تواصل إسرائيل تنفيذ سياسة "الضم الزاحف"، وهي استراتيجية تهدف إلى فرض السيطرة التدريجية على أراضي الضفة الغربية دون إعلان رسمي أو قانوني.
هذه السياسة لا تعتمد على قرار واضح، بل تُنفذ عبر إجراءات تراكمية تُحدث تغييراً فعلياً في الواقع الجغرافي والديموغرافي، مثل التوسع الاستيطاني، الاستيلاء على الأراضي، تهجير الفلسطينيين، سحب التصاريح، وهدم المنازل. كما تفرض قوانين إسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية، تجعلها عملياً جزءاً من "إسرائيل"، في ظل إضعاف ممنهج للسلطة الفلسطينية في المناطق المصنفة (ج)، وخلق واقع إداري موازٍ يخضع للسيطرة الإسرائيلية.
من أبرز تجليات هذه السياسة ما يُعرف بـ"مخطط E1"، وهو مشروع استيطاني قديم – متجدّد، أعيد إحياؤه مؤخراً عبر تنفيذ أعمال بنية تحتية تشمل شبكات كهرباء، تمديدات مياه، وشق طرق. يهدف المشروع إلى ربط مستوطنة "معاليه أدوميم" شرق القدس بالقدس الغربية، عبر وحدات سكنية تمتد على مساحة تقارب (12) كيلومتراً مربعاً.
تنفيذ هذا المشروع يحمل تداعيات خطيرة، أبرزها تقسيم الضفة الغربية فعلياً، بفصل شمالها عن جنوبها، ومنع التواصل الجغرافي بين القدس الشرقية والضفة، ما يقوّض عملياً إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة. كما يهدّد بتهجير السكان البدو في المنطقة، وعلى رأسهم جماعة بدو الجهالين، الذين يعيشون في تلك الأراضي منذ عقود. تتطلب مواجهة هذا المخطط تحركاً منسقاً على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية، وفق استراتيجية واضحة وعملية، تتجاوز الإدانة إلى أدوات ضغط فعالة.
فلسطينياً، لا بد من نشر الوعي لخطورة تنفيذ هذا المخطط، من خلال إنشاء محتوى إعلامي ورقمي يشرح تداعياته وتأثيراته المباشرة على الأرض، وترجمة ذلك الى اللغات الأساسية، ونشره، وبما أنّ المشروع يأتي ضمن انتهاكات القانون الدولي، لأنه يعتبر استيطان غير شرعي - مع تحفظي على التصنيف الشرعي وغير الشرعي- لا بد من تحريك هذا الملف قانونياً في المحاكم الدولية ذات العلاقة، كما يجب تفعيل المقاومة الشعبية السلمية، وتنظيم اعتصامات دائمة في المناطق المهدّدة، خاصة من قبل التجمعات البدوية، مع تغطية إعلامية دولية، كما يجب تشكيل جبهة وطنية موحدة ضد المخطط، لمنح القضية زخماً أكبر دولياً.
على المستوى العربي، يجب دعوة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لعقد جلسات طارئة، وإصدار قرارات ملزمة تدين المخطط وتدعم التحرك الفلسطيني، ولا بد من دعم صمود السكان المهددين بالتهجير وتثبيتهم على أرضهم، وذلك من خلال دعمهم مالياً وإنسانياً، وربما تخصيص صناديق دعم فوراً لإغاثتهم. على الدول العربية استخدام علاقاتها الثنائية مع الدول المؤثرة، كفرنسا وألمانيا وبريطانيا، للضغط على الكيان لوقف المشروع، كما يجب على الدول العربية المطبعة مع الكيان، أن تفعّل أدوات الضغط الدبلوماسي بهذا الاتجاه، وهي التي قالت عند تطبيعها بأنها ستستثمر هذا التطبيع لخدمة القضية الفلسطينية.
أمّا دولياً، فيجب البناء على البيان الذي صدر مؤخراً من قبل (21) دولة والذي أدان المخطط، والعمل على توسيع دائرة الإدانة الرسمية، وتحويل ذلك إلى قرار أممي ملزم. كما يجب على المجتمع الدولي المطالبة بتفعيل القرار رقم 2334 الصادر عن مجلس الأمن، والمتعلق بالاستيطان غير القانوني، والمطالبة بتنفيذه عبر آليات الأمم المتحدة. كما يمكن معرفة الشركات الدولية التي شاركت لغاية الآن بأعمال التأسيس والتي ستشارك بالمراحل القادمة للمشروع، وفرض عقوبات عليها، وفضحها إعلامياً بأنها متواطئة مع تكريس الاحتلال، وإعاقة إمكانية إقامة دولة فلسطينية، ما قد يكون متعارضاً مع قرار دولها.
إنّ إحباط مخطط E1 يتطلب تنسيقاً وتكاتفاً بالجهود في المحافل الدولية، ومبنياً على أدوات ضغط فعالة وعلى استراتيجية واضحة، من خلال الإعلام والرأي العام والتحرك السياسي والدبلوماسي، فكل يوم يُنفذ فيه جزء من هذا المشروع، ينقص من إمكانية إيجاد حل سياسي عادل، ويرسّخ واقعاً استيطانياً يصعب تغييره.