قد تكون الجزائر من البلدان الأجنبية والعربية التي لا تضع شروطاً أو ترسم «أجندة» لمساعدة لبنان الذي تتعاطى معه بمنطق الأخوة العربية، وترى في دعمه إلتزاماً قومياً يجب الإضطلاع به بلا شروط مسبقة أو مُكبِّلة.
دقيقة هي الجزائر في علاقاتها العربية، الإقليمية والدولية، ولا توارب أو تهادن في أمر تجد فيه مساساً بها أو بسمعتها في مسار علاقاتها مع الآخرين. لم تقصّر الجزائر مع لبنان يوماً، وهي نسجت علاقات دائمة مع أطياف مجتمعه جميعها، وليس مع القوى السياسية فحسب، ولم تكن بعيدة عن همومه وأحداثه ومآسيه، وكانت في عداد اللجنة الثلاثية العربية العليا إلى جانب السعودية والمغرب في مؤتمر الطائف، الذي عهد إلى وزير خارجيّتها السابق الأخضر الإبراهيمي مهمّات صعبة ومعقّدة، للتقريب بين الأفرقاء اللبنانيِّين المختلفين. وفتحت أبوابها لقيادات روحية وسياسية، من منطلق حرصها على مساعدة لبنان على تجاوز أزماته. وكان هناك قبل الحرب اللبنانية تعاون واسع في مجالات التربية والتعليم والطبابة والصحة بين البلدَين، إذ أتيح لمئات الأساتذة والأطباء والممرّضات فرص العمل والكسب الشريف في الجزائر، التي وفّرت بدورها مِنَحاً جامعية لعشرات الطلاب. شرّعت الجزائر أبوابها أمام قيادات روحية غير إسلامية، دلالة على إحترام فرادة لبنان وخصوصيّته كبلد تعدّدي حاضن للديانات على تنوّعها في إطار وحدة الأرض والشعب، ففتحت أبوابها للبطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي زارها عام 1987، وكان سبقه إليها قبل سنوات رأس طائفة الروم الكاثوليك مكسيموس الخامس حكيم. وكانت الجزائر، إلى دعمها المقاومة الفلسطينية، تنصح قادتها باستمرار، وهي في ذروة صعودها في لبنان في ستينات وسبعينات القرن المنصرم، بعدم الوقوع في فخ مَن يُريد لها أن تصبح مشكلة داخلية في البلاد التي احتضنتها ووفّرت لها أسباب التحرّك السياسي، الميداني والإعلامي. كما كانت - على رغم من العلاقات الوثيقة معه - الناصح الدائم للنظام السوري السابق بالحدّ من تدخّلاته في يوميات السياسة اللبنانية وتفاصيلها. وعندما كانت تحصل بعض الإشكالات - وهي نادرة قياساً بالإشكالات بين لبنان ودول أخرى - كانت تؤثر الكتمان ومعالجتها بالديبلوماسية الهادئة. وإذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فإنّ زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى الجزائر، هي ناجحة بكل المعايير. وكان نظيره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون متجاوباً إلى أبعد حدود التجاوب مع ما رغب لبنان في الحصول عليه من محروقات وغاز، ومساعدات أساسية لتأهيل بعض القطاعات وتنفيذ مشروعات في غير مجال من المجالات وفتح فرص الاستثمار في البلدَين، خصوصاً أنّ الجزائر تزخر بفرص استثمارية مهمّة في كل الميادين: الإقتصادية، الإجتماعية، التربوية التعليمية، الصناعية، والتجارية. والجزائر قادرة على الإيفاء بالتزاماتها من دون أن تخشى أي ضغط خارجي أو موانع قد توضع على طريقها. فالشعور السيادي لديها يتساوى والكرامة الوطنية. بمعنى أنّه إذا اقتنعت بمساعدة لبنان ودعمه، فلن تتراجع بـ«همس هامس» أو «نصيحة ملغومة».
من هنا الظنّ بأنّ الجزائر ستفي بما وعدت لبنان به، والشعور بأنّ زيارة الرئيس عون لها لن تكون بلا ثمار، ولن تعود «سلّته فاضية» أو معبأة بالماء أو الريح، بل ستكون مليئة بهبات وعروض ومشاريع متنوّعة ستكون رافعة للتنمية.
واذا أردنا التصنيف، فإنّ العراق والجزائر هما الأكثر وضوحاً في مساعدة لبنان آنياً ومستقبلياً، لأنّهما لم يسعيا إلى فرض شروط سياسية أو قانونية أو أمنية عليه، ولم يُخيِّراه أمام التخندق في هذا المعسكر، أو ذاك. كما لم يُسجّل أنّهما أرادا له ركوب مركب لا يستطيعه. وإنّ هذا النهج من التعاطي هو نموذج لما يجب أن تكون عليه علاقات لبنان مع الدول الخارجية، وخصوصاً مع محيطه العربي الأقرب إليه. وبالتالي، فإنّ هذه الطريقة التي تجعله يطمئنّ إلى الغد.
وممّا لا شك فيه، وبحسب مصادر متابعة لزيارة عون، فإنّ هذه الزيارة ستدشّن عهداً من التعاون الواعد مع الجزائر التي لا تمتلك «أجندة» خاصة بها في لبنان، وتجتهد لأن تكون على مسافة واحدة من الجميع، خصوصاً أنّها قرّرت التعاطي مع الدولة ومؤسساتها مباشرةً، وعبرها في موضوع المساعدات التي تُرسَل في حالات الضرورة القصوى والحالات الاستثنائية، كما حصل في استحقاقات سابقة كان فيها لبنان في وضع النكبة.