أكثر اجتماعات أصحاب القرار في إسرائيل لفتاً للانتباه هو اجتماع الكابينت الذي من المقرر أن يلتئم اليوم للبحث في موضوع الحرب على غزة.
والمثير للاهتمام أن احتلال غزة بالكامل هو الموضوع الأساس الذي سيتم بحثه واتخاذ قرار بشأنه.
في تاريخ إسرائيل السياسي المختلط دوماً بالحربي، كانت الاجتماعات التي تفضي إلى اتخاذ قرارات توصف بالاستراتيجية تجري في جو من السرية والكتمان، لتكون الحروب إمّا مفاجئة أو غير معروفة مساحتها وكيفية إنهائها.
وإذا ما كان يجري خلافٌ بين المستوى العسكري والسياسي، كانت تجري تسويةٌ بأقل قدرٍ من الوقت والصخب، وإغراق الرأي العام فيه، أمّا الآن فقد سبق اجتماع الكابينت عواصف عاتية، حملتها وسائل الإعلام لتغرق الرأي العام والعالم فيها حد الانقسام حول القرارات قبل أن تتخذ.
انقسام عميق بين المعارضة والحكومة، وانقسام عميق بين المستوى السياسي والعسكري، وانقسام بين الجمهور الذي يخشى على حياة المحتجزين وبين من لا يقيمون وزنا لحياتهم، واختلاف بالمناصفة بين المؤسسات المكونة للدولة العبرية، والتي تخشى الغرق في أوحال حرب لا نهاية لها ولا قدرة لإسرائيل على حسمها وتوفير النفقات الإضافية لها. حتى أن لبيد زعيم المعارضة وصف الحالة بأخطر ما يمكن أن توصف به، وهو أن إسرائيل لأول مرة تدخل حرباً الشعب منقسم حولها.
هذا من داخل إسرائيل، أمّا من خارجها، فالانقسام حول حرب غزة والسياسة الإسرائيلية بشأنها شمل العالم كله، وبنسبةٍ تفوق الثمانين بالمائة ضد الحرب، خصوصاً بعد أن بلغ التجويع أقسى مدى له في التاريخ، وباقي ما تبقى ممن لا يزالون متأثرين بالعلاقة القديمة مع إسرائيل، فإنهم يلوذون بالصمت وذلك وصل إلى المستوى الأمريكي الذي تنصل سلفاً من قرارات الحكومة بشأن توسيع نطاق الحرب ليعتبرها وحدها المسؤولة، وهذا ما أفصح عنه الرئيس ترمب في آخر تصريح له حول خيارات حكومة إسرائيل بشأن غزة.
إذا اختارت الحكومة الذهاب إلى احتلال غزة بالكامل، فهذا ليس بالقرار الذي ينهي الحرب بنصر مطلق، كما يقول نتنياهو، ويعيد المختطفين جميعاً الأحياء منهم والأموات ويحسم أمر مستقبل غزة كما لو أنها مجرد مستوطنة، وهذا ما يفصح عنه الجيش الذي يفترض أن يقوم بالمهمة العسكرية رغم اعتراضاته الكثيرة عليها، أمّا إذا اختارت الكابينت التراجع عن قرار الاحتلال الكامل والتفاهم مع المستوى العسكري على صيغة حلٍ وسط، كالعمليات الانتقائية المحدودة والمتدرجة، وهذه عملياتٌ سبق أن قام الجيش بمثلها عدة مرات، في جميع أنحاء غزة على مدى السنتين الماضيتين فذلك يعني تطوير أزمة داخلية في صفوف الائتلاف الذي يسعى أقطابه للحرب وتوسيعها.
فعلاً... إن إسرائيل أمام قراراتٍ أحلاها مر ذلك بفعل ابتعاد أقطاب الحياة السياسية من الائتلاف والمعارضة عن الحل الوحيد الصريح والمريح وهو الاكتفاء بما فعلواه في غزة والتوقف عمّا يفعلون في الضفة ولبنان وسوريا، والذهاب مع العالم الذي أنتج تسونامي الاعترافات بالدولة الفلسطينية ويصل إلى حلٍ مع الخصم الرئيسي الذي هو شعب فلسطين المتطلع بقوة وإصرار وبلا فتور همة نحو الحرية والاستقلال.
الغريب في أمر إسرائيل أنها مختلفة على كل شيء، إلا أنها متفقة على شيءٍ واحد وهو استمرار الاحتلال ومنع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته، وهذه هي كلمة السر للدوامة الإسرائيلية التي لا مخرج منها منذ تأسيس الدولة.