عام >عام
المفتي دريان في خطبة عيد الأضحى: سيبقى مطلبنا في دار الفتوى التعطيل يوم الجمعة
المفتي دريان في خطبة عيد الأضحى: سيبقى مطلبنا في دار الفتوى التعطيل يوم الجمعة ‎الجمعة 1 09 2017 09:20
المفتي دريان في خطبة عيد الأضحى: سيبقى مطلبنا في دار الفتوى التعطيل يوم الجمعة

جنوبيات

ألقى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خطبة عيد الأضحى المبارك في جامع محمد الأمين في وسط بيروت، وأم المصلين في حضور ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق كما شارك في الصلاة النائبان عماد الحوت وعمار حوري والقائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري، سفير دولة فلسطين في لبنان اشرف دبور، سفير بنغلادش في لبنان عبد المطلب ساركير، رئيس حزب الحوار الوطني المهندس فؤاد مخزومي، ممثل حركة “حماس” في لبنان علي بركة، رئيس جمعية رجال الأعمال اللبنانية الهولندية محمد خالد سنو، قائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي، رئيس محكمة جبيل القاضي الشيخ خلدون عريمط، المدير العام للاوقاف الإسلامية الشيخ محمد انيس الاروادي، المدير العام لدار الايتام الاسلامية الوزير السابق الدكتور خالد قباني، مدير العلاقات العامة في مكتب الرئيس رفيق الحريري الحاج عدنان فاكهاني، رئيس حزب النجاة مصطفى الحكيم، رئيس مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد المهندس سعد الدين خالد، علماء وأعضاء من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وحشد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والعسكرية.
وقال مفتي الجمهورية في خطبة عيد الاضحى: “في هذه اللحظاتِ المُبَارَكة ، يجتمعُ المسلمون لأداءِ صَلاةِ العِيدِ في مَشْهدٍ مَهيب ، ومَنْظرٍ عَجيب ، وهناك في مَكَّةَ المُكرَّمة ، يجتمعُ الحجّاجُ ليمثِّلوا كلَّ أصنافِ المُسْلِمينَ وأطيافِهم ، كلَّ بُلدَانِهم وجِنْسِياتِهم ، إنه مشهدُ الاجْتِماَعِ الأكبرِ يَتَحققُ في هذا العِيدِ العَظيم.
قالَ اللهُ سُبْحانَه وَتعَالى في سُورَةِ الحَجّ : {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} .
وها نحن يا ربَّ العِزّة ، اتِّبَاعَاً لدَعْوَةِ أبي الأنبياءِ إبراهيم ، عليهِ السَّلام ، نحجُ ونسعى في رِضَاكَ وَعِبَادتِك، ونَسْألُكَ الرحمةَ والتوفيقَ للأعمالِ الصالحةِ التي تَتَضَمَنُها دعوةُ أَبِينَا إبْرَاهِيم وسَائرِ الأنْبِيَاءِ والمُرسَلِين .
أيها المسلمون :
نحن نَحْتَفِي اليومَ بعِيدِ الأضْحَى ، وبأداءِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِفَرِيضَةٍ وركنٍ من أرْكَانِ الإسْلام ، وقد أخْبَرَنَا سُبْحَانَهُ وتَعَالى ، عِنْدَمَا فَرَضَ عَليْنَا الحَجَّ أنَّ الحُجَّاجَ إِنما يأتونَ للبيتِ الحَرَام ، لِيشْهَدُوا منافعَ لهم ، قالَ تعالى مُخَاطِباً إبراهيمَ عليهِ السَّلام : ?وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ?. والمنَافِعُ مُتَعَدِّدَة، وأَوَّلُهَا أَداءُ الفَرِيضةِ ، وثَانِيهَا اجتماعُ المسْلِمينَ مِنْ بِقاعِ الأرضِ ، وثَالِثُهَا الارتباطُ والاقتداءُ بأبي الأنبياءِ إبراهيمَ الذي وفَّى ، والذي رفعَ وإسماعيلَ قواعدَ البيتِ ، ليكونَ بإرادةِ اللهِ وأمْرِهِ مَوْئِلاً وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ وأَمْنَاً ، واسْتَنَّ سُنَّةَ الأُضْحِيَةِ التي يَتَقَبَّلُهَا اللهُ سُبْحَانَهُ ، ويَجْزِي عَليها بمغفرةِ الذنوبِ ، والإنَابةِ للحَيِّ القَيُّوم.
