مقالات مختارة >مقالات مختارة
معركة رئاسة الحُكومة المُقبلة بين الرئيس الحريري و...
معركة رئاسة الحُكومة المُقبلة بين الرئيس الحريري و... ‎الجمعة 4 05 2018 11:00
معركة رئاسة الحُكومة المُقبلة بين الرئيس الحريري و...


 

في أوساط "التيّار الوطني الحُرّ" إنّ عودة رئيس "تيّار المُستقبل" ​سعد الحريري​ إلى رئاسة ​الحكومة​ الأولى بعد إجراء الإنتخابات، مَحميّة بفعل تمثيله الشعبي أوّلاً، وبفعل التفاهم السياسي مع "الوطني الحُرّ" ثانيًا. وفي أوساط "تيّار المُستقبل" إنّ عودة الحريري إلى منصب رئاسة الحُكومة ستفرضها الكتل النيابيّة المُؤيّدة له ولن تكون مِنّة من أحد. وفي أوساط "​حزب الله​" الذي حسم علنًا عودة رئيس "​حركة أمل​" نبيه برّي إلى رئاسة مجلس النوّاب، إنّ هذه العودة لم تُحسم بعد، حيث جاء كلام نائب رئيس "حزب الله" ​الشيخ نعيم قاسم​ واضحًا إزاء هذا الموضوع، حيث قال: "لا مرشّح جاهزًا للحزب لرئاسة مجلس الوزراء... لأنّه ليس بالضرورة أن يكون رئيس الحُكومة صاحب كتلة نيابيّة كبيرة أو حتى نائبًا". وفي أوساط الكثير من القوى والأحزاب والتيّارات السياسيّة الأخرى، الموضوع سابق لأوانه، أقلّه حتى ظُهور نتائج إنتخابات يوم الأحد المُقبل التي ستُحدّد الأحجام السياسيّة الجديدة في البلاد. وفي ظلّ هذه المواقف، هل عودة الحريري إلى منصب رئاسة الحُكومة مضمونة، وإذا لم تكن كذلك، من سيُنافسه؟.

لا شكّ أنّ نتائج الإنتخابات النيابيّة لعام 2018 مفصليّة لتحديد أحجام الكتل السياسيّة التي ستحكم ​لبنان​ من الناحية التشريعيّة، وبطبيعة الحال من الناحية التنفيذيّة، لكنّ هذا الواقع لا ينفي التوافق بين تيّارَيّ "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" على إعادة تكليف رئيس "تيّار المُستقبل" لرئاسة الحكومة الثانية في عهد الرئيس ميشال عون، وهي مسألة حسمها الطرفان منذ ما عُرف بإسم "التسوية الرئاسيّة"، بغضّ النظر عن حجم كتلة كل منهما. ففي النهاية، مهما كانت نتائج الإنتخابات، إنّ حجم كتلتي "الحُرّ" و"المُستقبل" معًا، ومع إحتساب النوّاب الحلفاء الذين سيفوزون على لوائحهما أيضًا، لن يقلّ عن 40 نائبًا، وهو قد يصل إلى 50 نائبًا، وربّما أكثر–بحسب حسابات "التيّار" و"المُستقبل"، وبغضّ النظر عن العدد الدقيق والنهائي فإنّ الإستحواذ على نحو ثلث عدد نوّاب المجلس الذي يتكوّن من 128 نائبًا يُمثّل ثقلاً سياسيًا كبيرًا. لكن في مُطلق الأحوال، من الضروري أن يتفاهم "تيّار المُستقبل" وإلى جانبه "الوطني الحُرّ"، مع ما لا يقلّ عن كتلتين حزبيّتين رئيسيّتين إضافيّتين، لتأمين الأغلبيّة العدديّة المطلوبة في الإستشارات النيابيّة لتكليف رئيس "تيّار المُستقبل" مُجدّدًا تشكيل الحكومة، وهو ما لن يكون مسألة سهلة في ظلّ الخلافات المُستجدّة بين "المُستقبل" والكثير من القوى الحليفة من جهة، وبين "التيّار الوطني الحُرّ" وبعض القوى الحليفة من جهة أخرى.

