عام >عام
إغتيال فتحي زيدان رسالة بأهداف متعدّدة وسلسلة متواصلة لاستدراج "فتح"
اختيار التوقيت والمكان لزج صيدا والمخيّمات بفتنة بعد فشل التوتير في عين الحلوة
تأكيداً لما انفردت "اللـواء" بكشفه حول مخطّط إرهابي لاستهداف أركان بسفارة فلسطين في بيروت
إغتيال فتحي زيدان رسالة بأهداف متعدّدة وسلسلة متواصلة لاستدراج "فتح" ‎الأربعاء 13 04 2016 07:35
إغتيال فتحي زيدان رسالة بأهداف متعدّدة وسلسلة متواصلة لاستدراج "فتح"
ألسنة النيران تشتعل في السيّارة وأشلاء الشهيد العميد فتحي زيدان،

هيثم زعيتر

ضرب الإرهاب بوحشية أمس (الثلاثاء) في مدينة صيدا، مستهدفاً أمين سر حركة "فتح" في مخيّم المية ومية العميد فتحي زيدان "الزورو" (في العقد الخامس من عمره)، بانفجار عبوة ناسفة كانت مزروعة تحت مقعد السيارة التي يقودها، وهي من نوع "BMW" ما أدّى إلى استشهاده وأحد المواطنين الذي صودف وجوده بالقرب من مكان الانفجار عند دوار "الأميركان" - صيدا، وجرح 4 مواطنين آخرين...
جريمة إرهابية جاءت بعد ساعات مما انفردت "اللـواء" بكشفه عن مخطّط إرهابي لاستهداف أركان بسفارة دولة فلسطين في بيروت وقياديين من حركة "فتح"، الذي نشرته في عددها أمس، واستحوذ على اهتمام رسمي وأمني وحزبي...
دوي الانفجار الضخم، الذي وقع قرابة الثانية عشرة من ظهر أمس، تداخل مع أصوات الرعد، واعتقد مَنْ سمعه، أنّه بفعل الطقس الماطر، قبل أنْ تُشاهد سحابة دخانية سوداء للجهة الجنوبية - الشرقية لمدينة صيدا، وتبدأ الأخبار بالتواتر عن استهداف المسؤول الفتحاوي...
لم يكن التوقيت بريئاً ولا الهدف وأيضاً المكان، انطلاقاً من أنّ:
- العميد زيدان هو أعلى مسؤول في حركة "فتح" في مخيّم المية ومية، ويُعتبر آخر القيادات من الرعيل المؤثّر داخل الحركة، بعدما جرى سابقاً استهداف الكثير منهم.
- مكان الاستهداف هو في منطقة ذات حساسية بالغة التعقيد، فهو على مسافة مئات الأمتار من ثكنة الشهيد محمد زغيب للجيش اللبناني.
- يسلك الطريق عدد من القيادات اللبنانية والفلسطينية، الرسمية والأمنية والحزبية.
- المنطقة كانت شاهدة قبل عدّة سنوات على استهداف كوادر حركة "فتح"، خاصة بين العامين 1991-1993 حين أُطلِق على المنطقة "دوار الموت".
- المكان يكتظ بالمواطنين، ويشهد حركة كثيفة في تنقّل السيارات، فهو يؤدي إلى الشارع الفوقاني لمخيّم عين الحلوة، وأيضاً إلى مخيّم المية ومية ومنطقة الفيلات وتعمير عين الحلوة، ما يجعله مكتظاً باستمرار.
- هناك عدّة مدارس في المنطقة خاصة "مدرسة الفنون الإنجيلية" و"ثانوية صيدا الرسمية للبنين" التي أصبحت تحمل إسم "ثانوية الدكتور مصطفى الزعتري الرسمية".
خطورة التفجير في المنطقة التي يحدّدها المخطّطون، من خلال وضع عبوة ناسفة داخل سيارة أو لصقها بها وتنطلق من أحد المخيّمات، أو "الأوكار" لتفجيرها في المكان المحدّد، أو حتى وسط المواطنين، حيث الاكتظاظ، فتؤدي إلى حدوث حالة من الهلع والخوف والإرباك الأمني...
لقد حقّق المخطّطون جزءاً من "سيناريو" الفتنة، باستهداف العميد زيدان، المعروف بدماثة خلقه، وصلابته، وعلاقاته داخل حركة "فتح" ومع القوى الأخرى، بحيث شكّل "صمام أمان" في مخيّم المية ومية. 
وكان قبل استشهاده، قد شارك في اجتماع عُقِدَ في مقر "القوّة الأمنية المشتركة" في مخيّم المية ومية، وطالب بتعزيزها لمنع نقل الفتنة إلى المخيّم، قبل أنْ يستقل سيارته متوجّهاً إلى مخيْم عين الحلوة.
كما أنّ العبوة التي وُضِعَتْ تحت مقعد السائق، زيدان، الذي كان يقود سيارته بمفرده، كما هو معروف عنه، تأكد أنّه تم زرعها، قبل أنْ يستقلّها للمرّة الأخيرة، وسواء أكانت تنفجر بعد دقائق من إدارة محرّك السيارة، أو عبر التحكّم عن بُعد بواسطة "ريموت كونترول"، وهو ما ستكشف عنه التقارير لاحقاً. 
ولكن هذا الانفجار ليس الأول، الذي يستهدف مسؤولين من مخيّم المية ومية أو كانوا في المخيّم، حيث كان قد استهدف نائب مفوّض ممثّلية "منظّمة التحرير الفلسطينية" في لبنان اللواء الدكتور كمال ناجي (كمال مدحت)، أثناء مغادرته مخيّم المية ومية (23 آذار 2009)، ما أدّى إلى استشهاده مع ثلاثة من رفاقه، هم: اللواء أكرم ضاهر، العميد محمد شحادي والملازم أول خالد يوسف ضاهر، بعد المشاركة في تقديم واجب العزاء مع قيادات من "فتح" في تأبين رائف نوفل وباسم فرج.