وَيَوْمُنا هذا هُوَ يومُ عيد ، والأعيادُ في الإسلامِ طاعةٌ تأتي بعدَ الطاعة : عيدُ الفِطرِ ارتَبَطَ بشَهرِ رَمضانَ الذي أُنزِلَ فيه القُرآن ، وفيه الصومُ الذي يُذكِّرُ بهَدْيِ القُرْآن ، مَوسِمٌ عِباديٌّ يُختَمُ بالشُّكرِ والتَّكبير ؛ قال تعالى : ?وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ? .
وعيدُ الأضْحَى ارتَبَطَ بفريضةِ الحَجّ ، مَوسِمٌ عِباديٌّ أيضاً يُختَمُ بالذِّكْرِ والتَّكبير، قَالَ تَعَالى : ?وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ?، مَناسِكُ وشَعائر ، تَتَجدَّدُ عبرَ الزَّمانِ والمكان ، وتَحْيَاها الأجيالُ جيلاً بعدَ جيل ، فتَتَعمَّقُ إيماناً ، وتَتَألَّقُ يَقِيناً ، وتَزْدَادُ صَفاءً ونَقَاءً ، فطُوبَى للذين صَامُوا وقامُوا ، وطُوبَى للذين حَجُّوا ولَبُّوا ، وضَحَّوا وكَبَّروا.
عيدُ الأضحى توأمُ عيدِ الفِطر… فكما اقترنَ عيدُ الفِطرِ بفريضَةِ الصّوم ، يَقترِنُ عيدُ الأضحى بفريضةِ الحجّ . وبذلكَ يكونُ العيدُ أو يُصبِحُ احتفاءً بأداءِ المسلمِ فرائضَ دِينِه، وشعائرَ صَومِهِ وحَجِّه . فالفرحُ فرحٌ على الإنجاز، والاحتِفاءُ احتفاءٌ بِقُدُراتِ المؤمنين على تحَمُّلِ المَشَقَّات ، وعلى بَذلِ الغالي والنَّفيس ، في الصَّيرُورَةِ إلى ما يُحِبُّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ ويرضاه.
وَلْنَنطلِقْ مِنْ هنا ، مِن مَعنى الاحتِفالِ بأداءِ الفريضة ، والثَّوابِ على أدائِها، إلى ارتباطِ الإيمانِ بالعملِ الصَّالِح . إنّ في القرآنِ الكريمِ عشراتِ الآياتِ التي تَقْرِنُ بين الإيمانِ والعلمِ من جهة، والعملِ الصالحِ من جهةٍ ثانية ، وتُفَسِّرُ آياتٌ كثيرةٌ العملَ الصالحَ بأداءِ العبادات ، وفعلِ الخيرِ والمعروفِ لذوي القُربى وسائرِ الناس ، بل إنّ القرآنَ الكريمَ يَعتبرُ أُفُقَ العِلاقاتِ بينَ الناسِ على اختلافِ الأُمَمِ والأديانِ إنما يكونُ بالتَسَابُقِ والتَنَافُسِ في الخَيْرَات ، أي مَن الذي يَلتزمُ الفضائلَ القيميةِ والأخلاقيةِ أكثرَ من الآخَر.
الأعمالُ الصالحةُ إذنْ هي الشاهدُ الذي لا يَكذِبُ على صحةِ الإيمانِ وجِدّيتِه . وهي شهادةٌ للاتساقِ بين عقيدةِ المسلمِ وعملِه.
فمِنْ مُقتَضياتِ الإيمان، القيامُ بالعملِ الصَّالح، والعملُ الصَّالِحُ قد يكونُ عِبادةً كما في الصَّومِ والحَجّ، باعتِبارِهِما دليلينِ على الإيمان، وكما في قولِه تعالى : ?وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ? ، وبِمَفهومِ المُخالفةِ المُعتَمَدِ في أُصولِ الفِقْه ؛ فإنَّ الصَّلاةَ التي لَا تَنهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنكَر، ولَا تَدْفَعُ باتِّجاهِ عَمَلِ المَعروف، ليستْ شَهادةً للإيمانِ المُقترِنِ أوِ الذي يَنبغي أنْ يَقترِنَ بالصَّالِحات .
