تتجدّد معركة التمديد السنوي لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، وسط تصاعد الضغوط الأميركية – الإسرائيلية وتباينات المواقف داخل مجلس الأمن، في وقت تتخوف فيه بيروت من أن يؤدي أي تقليص أو انسحاب إلى سقوط القرار 1701، وما يحمله من ضمانات للاستقرار النسبي على الحدود الجنوبية.
تبدو الولايات المتحدة منقسمة حيال مستقبل اليونيفيل. فوزير الخارجية ماركو روبيو يدفع باتجاه تقليص عملها وصولاً إلى انسحابها خلال ستة أشهر، انسجاماً مع سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائمة على خفض مساهمات واشنطن في عمليات حفظ السلام. في المقابل، يطرح المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم براك، الإبقاء على القوة الدولية باعتبارها عامل دعم أساسي للجيش . هذا التباين يعكس غياب موقف أميركي موحد، وإن كان كثيرون يستبعدون لجوء واشنطن إلى استخدام حق النقض في مجلس الأمن.
ما إسرائيل، فتتبنى موقفاً واضحاً يدعو إلى إنهاء فوري لمهمة اليونيفيل. فقد طالب وزير خارجيتها جدعون ساعر نظيره الأميركي بالضغط لتحقيق هذا الهدف، متهماً القوة الأممية بالفشل في منع حزب الله من التمركز جنوب الليطاني. وفي خلفية الموقف الإسرائيلي رغبة في التخلص من المراقبين الدوليين القادرين على توثيق الانتهاكات، تمهيداً لفرض أمر واقع جديد على الحدود.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل، وخلال حربها على لبنان، صعّدت من هجماتها على قوات اليونيفيل، ما أثار إدانات أوروبية ودولية واتهامات بخرق القانون الدولي الإنساني. ويرى خبراء أن تل أبيب تستهدف تقويض شرعية الأمم المتحدة، تمهيداً لإعادة صياغة الترتيبات الأمنية في الجنوب بما يخدم مصالحها الإستراتيجية.
وبانتظار جلسة الاثنين لمجلس الامن التي ستصوت على المشروع الفرنسي، فإن هذا المشروع يقترح التمديد لليونيفيل لعام إضافي، مع التمهيد لانسحاب تدريجي مشروط بسيطرة الجيش الكاملة على الجنوب والتقدّم نحو تسوية سياسية لبنانية – إسرائيلية. غير أن النص لم يحدد مهلة زمنية دقيقة للانسحاب، في محاولة فرنسية للجمع بين طمأنة واشنطن من جهة، والحفاظ على مطلب لبنان من جهة أخرى، علما أن مواقف الدول أوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا فضلا عن روسيا والصين تدعم فرنسا في مشروعها.
يرى بعض المراقبين أن الاكتفاء بالتمديد لسنة واحدة قد يكون مدخلاً لتسوية أوسع، عنوانها سحب سلاح "حزب الله" وفتح الباب أمام تهدئة أميركية – إسرائيلية مع لبنان، في إطار ما يطرح كسلام شامل للمنطقة ومن ضمنها لبنان وسوريا، غير أن لبنان يرفض هذا المسار، وقد أكد الرئيس جوزاف عون في مقابلة مع قناة العربية الالتزام بمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، والتي تنطلق من مبدأ "السلام العادل وإعادة الحقوق لأصحابها". وأوضح أن الاتصالات مع إسرائيل محصورة عبر الولايات المتحدة وفرنسا، من دون أي طرف ثالث. بذلك، يضع لبنان خطوطاً حمراء واضحة: التمسك باتفاقية الهدنة ورفض تحويل التمديد لليونيفيل إلى منصة للتطبيع أو المساومة على القرار 1701. وكان الرئيس عون أكد أمس أن لبنان متمسك ببقاء اليونيفيل حتى التنفيذ الكامل للقرار 1701، بما في ذلك استكمال انتشار الجيش على الحدود الدولية. ويعتبر لبنان أن وجود القوات الدولية يشكّل مظلة أساسية في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية والضعف العسكري للجيش.
الأكيد،وفق مصدر دبلوماسي، أن الصراع على مستقبل اليونيفيل يتجاوز نقاشاً إجرائياً في مجلس الأمن، ليعكس توازنات القوى الدولية والإقليمية في المنطقة. ويقول: بين الضغوط الأميركية – الإسرائيلية من جهة، والموقف اللبناني – الأوروبي المتمسك بضرورة بقاء هذه القوات من جهة أخرى، تحولت معركة التمديد إلى اختبار حقيقي: هل يبقى القرار 1701 صامداً أم تطوى صفحته ليفتح الباب أمام مرحلة جديدة للبنان والمنطقة؟