مِنَ الأُصُولِ الكُبْرَى الَّتِي جَاءَ بِهَا الشَّرْعُ الحَنِيفُ، وَارْتَكَزَتْ عَلَيْهَا الأَخْلَاقُ الإِنْسَانِيَّةُ السَّلِيمَةُ، قَاعِدَةُ "*لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ*". وَهِيَ قَاعِدَةٌ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مِيثَاقًا لِلْحَيَاةِ، إِذْ تَحُثُّ الإِنْسَانَ عَلَى أَنْ يَحْمِيَ نَفْسَهُ وَالآخَرِينَ مِنْ كُلِّ مَا يُفْسِدُ الصِّحَّةَ أَوْ يَعْتَدِي عَلَى سَلَامَةِ الجَسَدِ وَالعَقْلِ. وَفِي عَصْرِنَا الحَدِيثِ، تَتَجَلَّى أَهَمِّيَّةُ هَذِهِ القَاعِدَةِ فِي مُوَاجَهَةِ ظَاهِرَةٍ مُقْلِقَةٍ، وَهِيَ تَنَاوُلُ الأَدْوِيَةِ بِشَكْلٍ عَشْوَائِيٍّ، خَاصَّةً تِلْكَ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَى مَوَادَّ مُخَدِّرَةٍ أَوْ مُثَبِّطَةٍ لِلْجِهَازِ العَصَبِيِّ مِثْلَ الكُودِيِين.
أَوَّلًا: الجَانِبُ الطِّبِّيُّ وَالصِّحِّيُّ
الأَدْوِيَةُ، مَهْمَا كَانَتْ فَعَّالَةً، تُصْبِحُ خَطَرًا إِذَا استُخْدِمَتْ من دُون إِشْرَافٍ طِبِّيٍّ. تَنَاوُلُ العَقَاقِيرِ بِلَا تَشْخِيصٍ دَقِيقٍ أَوْ بِجُرَعَاتٍ غَيْرِ مَحْسُوبَةٍ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى:
1. تَدَاخُلَاتٍ دَوَائِيَّةٍ خَطِيرَةٍ: قَدْ يُسَبِّبُ الجَمْعُ بَيْنَ أَدْوِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ نَزِيفًا دَاخِلِيًّا أَوْ قُصُورًا فِي القَلْبِ أَوْ فَشَلًا كُلَوِيًّا.
2. إِضْعَافِ المَنَاعَةِ: الاِسْتِخْدَامُ المُتَكَرِّرُ لِلْمُضَادَّاتِ الحَيَوِيَّةِ يقلّلُ مِنْ قُدْرَةِ الجِسْمِ عَلَى مُقَاوَمَةِ العَدْوَى.
3. الإِدْمَانِ وَالاِعْتِمَادِ الجَسَدِيِّ: خُصُوصًا فِي الأَدْوِيَةِ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَى الكُودِيِين، وَهِيَ مَادَّةٌ أَفْيُونِيَّةٌ تُسْتَخْدَمُ لِتَسْكِينِ الأَلَمِ أَوْ تَهْدِئَةِ السُّعَالِ، لَكِنَّهَا تخلقُ اِعْتِمَادًا نَفْسِيًّا وَجَسَدِيًّا قَدْ يَتَطَوَّرُ إِلَى إِدْمَانٍ شَدِيدٍ.
4. الضَّرَرِ الدِّمَاغِيِّ: الكُودِيِين يَتَحَوَّلُ فِي الجِسْمِ إِلَى المُورْفِين، مِمَّا يُبْطِئُ نَشَاطَ الدِّمَاغِ، وَيُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى الذَّاكِرَةِ وَالاِنْتِبَاهِ وَرُدُودِ الفِعْلِ.
ثَانِيًا: التَّأْثِيرُ عَلَى الصِّحَّةِ العَقْلِيَّةِ
الاِسْتِخْدَامُ العَشْوَائِيُّ لِلْكُودِيِين يُؤَدِّي مَعَ الوَقْتِ إِلَى:
اِضْطِرَابِ المَزَاجِ، وَتَذَبْذُبِ المَشَاعِرِ بَيْنَ القَلَقِ وَالاِكْتِئَابِ.
