة.
المؤشرات الإيجابية التي يتحدث عنها البعض — مثل تحسن التحويلات من المغتربين( ٦.٤ مليار دولار عام ٢٠٢٤)، أو تحسن نسبي في إيرادات السياحة( ٣٠ بالمئة مقارنة بعام ٢٠٢٢)، هي مكاسب ظرفية لا يمكن البناء عليها. بل إنها تزيد من خطورة «الوهم بالاستقرار»، الذي قد يؤخر اتخاذ قرارات مصيرية لإصلاح البنية العميقة للاقتصاد والدولة. إذاً، ما السبيل لكسر هذه الحلقة؟ ما هي الخطوات التي يمكن أن تضع لبنان على سكة الخروج الحقيقي من أزمته؟
أولًا، لا بد من إستعجال ترميم الإدارات العامة في الدولة، وبوتيرة أسرع من الحالة الراهنة. أي حل اقتصادي سيكون بلا جدوى إن لم يبدأ بوجود دولة متماسكة، وإدارة فاعلة، وقادرة على تنفيذ  رؤية إصلاحية واضحة، تقرُّها الحكومة، ويتبناها مجلس النواب بمجهود مضاعف عما يجري اليوم، لأن أي تأخير في تجسيد الإرادة الوطنية الجامعة في تحقيق الإصلاحات الضرورية، يمنع أي خطة من أن ترى النور.
ثانيًا، يجب اعتماد برنامج إنقاذ اقتصادي شامل وشفاف، يُبنى بالتعاون مع الجهات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، ولكن بشروط وطنية واضحة تحمي الفئات الأكثر هشاشة. يشمل هذا البرنامج توحيد أسعار الصرف، إعادة هيكلة الدين العام والمصارف، وتنفيذ خطة واقعية لاسترداد حقوق المودعين.
ثالثًا، لا يمكن النهوض من دون مكافحة حقيقية للفساد. وهذا يتطلَّب قضاءً مستقلاً، وأجهزة رقابة فاعلة، وتطبيق قوانين الشفافية والمساءلة، ووقف الهدر في المؤسسات العامة. لبنان لا يفتقر إلى القوانين، بل إلى الإرادة في تطبيقها.
رابعًا، يجب إعادة توجيه النمو نحو الاقتصاد المنتج. الاقتصاد الريعي الذي اعتمد على العقارات والخدمات لم يعد مجديًا. المطلوب اليوم هو دعم الزراعة، الصناعة، التكنولوجيا، والطاقة النظيفة.
وهذا لا يتم إلا عبر تشجيع الاستثمار، وتسهيل البيئة القانونية والضريبية، وتحفيز المبادرات المحلية.
وأخيرًا، يجب استعادة الثقة بين المواطن والدولة. وهذا لن يحصل إلا إذا شعر الناس بأن الدولة موجودة لخدمتهم، وليست عبئًا عليهم، كما هو الحال منذ فترة. وتحسين التعليم، الصحة، الكهرباء، والنقل، ليست مطالب رفاهية، بل شروط أساسية لأي تعافٍ.
لا بد من الإعتراف بأن النوايا الحسنة، والتصريحات المطمئنة وحدها لا تكفي، إذا لم تكن مقرونة بخطوات عملية على طريق التنفيذ. صحيح أن بعض القوانين الإصلاحية في القطاع المصرفي والمالي قد أقرها مجلس الوزراء في الأسابيع الأخيرة، ولكن بعضها ما زال حبراً على الورق، والبعض الآخر أسير المناقشات في لجان مجلس النواب.  في حين أن الدول الداعمة للعهد والحكومة، والمراهِنة على مسيرة الإنقاذ، التي تضمن خطاب القسم والبيان الوزاري خطوطها العريضة، تنتظر الإجراءات العملية، التي تؤكد بداية إنتقال لبنان من دوامة التخبط والتردد، إلى مواقع إتخاذ القرارات المطلوبة، لإحداث التغيير المنشود في المشهد اللبناني.
قد يكون من الصعب على الدولة اللبنانية مجاراة النظام السوري الجديد في سرعة التحرك والتحول، لأسباب بنيوية تقيّد مواقع القرار اللبناني، ولكن التغلب على الصعوبات ومواجهة التحديات يصبح ممكناً عندما تحزم الدولة أمرها، وتتمسك بوحدة الموقف بين أركان السلطة، في تجسيد الإرادة الوطنية المطالبة بالإصلاحات، وبناء دولة المواطنة والقانون، وإعتماد معايير الكفاءة والشفافية في إختيار الكوادر اللازمة لتجديد دم الإدارات العامة.  مرة أخرى، لبنان يقف على مفترق طرق: إما أن يختار طريق الإصلاح والتحول البنيوي، أو أن يبقى رهينة للمراوحة والانهيار البطيء. 
الأزمات في لبنان ليست قدرًا مكتوبًا، بل نتيجة  لسوء الإدارة، ولخيارات  وقرارات خاطئة.

المصدر : اللواء