إنَّ رَبطَ الإيمانِ بالأعمالِ الصَّالِحةِ إذاً ، هو أمرُ اللهِ سبحانَه وتعالى، وهو وصيَّةُ أَبِينَا إبراهيم ، وسُنَّةُ رسولِنَا صَلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه ، وهُوَ مِيراثُ سَلفِنا الصَّالِح . وإذا كُنتُ أُذكِّرُ بذلك في هذا اليوم ، فلأنَّ هذا هُوَ روحُ الدِّينِ والإيمان ؛ ونحنُ نُذكِّرُ بذلكَ أيضاً ، لأنَّنا في زَمَنِ ابتلاءٍ ومِحْنَة. ولا مَخرَجَ مِن ذلكَ إلا بالإيمانِ والصَّبرِ عليه ، وبالعملِ الصَّالِحِ في التَّعَبُّد، والعملِ الصَّالِحِ في خِدمةِ النَّاس ، والقيامِ عَليْهِم ، ومساعدَتِهِمْ في الشَّدائد.
فيا أيها الإخوةُ والأحِبَّاء ، ويا مَنْ وقفتم على صعيدِ عَرفات ، إنَّ مِنْ عَمَلِكُمُ الصَّالِح ، تّذَكُّرَ أكثَرَ مِنْ مليونٍ قُتِلوا في بُلدانِ الاضطِرابِ العربيِّ ، ظُلماً وَعُدواناً في مُعظَمِهِم ، ومِنْ جانِبِ الطُّغاةِ والبُغاة . وإنَّ مِنْ عَمَلِكمُ الصَّالِحِ ، التَّذكُّرَ والدُّعاءَ لملايينِ المُعذَّبين الذين أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهم، ظُلماً وعُدواناً أيضاً. وقد قال اللهُ تعالى لنا: إنَّ مَبْدَأَنَا الذي لا نَحِيدُ عَنْهُ ، نَحْنُ الذين أسْلَمُوا وَجهَهُم لله ، هو التَّعارُف ، وهو الكلمةُ السَّواء، وهو المُسالمَةُ والعيشُ المشتَرك ، إلا أنْ نُقَاتَلَ في دِينِنا ، أو نُخرَجَ مِنْ دِيارِنا، قالَ تعالى : ?لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ? .
نحن إذاً في زَمَنِ بلاءٍ وشِدَّة، وفي زِمِنٍ القابِضُ على دينِهِ، وعلى صَونِ أُمَّتِهِ وحِفْظِ بني قَوْمِه، كالقَابِضِ على الجَمْر. فَلْنَعْتَصِمْ بالإيمانِ والعمَلِ الصَّالِحِ في خِدْمَةِ عِبادِ اللهِ المَظْلومِينَ المُعَذّبين.
نحن مُحْتَاجُونَ إلى عَدْلِ اللهِ سبحانَه وتعالى الذي قال: ?وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ ?، ومُحتاجونَ إلى رأفَتِهِ وَعِنايَتِهِ ورحمَتِهِ عزَّ وجلّ . فاللهُ رؤوفٌ بعِبادِه ، وكَتَبَ على نَفسِهِ الرَّحْمَة. وأَمَرَنا بدُعائهِ فقال: ?وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ? ، وهي دعوةُ المظلومِ في حَجِّهِ وَطَوافِهِ وَوُقوفِهِ في عَرَفات، وفي بُكاءِ الأطفالِ، وعَذَاباتِ الأمَّهات، وَضَياعِ البَلَدِ والوَلَد.
أيها العرب ، أيها المسلمون :
القُدسُ والمسجدُ الأقصى يتعرضان لهجمة تهويديةٍ شرسة من قبلِ العَدوِ الإسرائيليِّ الصهيونيِّ ، لا تتركوا قضيَّتَكم الأساسية والمركزية ، وهي قضيةُ فلسطين ، التي هي أمُّ القَضَايا العربيةِ والإسلامية ، واعلموا جيداً أنه لا كرامةَ للعربِ والمسلمين ، ما دامت أرضُ فلسطين مغتصبةٌ ، مِنْ قِبَلِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ الصهيونيِّ الغاشم ، وما دامَ المسجدُ الأقصى أسيراً ومُستباحاً من قبل العدوِ الإسرائيليِّ ، الذي يحاولُ فرضَ الإجراءاتِ القَمْعيةِ التَعسُفيةِ للسيطرةِ على المسجدِ الأقصى وسَاحاتِه وباحاتِه وأوقافِهِ .
أيها المسلمون، أيها اللبنانيّون!