ضَعْفِ التَّرْكِيزِ وَتَرَاجُعِ القُدُرَاتِ الإِدْرَاكِيَّةِ.
تَغَيُّرَاتٍ سُلُوكِيَّةٍ قَدْ تَصِلُ إِلَى العُزْلَةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ أَوِ العُدْوَانِيَّةِ.
ثَالِثًا: البُعْدُ الاِجْتِمَاعِيُّ
المُشْكِلَةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الفَرْدِ فَحَسْبُ، بَلْ تَمْتَدُّ إِلَى المُجْتَمَعِ:
تَفَكُّك الرَّوَابِطِ الأُسَرِيَّةِ: الإِدْمَانُ يَخْلُقُ فَجْوَةً بَيْنَ المَرِيضِ وَأُسْرَتِهِ، وَيُفْقِدُهُ الثِّقَةَ بِنَفْسِهِ وَبِالآخَرِينَ.
زِيَادَة العِبْءِ الاِقْتِصَادِيِّ: مِنْ كُلْفَةِ العِلَاجِ إِلَى خَسَارَةِ الإِنْتَاجِيَّةِ فِي العَمَلِ.
تَفَشِّي الظَّاهِرَةِ بَيْنَ الشَّبَابِ: بِسَبَبِ سُهُولَةِ الحُصُولِ عَلَى بَعْضِ الأَدْوِيَةِ دُونَ وَصْفَةٍ، أَوْ تَبَادُلِهَا بَيْنَ الأَصْدِقَاءِ بدَافِعِ التَّجْرِبَةِ أَوِ التَّسْكِينِ المُؤَقَّتِ لِلأَلَمِ.
رَابِعًا: الحُلُولُ وَالوِقَايَةُ
1. التَّوْعِيَةُ الصِّحِّيَّةُ عَبْرَ المَدَارِسِ وَالإِعْلَام بِضَرُورَةِ اِسْتِشَارَةِ الطَّبِيبِ قَبْلَ تَنَاوُلِ أَيِّ دَوَاءٍ.
2. تَطْبِيقُ القَوَانِينِ الَّتِي تَمْنَعُ بَيْعَ الأَدْوِيَةِ المُخَدِّرَةِ دُونَ وَصْفَةٍ طِبِّيَّةٍ مُوَثَّقَةٍ.
3. تَدْرِيبُ الصَّيَادِلَةِ عَلَى رَصْدِ حَالَاتِ الاِسْتِعْمَالِ المُفْرِطِ أَوْ غَيْرِ المُبَرَّرِ لِلأَدْوِيَةِ.
4. العِلَاجُ المُبَكِّرُ لِلإِدْمَانِ عَبْرَ بَرَامِجَ طِبِّيَّةٍ وَنَفْسِيَّةٍ مُتَخَصِّصَةٍ.
خَاتِمَةٌ
الدَّوَاءُ نِعْمَةٌ إِذَا استُخْدِمَ بِوَعْيٍ، وَنِقْمَةٌ إِذَا أُسِيءَ اسْتِعْمَالُهُ. وَكُلُّ مَنْ يَتَسَاهَلُ فِي أَخْذِ الأَدْوِيَةِ بِلَا ضَابِطٍ يَضَعُ صِحَّتَهُ وَعَقْلَهُ وَمُسْتَقْبَلَهُ عَلَى حَافَّةِ الخَطَرِ. وَلَعَلَّ اسْتِحْضَارَ قَاعِدَةِ "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" لَيْسَ مُجَرَّدَ نَصِيحَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ أَخْلَاقِيَّةٍ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ حَيَاتِيٌّ، يَضْمَنُ لَنَا أَنْ تَبْقَى أَجْسَادُنَا قَوِيَّةً، وَعُقُولُنَا سَلِيمَةً، وَمُجْتَمَعَاتُنَا آمِنَةً.