أهداف الاغتيال

ويبقى التساؤل ما هي أهداف هذا الاغتيال؟ 
لا شك في أنّ استهداف العميد زيدان يهدف إلى جملة رسائل، وإصابة "أكثر من عصفور" بحجر واحد، من خلال:
- استهداف أحد الكوادر البارزين في حركة "فتح"، وبالتالي محاولة استدراج الحركة إلى اقتتال فلسطيني - فلسطيني، وهو ما أفشلته خلال الاشتباكات الأخيرة التي شهدها مخيّم عين الحلوة بداية شهر نيسان الجاري.
- استغلال تقديم التعازي لاستهداف قيادات، ممَّنْ كان قد جرى رصدها منذ مدّة. 
- محاولة زج عائلة الشهيد زيدان وأبناء بلدته طيرة حيفا، وأبناء حركة "فتح" ومخيّم المية ومية للقيام بردة فعل، يبغيها من يصطاد بالمياه العكرة، ويهدف إلى توتير الأجواء.
- استهداف أمن مدينة صيدا، بما تشكّله من ضمانة للأمن والاستقرار داخل المدينة ومع الجوار.
- خطورة ما جرى من عودة مسلسل التفجيرات، والتي كانت منطقة صيدا في منأى عنها حتى في أوج التشنّج المذهبي، واستتباع ذلك بسيارات مفخّخة، يمكن أنْ تنتقل في أكثر من مكان.
- توتير يستهدف استحقاقا هاماً، وهو استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، المقرّر إجراؤها اعتباراً من الأحد 8 أيار 2016، والتي يتمنى كثير من السياسيين عدم إجرائها، وإنْ أخفوا أمنياتهم، والخشية من الهاجس الأمني قد تُطيح بالانتخابات، وتكون دافعاً إلى تأجيلها وتمديد عمر المجالس البلدية والاختيارية - أي أنّ الجميع يصبح تحت الأمر الواقع. 
- تمادي الخلايا الإرهابية، دون استبعاد أدوات "الموساد" من مثل هذه الأعمال، بهدف زرع الفتنة دون النظر إلى مَنْ ينفّذ، فالهدف واحد، وهو استهداف اللاجئين الفلسطينيين، ومحاولة توتير أكثر من مخيّم وتجمّع فلسطيني، بعد تأجيج التوتير الأمني في مخيّم عين الحلوة، يُراد نقله مجدّداً إلى مخيّم المية ومية، الذي كان يتّصف إلى ما قبل عدّة سنوات بـ"الوداعة".
{ رسائل متعدّدة، في طليعتها أنّ الانفجار هو:
- في "عاصمة الجنوب" وعلى تخوم مخيّمَيْ عين الحلوة والمية ومية وليس بداخلهما، وبسيارة، أي جملة من الرسائل أراد المخطّطون والمنفّذون توجيهها، وفي المحصّلة هي استهداف لأمن مدينة صيدا والمخيّمات، تحقّق غايات أكثر من طرف.
- على مقربة من المناطق ذات الغالبية الشيعية والمسيحية.
- على بُعد مئات الأمتار تعبر قوافل قوّات الطوارئ الدولية "اليونيفل" في ذهابها وإيابها من الجنوب إلى "مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري الدولي" في بيروت.
انفجار، له الكثير من الدلالات وللحد من نفوذ حركة "فتح" في مخيّم المية ومية، حيث مقر أمانة سر الحركة في لبنان.
خلايا إرهابية، وشبكات تجسّسية تنفّذ المخطّطات، ولكن بأيدي مَنْ يتواجدون على الساحة اللبنانية، دون النظر إلى جنسياتهم أو طوائفهم ومذاهبهم، فمرتكب الجريمة الإرهابية واحد، إلى أي جهة انتمى.
لا شك في أنّ ما بعد الانفجار والاغتيال لن يكون كما قبله، فالاحتياطات الأمنية مطلوب رفع وتيرتها، والتنسيق يجب أن يكون أكثر فعالية، وأن يكون هناك موقف فلسطيني - فلسطيني، وفلسطيني - لبناني، من خلال شراكة حقيقية لمواجهة الأخطار المحدقة فالجميع مستهدف من التوتير، خاصة مع انتشار مجموعات إرهابية مشبوهة لها ارتباطات خارجية، وهو ما يستدعي تحصين الوضع داخل المخيّمات، والضرب بيد من حديد على كل مَنْ يحاول التوتير وافتعال إشكالات، وتنفيذ قرار رفع الغطاء السياسي عن أي مُخل بالأمن بشكل عملي، وليس اقتصار الأمر على بيانات ومواقف إعلامية.