إنَّ حُبَّ الوَطَنِ ، والعَمَلَ على عُمرانِهِ واستِقْرَارِه ، هو عَمَلٌ صَالِح، بل هوَ في هذه الظُّروف، ذِروةُ الأعمالِ الصَّالِحة . ولذلِك ، فنحن نُقدِّرُ عمَلَ الجيشِ اللبنانيِّ وسائرِ القوى الأمنية في مُكافحَةِ الإرهاب، وحِفظِ الوَطَنِ وسلامَتِهِ وأمْنِه . ونُريدُ مِنْ إخوانِنا في الحَجّ ، ألا يَنسَوا وَطَنَنا مِنْ دَعَوَاتِهِم ؛ بل وألا يَنْسَوا وُلاةَ الأمورِ مِنَ الدَّعَوات ، مِنْ أجلِ تَسديدِ الخُطى، وَتَصحِيحِ المَسَار ، ويَحْفَظُوا بَلَدَنَا مِنَ الاضْطِرابِ الهائلِ مِنْ حَوْلِنَا ، ويُظْهِرُوا الحِرْصَ اللازِمَ على الوَطَنِ والدَّولة ، والاستِقلالِ والدُّستور ، وَسَيرورةِ المؤسَّسات.
إنَّ الجيشَ اللبناني هو جيشُنا الوطني ، وهو رمزُ وَحدةِ لبنانَ وَسِيادَتِهِ واستقلالِه وأمنِه واستقرارِه ، وعلى اللبنانيين جميعاً أنْ يَقِفُوا صفّاً واحداً مُتراصّاً إلى جانبِ جَيشِهِم الوطنيِّ القادرِ على حِمَايَتِهم وَحِمَايَةِ الوَطنِ من العَدوِ الإسرائيليِّ والمُجرمِ الإرهابيِّ ، لكي يَسلَمَ الوطنُ وَيَستقِرّ ، ويَسلَمَ المُواطنون ويَطْمَئنُّوا.
ونحن نؤكِّدُ في هذه المُناسَبَةِ المُبارَكَة، أنَّ مَشرُوعَنا كانَ ولا زالَ وسيبقى، قيامَ الدَّولةِ ومُؤسَّساتِها ، بِحيثُ يلجَأُ المواطنون جميعاً في حاجاتِهِمْ وَتَطَلُّعَاتِهِم وآمالِهِم ، نَحوَ دَولتِهِم الوَطَنِيّة ، التي لا يَرَوْنَ لَهَا وعنْهَا بَدِيلاً. وقد أثبتَ الجيشُ اللبنانيّ، قِيادَةً وَضُبَّاطاً وأفراداً ، في مَعرَكَتِهِمُ الأخيرةِ في السلسلةِ الشرقِيَّةِ مِن جِبالِ لبنان ، أنَّ المُواطِنينَ جميعاً ، مُلتَفُّونَ حَولَ جَيشِهِم وَدَولتِهِم، على اختلافِ مؤسساتِها، لِدحرِ الإرهابِ بِكلِّ أنواعِه ، الظَّاهِرِ منهُ وَالمُستَتِر ، لِلحِفاظِ على هُوِيَّةِ لبنانَ العربيَّة ، وَسِيَادتِهِ وَحُرِّيَّتِه، التي هي مَطلبُ اللبنانيين جميعاً ، وعلى الالتزامِ الكامِلِ والمُطلق بِالسِّلمِ الأهلِيّ، وبِالوَحدَةِ الوَطَنِيَّة، وبِالنِّظامِ العامّ.
إنَّ دَارَ الفتوى في الجُمهورِيَّةِ اللبنانِيَّة ، إذ تُعرِبُ عن تهنِئَتِهَا للجيشِ اللبنانيِّ بانتصارِه الكبيرِ في تحريرِ الجُرودِ كلِّهَا ، وعِرْسَالَ الأبية مِنْ خَطرِ الإرهاب ، تُعرِبُ أيضاً عَنْ أَلَمِها الشَّدِيد وأَحَرِّ تَعَازِيهَا بمُصَابِ المؤسسةِ العسكريةِ وأهالي العَسْكريين المُختطفين، وبشهداءِ الوطنِ الَّذِين قَدَّمُوا أرواحهم دفاعاً عن الوطنِ وأمنِه ، وسَنَبْقَى إلى جَانبِ أَهَالي العَسْكريين المُختطفين في مُصَابِهم الألِيم الذي هُوَ مُصَابُ كُلِّ اللبنانيين ، وفي قَضِيَّتِهم المُحِقَّةِ لمَعْرِفَةِ كُلَّ المُلابَسَاتِ المُحِيطَةِ بِهَذَا المَلَف .