أكثر من ذلك، إنّ كلام "حزب الله" عن حسم هويّة رئيس مجلس النوّاب، بالتزامن مع كلامه عن عدم حسم هويّة رئيس مجلس الوزراء، يدخل في سياق الزكزكة السياسيّة بطبيعة الحال، لكنّه قد يُخفي مُحاولة مُستقبليّة من "الحزب" لجمع أغلبيّة عدديّة نيابيّة، بهدف تكليف شخصيّة تنال أصواتًا تفوق الأصوات التي سينالها رئيس "تيّار المُستقبل". وهذا الأمر مُمكن لكنّه صعب، كونه يستوجب التعاون مع أحزاب وشخصيّات يمينيّة مسيحيّة من جهة، ومع أحزاب وشخصيّات مُناهضة سياسيًا للحزب، حتى لو هي في موقع خُصومة حاليًا مع "المُستقبل"، وفي الحالين الأمر مُستبعد وغير منطقي. وفي نهاية المطاف، بإمكان "حزب الله" عرقلة نيل أي حكومة الثقة، عبر مُقاطعتها لإفقادها الشرعيّة الميثاقيّة، أو حتى عبر العمل على عدم نيلها ثقة المجلس النيابي بشكل أو بآخر، لكن من غير المُرجّح وُصول الأمور إلى هذا الوضع، بل إنّ ما يتمّ إطلاقه من مواقف في هذه المرحلة يدخل في سياق عمليّة "شدّ الحبال" السياسيّة لتعزيز الموقف عشيّة فتح مُفاوضات تشكيل الحُكومة المُقبلة على مصراعيها. فما أن تصدر نتائج الإنتخابات النيابيّة بعد بضعة أيّام، سيتقدّم تلقائيًا ملف تشكيل الحكومة الجديدة، والتي يصفها الكثيرون بحكومة العهد الأولى بما أنّها ستأتي وفق موازين قوى تعكس التمثيل الشعبي الحقيقي للشعب اللبناني بعد سلسلة من خطوات التمديد المُتتالية للمجلس النيابي الحالي الذي كان قد منح حكومة سعد الحريري الحالي الثقة.

في الختام، بحسب الفقرة "ه" من الجزء الأوّل من المادة 69 من الدُستور اللبناني، تُعتبر الحُكومة مُستقيلة عند بدء ولاية مجلس النوّاب، وبحسب الجزء الثالث من المادة نفسها "عند إستقالة الحكومة أو إعتبارها مُستقيلة يُصبح مجلس النوّاب حُكمًا في دورة إنعقاد إستثنائيّة حتى تأليف حُكومة جديدة ونيلها الثقة". وبالتالي قريبًا سيُفتح ملف تشكيل الحكومة الجديدة وفق توازنات سياسيّة جديدة أيضًا. وإذا كانت مسألة إعادة تكليف رئيس "تيّار المُستقبل" لتشكيل الحُكومة المُقبلة محسومة بالنسبة إلى العديد من الأطراف، فإنّ ما ليس واضحًا حتى تاريخه يتمثّل بهويّة الشخصيّة السنيّة التي ستتجرّأ على التقدّم لمنافسة الحريري على منصب رئاسة الحكومة، وهويّة القوى التي ستدعمها لخوض هذه المُنازلة. وبحسب المعلومات المتوفّرة، إنّ الطريق أمام إعادة تكليف الحريري مُعبّدة إلى حدّ ما، حيث من المُستبعد أن تُحاول أي شخصيّة مُنازلته على منصب رئاسة الحكومة في ظلّ التفاهم غير المُعلن بين "التيّار الوطني الحُرّ و"تيّار المُستقبل" على إعادة تكليفه، لكنّ الصُعوبة ستكون في تشكيل الحكومة الجديدة، حيث سيتصاعد الخلاف على الأحجام والتوازنات أوّلاً، وعلى الأحزاب والتيّارات والشخصيّات التي ستشارك في الحكومة ثانيًا،وعلى توزيع الحُصص والمناصب ثالثًا، وعلى بعض الوزارات الحسّاسة بالتحديد رابعًا.

المصدر : ناجي البستاني- النشرة