كتب المدير العام للأمن اللواء حسن شقير، مقالاً، في افتتاحية العدد الثالث والأربعون بعد المئة، الصادر في آب/أغسطس 2025، من مجلة "الأمن العام" عن المديرية العامة للأمن العام، بعنوان: "الجيش... نبض الوطن الذي لا يخبو"، جاء فيه:
"في الأول من آب نعيّد معا تلاوة قسم الولاء الذي لا يقال مرة واحدة، بل يعاش كل يوم. ثمانون عاما من عمر جيش لبنان هي في حقيقتها عمر من الثبات على القسَم، وعمر من الحضور الدائم في كل مفترق من مفترقات الوطن، وعند كل مفصل من مفاصل كيانه، حيث يكون الجيش أول من يصل وآخر من يرحل… وأبداً لا يرحل.
ثمانون عاما، كتبت خلالها سطور الوطن بالحبر والدم، بالرجولة والصمت، بالانضباط والشجاعة. جيشنا لم يكن يوما متفرجا على الألم، بل كان دائما في قلب النيران، في مواجهة المحن، في مواجهة الإرهاب والعدوان والانقسام. هو الحاضر في أصعب اللحظات، وهو الواقف عند حدود الأرض وحدود الكرامة.
ليس الجيش اللبناني مجرد مؤسسة عسكرية، بل هو العمود الفقري للاستقلال، والدرع الواقية في وجه العواصف. فيه اجتمعت القيم الوطنية، وتكونت الدولة، وتشكلت الهوية، وترسخت السيادة. هو الجيش الذي لم يغب عن أي معركة دفاعا عن وحدة لبنان وشعبه، من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، مرورا بكل الجراح وكل التحديات وكل الآمال، بقي الجيش وفيا لعقيدته التي لا تباع ولا تساوم.
لقد شاء قدري الجميل أن أكون من رحم هذه المؤسسة، وان احمل في روحي تراب الثكنات، وعرق الميدان، وندى الصباحات التي لا تشبه إلا أناشيد الوطن. وما من صفة افخر بها أكثر من إنني "ابن الجيش"، لأن من كان له في الجيش بيت، كان له في الوطن قلب نابض لا يموت. في هذا الانتماء تكمن الحقيقة كلها: المؤسسة العسكرية لا تزرع فيك فقط حس الواجب، بل تنقشك على صورة الوطن، بشموخه وتاريخه وفرادته.
لعل ما يميز جيشنا في عيده الثمانين انه لم يتغير جوهره على مر العقود، رغم تبدل الظروف وتعاظم الأزمات. بقي مؤسسة جامعة، تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتحتضن أبناءها بلا تمييز، وتؤمن بأن الوطن لا يبنى إلا بالعدل، وان الكرامة الوطنية لا تصان إلا بالتضحية. في زمن الانقسامات السياسية الحادة، بقي الجيش مساحة الثقة الوحيدة، وجدار الأمان الأخير. وفي زمن الفقر والحرمان والانهيارات المتكررة، ظل الجندي اللبناني عنوانا للفداء، يأبى أن ينكسر رغم شظف العيش وضيق الإمكانات.
في لحظات القلق الكبرى، حين تترنح المؤسسات، يبقى الجيش هو الثابت الذي لا يتزعزع، والمؤسسة الأم التي تستظل بها بقية المؤسسات الأمنية. فهو من يؤمن بأن الاستقرار ليس خيارا، بل قدرا لا بد من صونه مهما كانت التضحيات. وهو من لا يزال يشكل الأمل في عين كل أم تبحث عن الطمأنينة لأبنائها، وكل شاب يحلم بغد لا يشبه حطام الواقع، وكل مواطن فقد ثقته بالكثير، إلا بمؤسسة الجيش.
عيد الجيش الثمانين ليس مجرد محطة زمنية، بل هو مناسبة لتجديد الثقة واليقين بأن لا دولة من دون جيش، ولا سيادة من دون سلاحه الشرعي، ولا أمن من دون حضوره في الأرض والوجدان. وعلى الرغم من الصعوبات التي يعيشها لبنان، يبقى الجيش هو الصخرة التي لا تنكسر، والعهد الذي لا ينكث، والحلم الذي لا ينطفئ. ومهما طال ليل الأزمات، يبقى الجيش شمعة مضيئة في عتمة الطريق، ودليلا الى وطن لا يستسلم.
فلتحيَ المؤسسة التي تنبض بحياة الوطن، ولتحيَ تلك القلوب التي ترتدي البزة لا للتفاخر، بل لتكون على الجبهة، في الثكنة، في الشارع، في القلب. وليبقَ الجيش اللبناني دائما، فوق كل اعتبار، حارس الكيان، ورمز الوحدة، وراية المجد التي لا تطوى".