أيها المسلمون، أيها اللبنانيّون:
عندنا تحَدِّياتٌ أمنيَّةٌ واقتصادِيَّةٌ وسِياسِيَّةٌ واستراتيجِيَّة . وهي لا تَلقى العِنايةَ الكافية ، ولا الاجتِهادَ المُنفَتِحَ والشَّفَّاف، في اجتِرَاحِ الحُلولِ والمَخارِج . ثمّ نَجِدُ عَشوائيَّةً غيرَ مَحمودةٍ في مُعالجَةِ مَسائلَ حسَّاسة ، تَتعلَّقُ بالعَيشِ المُشترك ، وبِعلاقاتِ الدِّينِ بالدَّولة ، وكلُّ ذلكَ كما يقال بِغَرَضِ الحَداثة ، واتِّباعِ العَالَمِ المُتقدِّم . أفَيكونُ مِنَ الحَدَاثَةِ عدمُ التعطيلِ يومَ الجمعة ، وتعطيلُ يومِ السبت ، والتَّدخُّلُ في قانونِ العائلة ، وصلاحِيَّاتِ المَحاكِمِ الشَّرعِيّة ، ولا يكونُ مِنَ الحَداثَةِ أن يكونَ عِندنا كَهْرباء، وأنْ لا تَتَكَدَّسَ النُّفاياتُ في الشَّوارع ، ثمَّ إنَّ هذه الأُمورَ مِنْ مَسائلِ العَقد الوَطَنِيِّ الرَّمْزِيِّ منها والإصلاحِيِّ أو التَّحديثيّ، فلو كان هناكَ حِرصٌ على هذا العَقد، فأينَ الخَسَارةُ في التَّشاوُر، وفي تَبادُلِ الرّأي ، وفي العملِ الجَمَاعِيّ ، على تَحديدِ المَصالِحِ الوطنيَّةِ والميثاقيةِ الفِعليَّة؟
دَارُ الفتوى في الجمهوريةِ اللبنانية ، كانتْ وما تزالُ وسيبقى مَطلبُها التعطيلُ يَومَ الجُمُعة ، فهذا مَسارٌ تاريخِيٌّ وَدِينِيٌّ وَوَطنِيّ للدَار ، وهذا المطلبُ ليسَ مَطْلبَاً طَائِفيَّاً بل هو مَطْلَبٌ دينيٌّ ووطنيٌّ وميثاقيٌّ نابع من مسيرةِ دارِ الفتوى التاريخيةِ والدينيةِ والوطنيةِ ، وحرصِها على العيشِ المشتركِ والتآلفِ والانسجامِ الوطنيِّ ، ومبدأِ المساواةِ بين اللبنانيين في الحقوقِ والواجباتِ ، وليعلمَ الجميع ، أنَّ مَطْلَبَنا بتعطيلِ يومِ الجمعة ، ليس مُوَجَّهَاً ضِدَ شُركائِنا في الوطنِ ، بل هو مَطْلبٌ إسلاميٌّ يَصُبُّ في مَصلحةِ التَمَاسُكِ الوطنيِّ ، والشَّراكةِ الحَقَيقيةِ في العيشِ الواحدِ في وطنِنَا الحَبيبِ لبنان ،
أيها المسلمون : أنَّ قوَّتَنا في وَحدتِنا مع بعضِنا وَمَعْ شُركائِنا في الوطن ، ولِتحقيقِ مَطالِبِنا المشروعةِ والمُحِقَّة ، علينا العَمَلُ معاً ، ضِمْنَ الأُطُرِ والقَوانِينِ المَرعِيَّةِ الإجراء، بالتَّعاوُنِ والتَّنسِيقِ والتَّشَاوُرِ فيما بَينَنا ، لِلوصولِ إلى قواسِمَ مُشتَرَكَة ، وَوَضعِ حدٍّ لِهذا المَوضوعِ القديمِ والمُسْتَجِدّ، في تَعدِيلِ دَوَامِ العَمَلِ وَالتَّعطِيل ، وإيجادِ حَلٍّ يَنطلِقُ مِنْ مَبدأِ الحَقِّ والإنصاف، وَنَشْرِ العَدَالةِ والمساواةِ بَينَ المواطنين.
أيها المسلمون!
