في زمن اختلال القيم، صار الكذبُ فنًّا، والنّفاقُ مهارة، والرّياءُ سلعة تُتداول على موائد المجاملة والتّكاذب.
ولم يسلم الشّعر والنّثر، وهما تاجُ البلاغة ومرآة الضّمير، من هذا الانحدار، فباتا يُسخّران لتمجيد الفاسدين، وتلميع وجوهٍ لطالما عبثت بالمال العام ونهشت من جسد الوطن.
نرى اليوم من يتسابق إلى المنابر لا ليقول الحق، بل ليبرر الباطل، ويغدق المدائح على من لا يستحق سوى المحاسبة.
تُقام الاحتفالات لا لتكريم أهل العلم أو الإخلاص، بل لتلميع سارق أو مداهنة مارق.
وتُلقى القصائد الطنّانة في مدح من أهلك البلاد والعباد، وكأن الكلمة الطيّبة لم تُخلق إلا لتجميل القبح وتزييف الواقع.
إن من يُكرّم الفاسد إنما يطعن في وجه العدالة، ومن يمدحه شعرًا ونثرًا إنما يشوّه جوهر الكلمة ويجعل منها أداة تضليل لا وعي.
وقد صدق القول:
"أعذبُ الشعر أكذبُه"، حين يُساق لتزييف الحقيقة وتجميل الباطل، ويُقال في مدح من لا يستحق إلا الخزي.
وليعلم أولئك المصفّقون للباطل، أن التّاريخ لا يخلّد قصائد النّفاق، ولا يُنصت لمدائح الزّيف، بل يسجّل كلمات الصّادقين، ويحتفي بالشّعر الحرّ الذي يقول الحقيقة مهما كانت مُرّة.
فلتسقط الأقنعة، ولتبقَ الكلمة نورًا لا تُستخدم لتبرير العتمة.