في البدء… صفعة أيقظت الإنسان:
ليست كلّ الصّفعات مذلّة، وليست كلّ الضربات هزائم.
بعض الصّفعات تُفيق الإنسان من غفلته، وتعيد له وعيه المختطف، وتنقذه من حياة كان يظنّها حياة، بينما هي في حقيقتها نومٌ طويل بثوب اليقظة.
الصّفعة القويّة لا تأتي من يدٍ حاقدة، بل من واقعٍ صادق، من تجربة قاسية، من خيبة، من سقوط قناع، أو من فقدٍ لا يُعوَّض.
إنّها تلك اللحظة الفارقة التي تقول لك الحياة فيها:
كفى… لقد آن الأوان لتنهض.
أمّا صفعة المجتمع: فهي حين يسقط القناع!
ففي المجتمع، قد تعيش طويلًا وأنت تظنّ أنّ القيم ما زالت حيّة، وأنّ المبادئ أقوى من المصالح، ثمّ تأتيك صفعة قويّة حين ترى الظلمَ يُزَيَّن، والكذبَ يُصفَّق له، والمُستغِلّ يُكافأ، والمُخلص يُحارَب.
صفعة المجتمع تُريك حقيقةً مؤلمة: إذ ليست كلّ الجموع على حقّ، وليست كلّ الأعين مبصرة، وليست كلّ الألسن ناطقة بالحقيقة.
لكنَ تلك الصّفعة، وإن آلمتك، تعلّمك أن تزن الأمور بميزانك الدّاخليّ، لا بميزان التطبيل الجماعيّ.
وتأتي صفعة الوطن:
حين يُساء الفهم والانتماء؛ فالوطن ليس مجرّد أرض وحدود، بل ذاكرة وهويّة، وانتماء يسبق الكلمات.
لكنّنا اليوم نعيش زمنًا يُتّهم فيه المخلص بالرجعيّة، ويُهاجم فيه المدافع عن الوطن بحجج "التّحرّر"، بينما يُفتح الطّريق أمام العبث بمقدّرات الأوطان تحت شعارات برّاقة.
"الصفعة القويّة هنا تكون حين ترى أنّ التّضحية للوطن لم تعد مفهومة، وأنّ من يسرق خبزه أكثر احترامًا ممّن يزرع أرضه.
ومع ذلك، لا شيء يُصحّي الضّمير مثل هذه الصّفعة؛ فهي توقظ في القلب حبًّا نقيًّا، لا تُفسده السّياسة ولا تشوّهه الحملات.
أمّا الصّفعة الإنسانيّة: فهي حين نصبح أرقامًا!
في هذا العالم السّريع، تحوّلت الأرواح إلى إحصائيّات، والألم إلى مادّة إعلاميّة.
فقدنا الإحساس بالآخر، وصرنا نمرّ على معاناة غيرنا كأنّها مشهد سينمائيّ… لا يُلزمنا بشيء.
لكن تأتيك الصّفعة القويّة حين تختبر الألم بنفسك، أو يختبره من تحبّ… فتدرك فجأة أنّ ما كان بعيدًا صار قريبًا، وأنّ الإنسانيّة ليست فكرة رومانسيّة، بل ضرورة وجوديّة.
الصّفعة هنا ليست عقوبة… بل إيقاظًا لشيء دفين في داخلك… ألا وهو الإنسان.
وفي الختام: الصّفعة ليست النّهاية!
الصّفعات في جوهرها دعوة للتغيير.
قد تؤلمك، تُربكك، تُعيد ترتيب مفاهيمك… لكنّها لا تأتي لتُسقطك، بل لتُقيمك.
إنّها دعوة للعودة إلى الجذور: إلى إنسانيّتك، إلى ضميرك، إلى وطنك، إلى حقيقتك.
الصّفعة القويّة لا تُنسى… لكنّها قد تكون أجمل ما حدث لك حين تتحوّل إلى يقظة، وحين تتحوّل اليقظة إلى فعل.