قَالَ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه : الحَجُّ عَرفة. بالأمسِ وقفَ إخوانُنَا على عَرَفات ، وَبلَغَ حَجُّهُم ذِروتَه . واليومَ تُستَجابُ الدَّعَواتُ على الطَّاعات . واليومَ يُجزى الذين جاؤوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عميق ، لِيشهَدُوا مَنافِعَ لهم ، ويَشْهَدُوا رَحَماتِ اللهِ وبركاتِهِ وَلُطْفَه في رحابِ المَشاعرِ المُقَدَّسَة ، ولا يَسَعُنَا أيها المسلمون، إلا أنْ نَذكُرَ مآثِرَ المملَكَةِ العربيَّةِ السُّعودِيّة، وأيادِيَها البيضاء ، في بَذلِ أقصى الطَّاقاتِ والقدُرات ، لِتُسَهِّلَ على الحُجَّاجِ أداءَ مَنَاسِكِهم بانْسِيابِيَّةٍ وَيُسْرٍ وسهولةٍ ، وَتَحْفظَ لهُم أمْنَهُم وسلامَتَهُم، فضلاً عن تقديمِ الرِّعايةِ الصَّحيَّة وكُلِّ ما يحتاجُ إليه الحُجَّاج . إنَّها لمسؤوليةٌ عُظمى ، تُثبِتُ بالدَّليلِ القاطِعِ عاماً بعدَ عام، جَدارةَ المملكةِ في تَحَمُّلِها شرفَ رعايةِ ضيوفِ الرَّحمن، الآتينَ مِنْ كلِّ فَجٍّ عَمِيق، وتفرُّدِها في توفيرِ ما يَلزم ، حتى تَبقَى قِبلةَ المُسلمينَ ومَقْصِدَهم.
أيها المسلمون :
في يومِ عرفةَ والوقوفِ فيه ، خَطَبَ النبيُّ صَلواتُ الله وسلامُه عليه ، الخُطبةَ التي سُمِّيَتْ خُطبةَ الوَدَاع ، ودَعا المسلمين إلى البقاءِ على وَحْدَتِهم وتَضامُنِهم ، وعلى تَبْليغِ دعوةِ الإسلام ، بالسِّلم والحِكمةِ والخيرِ والرَّحْمَة ، وقالَ صلواتً الله وسلامُه عليهِ جَازماً : (إنَّ دماءَكُم عليكُم حَرام، وأعراضَكُم عليكُم حَرام، وأموالَكُم عليكُم حَرام) .
فلا بقاءَ لجماعةٍ أو مجتمعٍ أو دولةٍ تُنْتَهَكُ فيها هَذِه الحُرُمَات، بدونِ تَبِعَاتٍ أو عُقوباتٍ ومُحاسَبَات ، وعلى وَصِيَّةِ رسولِ اللهِ في مثلِ هذا اليومِ الجليلِ ، نَبْقَى بإذنِ الله ، مُعْتَصِمِينَ بحبلِ الله ، حَافِظِينَ لِدِمَائِنا وأعراضِنا ، وحُرُمَاتنِا وأرضِنا وأوْطَانِنا ودِينِنا وشَرفِنا.
يا ربَّ العالمين ، ويا ربَّ المستضعَفِين. لقد قلت في سورة الحج : ?إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا? ، فاللَّهُمَّ إنَّا نسأَلُكَ الأمنَ لأوْطانِنا وإنسانِنا وبُلْدَانِنا. نسألُكَ يا رحمنُ يا رحيم ، الأمنَ والسلامةَ والسلامَ للبنان ، ولِسائرِ ديارِ العَربِ والمسلمين. اللَّهُمَّ ألْهِمِ اللبنانيين السَّدادَ وحِفْظَ الحُرُمَات، والحِرصَ على وَطنِهم ودَوْلتِهم وإنسانِهم.
أقولُ قوليَ هذا وأسْتَغْفِرُ ‏اللهَ العظيمَ لي ولَكُمْ، فيا فَوْزَ المُسْتَغْفِرِينَ استغْفِرُوا اللهَ .

وبعد إلقاء المفتي دريان خطبة العيد، توجه وممثل رئيس الحكومة الوزير المشنوق والحضور إلى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث قرأ الفاتحة عن روحه ورفاقه الأبرار.

وكان ممثل الحريري الوزير المشنوق اصطحب مفتي الجمهورية من منزله صباحا إلى مسجد محمد الأمين يرافقهما قائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي في موكب رسمي، وقدمت ثلة من قوى الأمن الداخلي التشريفات في باحة المسجد للرئيس سلام والمفتي دريان.