في بلدٍ تحوّل من كونه "رسالة" إلى مجرّد عنوان للألم، يعيش الشّعب اللبنانيّ أسوأ أيّامه على الإطلاق.
لم يعد التّعبير كافيًا، ولا اللغة تَفي، ولا الصّوت يُسمع.
لقد تعطّلت لغة الكلام، لا بل تعطّلت الحياة نفسها، وارتفعت جدران الصّمت بوجه كلّ وجع.
لبنان، الذي كان يومًا ملاذًا للفكر والفن والحرّيّة، بات ساحة مفتوحة للذلّ، ومرتعًا للفساد، ومنفى داخليًّا لأبنائه. المواطن فيه مسحوق تحت عجلة الانهيار الاقتصاديّ، ومحروم من حقّه في الصّحّة، وفي التّعليم، وفي الماء، وفي الكهرباء، وحتّى في الرّغيف.
تدهورت العملة حتّى باتت بلا قيمة، وتآكلت الطبقة الوسطى حتّى تلاشت، وارتفعت نسبة البطالة، وتوسّع الفقر، وسقطت منظومة الحماية الاجتماعيّة كأوراق الخريف.
الدّولة غائبة، والوجع حاضر، والنّاس صامتون من فرط الألم.
اللبنانيّ لا يطلب المستحيل. كلّ ما يريده هو وطنٌ عادل يؤمّن له أبسط مقوّمات الكرامة. ولكن في جمهوريّة اللامسؤوليّة، الفساد يعلو، والعدالة غائبة، والسّلطة تمعن في إدارة الانهيار بدلًا من إنقاذ النّاس.
إنّها ليست أزمة اقتصاد فحسب، بل أزمة إنسانيّة وأخلاقيّة ووطنيّة شاملة.
في كل بيت قصّة، وفي كلّ عائلة معاناة، وفي كلّ قلب وجع.
لم تعد المسألة تحتمل شعارات جوفاء، ولا وعودًا مكرّرة، بل تحتاج إلى صحوة ضمير، وإلى ثورة ضمير.
لكن إلى أن يستفيق الضّمير الغائب، سيبقى اللبنانيّ يصرخ بلا صوت، ويئنّ بلا أمل، ويعيش في وطنه كما الغريب في التّيه.
ويبقى العنوان الأكثر صدقًا لحاله:
"وتعطّلت لغة الكلام"!