في حلقة الامس بذات العنوان، ركزت على دلالات الحقائق التاريخية والاساطير، والفوارق بينها، وانعكاسها على الصراع، وإعادته الى جذوره الاوسع في تحديد ملامح الصراع، وإن كان أهل النظام العربي مازالوا يراوحوا في ذات الموقع من الصراع، ولم يلتقطوا البراهين التي قدمها رئيس الائتلاف الإسرائيلي الحاكم لهم، وبالتالي لم يراجعوا اجندتهم السياسية، وعليه سأحصر النقاش على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وقراءة منحى المشاريع الاستعمارية الإسرائيلية القديمة الجديدة، وافاقها الافتراضية المحتملة.
من قرأ وتابع تصريحات بنيامين نتنياهو عن المهمة التاريخية والروحانية الموكلة له، ومن استمع لتصريح جدعون ساعر وزير خارجية إسرائيل في مقابلته مع قناة "نيوز ماكس" يوم الأربعاء 13 آب / أغسطس الحالي عن رفض وجود الدولة الفلسطينية من حيث المبدأ، الذي قال فيه، إن الاعتراف بدولة فلسطينية سيكون مسألة "انتحارية" لإسرائيل، مؤكدا ان إسرائيل عندئذ "لا يمكنها الدفاع عن نفسها." وهو ما يعني، السيطرة الإسرائيلية الكاملة على فلسطين التاريخية من البحر الى النهر، وتجسيد "قانون أساس الدولة اليهودية" المصادق عليه في 19 تموز / يوليو 2018 من أعضاء الكنيست.
وبالتلازم مع ما سبق، ما أعلنه بتسلئيل سموتريش وزير المالية في مؤتمره الصحفي يوم الخميس 14 اب/ أغسطس الحالي، الذي جاء فيه "أن الوقت قد حان لإحلال السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وانهاء فكرة تقسيم إسرائيل الى الابد." وأضاف معلنا انطلاق ما وصفه ب "البرنامج التاريخي" لربط مستوطنة معاليه ادوميم بمدينة القدس بعد "تأخير" استمر نحو 20 عاما. وأكد أن المشروع يتضمن مصادرة آلاف الدونمات (من الأراضي) واستثمارات بمليارات الشواكل، بهدف استيعاب نحو مليون مستوطن إضافي في الضفة الغربية المحتلة. وقال زعيم الصهيونية الدينية إن "الضفة جزء من إسرائيل بوعد إلهي"، وتابع قائلا إن "كل بيت ينبى فيها هو بمثابة إعلان سيادة، وكل حي جديد يقام يرسخ مخططنا الاستراتيجي." وأكد أن الدولة الفلسطينية "تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل باعتبارها الدولة اليهودية في العالم"، وشدد بأن دعم إقامتها بمثابة "انتحار لإسرائيل." وأكد سموتريش على المؤكد، الى ان خطوات حكومته في الضفة الفلسطينية المحتلة "تتم بالتنسيق الكامل مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية.
وأشار الى أن الخطة تنص على بناء 3401 وحدة سكنية جديدة في مستعمرة معاليه ادوميم، المقامة على أجزاء كبيرة من أراضي بلدتي العيزرية وأبو ديس الفلسطينيتين، التي تقع على بعد 7 كيلومترات شرق مدينة القدس. وأضاف الوزير النازي إن "الخطة ستكون المسمار الأخير في نعش الدولة الفلسطينية." وأردف قائلا "من وجهة نظر الفلسطينيين والمجتمع الدولي، هذه منطقة حساسة، بدونها فإن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية أمر مستحيل ببساطة."
مؤكد أن مشروع E1 يحمل اخطارا حقيقية على تواصل الدولة الفلسطينية، ويفصل جنوب الضفة عن شمالها، كما يفصل القدس العاصمة عن باقي المدن الفلسطينية، ويعزز خيار الضم الإسرائيلي لزهرة المدائن، ويعمق السيطرة الكلية لدولة إسرائيل اللقيطة على أراضي دولة فلسطين المحتلة، ويحول دون وجودها أو استقلالها وسيادتها على أراضيها. لا سيما وان مشاريع السيطرة والتدمير المنهجية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية تتكامل ما بين السيطرة على المفاصل الأساسية المحيطة بالقدس العاصمة، وما يجري في خليل الرحمن وما بينهما محافظة بيت لحم، مع ما يجري في اريحا والاغوار والمحافظات الشمالية جنين وطولكرم وقلقيلية ونابلس وطوباس وسلفيت، بالتلازم مع ما يجري في محافظة رام الله والبيرة.
ولكن ما أود تأكيده بعيدا عن الاسقاطات الرغبوية، ولغة الشعارات والعواطف، أن من يتابع ما يجري في داخل المجتمع الإسرائيلي من عملية تآكل، واتساع وتعمق التناقضات والأزمات الداخلية السياسية والديبلوماسية والعسكرية الأمنية والاقتصادية المالية والاجتماعية السيكولوجية، مضافا لها اتساع رقعة العزلة الدولية، واضمحلال وانكفاء الرواية الإسرائيلية، وسقوط ذريعتها المفضوحة "معاداة السامية" في الأوساط الأممية، وانكشاف وجهها الحقيقي كدولة إبادة جماعية، واتساع دائرة الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية، وتسيد الرواية الفلسطينية، وزيادة الدعم للحقوق السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني، وأيضا فشل إسرائيل العسكري والأمني على مدار 681 يوما من تحقيق أي من أهدافها في قطاع غزة والضفة الفلسطينية، باستثناء تعمق الإبادة الجماعية وعمليات التدمير المنهجية وحروب التجويع والامراض والاوبئة، التي ارتدت عكسيا على دولة الإبادة الجماعية وسادتها في واشنطن. جميع هذه العوامل تؤكد، ان حقائق التاريخ ستسقط وعد اللاهوت والاساطير، وبالضرورة ستكون الغلبة للشعب العربي الفلسطيني وقيادته السياسية الشرعية، قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، رغم كل النواقص والعيوب والمثالب التي تعاني منها الساحة الفلسطينية.