اغتيال غادر

وفي العودة إلى تفاصيل جريمة الاغتيال، فقد شارك العميد زيدان في اجتماع عُقِدَ في مخيّم المية ومية، حيث ركن سيارته من نوع BMW بالقرب من مكان الاجتماع، قبل أنْ يستقلها مغادراً المخيّم، ولدى وصوله إلى "دوار الأميركان"، انعطف جنوباً باتجاه مخيّم عين الحلوة، وما هي إلا لحظات حتى دوى الانفجار، فاشتعلت النيران في القسم الأسفل من جسمه، وأدّت قوّة الانفجار إلى قذفه خارج السيارة، وكانت النيران تشتعل في جسده ما أدى إلى استشهاده على الفور.
لحظة الانفجار انحرفت السيارة التي يقودها زيدان واصطدمت بسيارة كانت متوقفة أمام محل دهشان لتصليح إطارات السيارات، ما أدّى إلى احتراق السيارة العائدة له أيضاً، فارتفعت سحب الدخان عالياً.
وهرعت إلى المكان سيارات الإسعاف التي عملت على نقل أشلاء جثة زيدان وعامل يبيع القهوة كان موجوداً في المنطقة و4 جرحى إلى المستشفيات.
وأكدت مصادر أمنية لـ"اللـواء" أنّ "العبوة تزن 1 كلغ من المواد شديدة الانفجار كانت موضوعة تحت كرسي السائق وأدّى انفجارها إلى استشهاده على الفور.

بيان الجيش

هذا، وصدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه بيان حول حادثة الاغتيال جاء فيه: "حوالى الساعة 12.00 من ظهر اليوم (أمس)، وفي محلة ساحة الأميركان - صيدا، انفجرت عبوة ناسفة موضوعة داخل سيارة نوع BMW يقودها مسؤول حركة "فتح" في مخيم الميّة وميّة المدعو فتحي زيدان، ما أدى إلى مقتله على الفور. وعلى الأثر فرضت قوى الجيش طوقاً أمنياً حول المكان، كما حضر الخبير العسكري الذي قام بمعاينة موقع الانفجار، وحدّد زنة العبوة بنحو 1 كلغ من المواد المتفجرة، وقد بوشر التحقيق في الحادث لكشف ملابساته".
وفور شيوع خبر الانفجار، نشطت الاتصالات اللبنانية - الفلسطينية، وتولّى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر متابعة القضية، وكلف المحامي العام العسكري القاضي هاني الحجار متابعة التحقيق، كما تابعه النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان ورئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد الركن خضر حمود وقيادات أمنية وسياسية في المدينة، وأيضاً قيادات فلسطينية.
ولدى إبلاغ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بالانفجار غادر جلسة مجلس الوزراء التي كان يحضرها لمتابعة تفاصيل هذه الجريمة.
وشكّلت "قوّات الأمن الوطني الفلسطيني" لجنة تحقيق لمعرفة ملابسات ما جرى، وظروف الانفجار.
وفي مخيّم المية ومية عمّت حالة من الغضب أرجاء المخيّم، استنكاراً وشجباً لجريمة اغتيال أمين سر الحركة في المخيم وابنه.
وقد صدرت جملة من المواقف والتصريحات المدينة والشاجبة والمستنكرة للجريمة، والداعية إلى سرعة التحقيق وكشف المخطّطين والمنفّذين.

 

 

الشهيد العميد فتحي زيدان

 

سُحُب الدخان تتصاعد بعد الانفجار في صيدا