ليس خافيًا على أحد حجم الخسائر البشرية والمادية وما لحق من تدمير كلي لقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر عام 2023، علاوة على ما أصاب المشروع الوطني الفلسطيني من ضرر، وما لحق بدول المنطقة من خراب واضطراب. ولا أظن أن أحدًا، أيًّا كان، يغفل أن حكومة نتنياهو يسيل لعابها منذ البداية لتنفيذ مخططي الاقتلاع والتهجير، وتبحث عن كل فرصة ممكنة لذلك.
كما لا أعتقد أن هناك عاقلاً يجهل أن حصاد عامين من حرب الإبادة شكّل ربحًا صافيًا لأكثر الحكومات تطرفًا في دولة الاحتلال، سواء من المنظور التكتيكي أو الاستراتيجي لعقود قادمة.
واليوم، وبعد مرور ما يقارب 22 شهرًا من العدوان، ما تزال ماكينة القتل والدمار تواصل ابتلاع ما تبقّى من قطاع غزة بشرًا وحجرًا.
تتركز التحضيرات هذه الأيام لاقتحام ما تبقى من محافظة غزة، وإجبار سكانها على النزوح جنوبًا، بعد أن تم تدمير شرق المدينة بالكامل وتهجير سكانها غربًا.
وفي موازاة الاستعدادات الجارية لهجمة فاشية متجددة، تُجرى مفاوضات ماراتونية قد تقود، في حال نجاحها، إلى وقف الحرب.
يشترط نتنياهو في هذه المفاوضات: الإفراج عن الرهائن، وتجريد حركة حماس من سلاحها، وضمان عدم عودتها للحكم ، وقد نجح في حشد تأييد إقليمي ودولي واسع لهذه الشروط، مستغلًا هذا التأييد لشراء الوقت ومواصلة القتل والتدمير وتنفيذ مخطط التهجير.
وفي المقابل، تواصل حركة حماس التفاوض منفردة، تمارس التذاكي، وتستخدم أقصى أشكال المناورة والمراهنة على الوقت، رافضةً الاعتراف بأن الوقت في غزة يُقاس بالدم. تُصر حماس على التمسك بالحكم مهما كان الثمن، ترفض عروضًا تصفها بالمجحفة ثم تعود إليها بعد خسائر لا تُحصى، وتضع شروطًا ظاهرها سياسي وباطنها سلطوي.يغيب عنها أن غزة اليوم لا تحتمل المزايدة، وأن كل دقيقة تأخير تُقاس بأرواح وبيوت ومآسٍ.
هذا الواقع يدفعني، ومثلي الآلاف من الغزيين الذين تأكلهم نيران العدوان، للتساؤل بصوت عالٍ:
ماذا تستفيد حماس من السلاح "إن وُجد"؟ وماذا ستحكم؟ وأين ستحكم؟ إذا ما التحقت محافظتا غزة والوسطى بأخواتها من المحافظات الأخرى التي طالها التدمير الشامل والتهجير الكامل، فماذا يتبقى؟ في هذه الظروف العصيبة، وقبل أن يبدأ البعض بإطلاق النعوت والتخوين لكل من يطرح أسئلة مشروعة، أتمنى أن يجيبونا دون مواربة:
ماذا ستجني حماس إذا تم تهجير الناس من قطاع غزة؟ ومن يتحمل تبعات ذلك، ليس على المدى القريب فحسب، بل على المدى البعيد أيضًا؟
أكتب اليوم مجددًا وبكل وضوح:
*شعبنا لا يحتاج إلى شجعان، فقد أثبت شجاعة أسطورية، بل يحتاج إلى حكماء يسهمون في إنقاذ ما تبقى من غزة ووقف قطار التهجير قبل أن ينطلق نحو تيه جديد.