من يقرأ المبادئ الخمسة التي حددها الكابينيت الإسرائيلي المصغر في اجتماعه الذي امتد لفجر أمس الجمعة 8 آب/ أغسطس الحالي (2025)، يجزم انه سمعها وقرأها عشرات المرات على مدار ال22 شهرا الماضية من الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، ولا يرى جديدا فيها، انما حربا نفسية، وعصا ضغط إضافية، بما في ذلك موافقة إدارة ترمب الأميركية، وما أعلنت عنه الأقمار الصناعية بوجود حشود عسكرية على غلاف قطاع غزة. لان هناك تكامل بين الجانبين في إدارة الحرب الوحشية في التاريخ المعاصر. والحقيقة كان هناك انسحابات لفرق عسكرية إسرائيلية، وخاصة 98.
رغم قناعتي أن دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية بالتوافق مع الولايات المتحدة الأميركية ولجت مرحلة جديدة في الصراع عنوانها الأساسي، حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني على طريق تصفية القضية الفلسطينية، وتحقيق النصر الصهيوني الكامل لمشروع النفي والتطهير العرقي الكلي للشعب العربي الفلسطيني، بعد إبادة أكبر عدد من أبنائه في مختلف أماكن تواجدهم في الوطن الفلسطيني التاريخي الممتد من النهر الى البحر، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى المسيطرة على فلسطين والأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر، استباقا لمؤتمر يالطا الجديد، الذي سيرسم ملامح العالم متعدد الأقطاب الجديد. لكن الإقرار بهذا التحول النوعي في الصراع الأطول في التاريخ، لا يعني أن إسرائيل في واقعها الحالي بعد فشلها في تحقيق أي من أهدافها المكررة والمجترة على مدار 22 شهرا، لديها الجاهزية لمواصلة الإبادة الجماعية الكارثية لفترات طويلة قد ترتد عليها بارتدادات عكسية أكثر مما هي عليه الان.
وبالتالي قد تمرحل عملية التصفية للقضية والشعب والهوية والكيانية الوطنية الفلسطينية، مع أهمية الوقت راهنا في حسم الأمور، لكن هناك فرق بين الطموح في تحقيق الغايات، وبين الواقع، واشرت لذلك قبل أيام قليلة.
وبالربط مع ما تقدم، صرح رئيس الائتلاف النازي الإسرائيلي الحاكم مرات عدة، بأنه سيغير تركيب الشرق الأوسط، رابطا ذلك بما جرى على جبهات لبنان وسوريا وإيران والعراق، بالإضافة لعمليات الاستسلام العربية الناجمة عن اتفاقات ما يسمى "ابراهام"، التي ينادي الرئيس دونالد ترمب بتوسيعها وتعميمها في الوطن العربي، بحيث تشمل الدول جميعا وفي مقدمتها العربية السعودية، لما لها من موقع وثقل سياسي واقتصادي ومالي في الوسط العربي والإقليمي، ولكن قيادة المملكة رفضت الانصياع للخيار الإسرائيلي، وأصرت مع فرنسا وأكثر من 100 دولة على ترسيخ استقلال دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، كجزء من معادلة الهيكلة الجديدة لعالم يالطا الجديدة.
ولا يجوز للمراقبين السياسيين أو الأمنيين والإعلاميين التعامل في قراءة الصراع الدائر بالقطعة، ومع كل تصريح، وكأنه منفصل عن سياق التطور السياسي والعسكري الأمني والاقتصادي الاجتماعي والثقافي والديني والسيكولوجي، وضرورة الربط الجدلي بين المواقف والتطورات المختلفة لبلوغ القراءة الموضوعية للصراع، حتى لو اختلفت مناهج القراءة للصراع الدموي والوجودي.
وإذا توقفنا مباشرة أمام مبادئ الكابينيت الخمسة، وهي: أولا نزع سلاح حماس، جرى تعديل على البند، حيث كان يقضي في البداية بالقضاء الكلي على حركة حماس؛ ثانيا عودة المختطفين "الاحياء والاموات على حد سواء"؛ ثالثا نزع السلاح من قطاع غزة؛ رابعا السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة، وليس احتلالها، وهناك فرق بين السيطرة الأمنية والاحتلال. لأن تكاليف الاحتلال أعلى وأثمانه أكبر في الأرواح والمعدات والاستحقاقات المالية وفي التداعيات والارتدادات السياسية والديبلوماسية العربية والإقليمية والدولية؛ خامسا وجود حكومة مدنية غير حماس أو السلطة الفلسطينية،
وذكرت مواقع عبرية تفاصيل إضافية للمبادئ المذكورة، وهي ليست جديدة، انما قديمة وجزء من اهداف الإبادة الجماعية وتتضمن المرحلة الأولى، ادخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق الى مدينة غزة، ولم يحدث ذلك، الا بعدد لا يلبي ربع احتياجات المواطنين المجوعين والمنكوبين بالإبادة الوحشية والكارثة الأعظم في تاريخ الصراع، المرحلة الثانية نقل السكان الى جنوب غزة نحو المخيمات الوسطى حتى تاريخ 7 أكتوبر 2025 القادم، أي التهجير القسري الجزئي، كمقدمة للتهجير القسري الشامل من الوطن الفلسطيني، وهو هدف ثابت من اهداف الحرب، ولم يتحقق، المرحلة الثالثة تطويق كامل والسيطرة على مدينة غزة.
بالنتيجة يوجد تعديلات طفيفة، وتراجع في منسوب اهداف حكومة الائتلاف الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو، ولا يوجد جديدا نوعيا فيها، ولا يوجد هدف الاحتلال الكامل للقطاع، فضلا عن ذلك، وكنت طرحت السؤال سابقا، ماذا كان يفعل الجيش الإسرائيلي خلال ال22 شهرا الماضية في قطاع غزة؟ أليس احتلالا وتدميرا وتخريبا وابادة نازية قذرة، فاقت نازية هتلر وفاشية موسوليني، ومع ذلك فشلت في تحقيق أي من الأهداف الخمسة باستثناء الإبادة والدمار الهائل والكارثي. واعتقد أن لم أكن مخطئا، اننا دخلنا الفصل الأخير من الإبادة الجماعية، وعلينا الاستعداد لليوم التالي، دون اهمال ما يردده قادة إسرائيل اللقيطة.