عام >عام
المفتي دريان في خطبة العيد: لا يمكن القبول بالأمن الذاتيّ
المفتي دريان في خطبة العيد: لا يمكن القبول بالأمن الذاتيّ ‎السبت 9 07 2016 11:03
المفتي دريان في خطبة العيد: لا يمكن القبول بالأمن الذاتيّ
المفتي دريان ومشاركون يتلوّن الفاتحة على ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري


ألقى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان خطبة عيد الفطر السعيد في جامع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الأمين صلى الله عليه وسلم في وسط بيروت وأم المصلين بحضور ممثل رئيس مجلس الوزراء فؤاد فليفل وممثل الرئيس سعد الحريري النائب عمار حوري والنائبان عماد الحوت ومحمد قباني، العلامة السيد علي الامين، المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص ورئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي ورئيس اتحاد جمعيات العائلات البيروتية الدكتور فوزي زيدان ورئيس جمعية رجال الأعمال اللبنانية الهولندية محمد خالد سنو وقائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي، ورئيس حزب النجاة مصطفى الحكيم، ورئيس مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد المهندس سعد الدين خالد، وقضاة شرع وعلماء وأعضاء من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وحشد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والنقابية والعسكرية.
وقال المفتي دريان في خطبة عيد الفطر: نَقِفُ اليَوْمَ في هذِه الصبيحةِ المباركة، مع نهايةِ شَهرِ رمضان المبارك، وبِدايَةِ أَيَّامِ الفِطر، ونَحنُ شَديدو الفرحةِ والسعادةِ والاعتِزازِ بِفريضةِ الصَومِ التي أَدَّيْنا، امْتِثَالاً للأَمْرِ الإلهي، وإذا كان الواجبُ الدِّينِيُّ والأخلاقِيُّ مُكافَحَةَ الفَقرِ والعَوَز، والتضامُنَ مَعَ أولئكَ المُشَرَّدِينَ والمُعذَّبِينَ والتَّائهينَ في ظُلُمَاتِ البَرِّ والبَحر، وتحتَ وطْأَةِ الشمسِ ووطْأةِ الصَّحَارَى ؛ فإنَّ واجِبَ المُسلمِ أيضاً وأيضاً وفي رمضان، وغيرِ رمضان، مُكافحَةُ العُنفِ الذي يَعنِي انتهاكاً لِلحُرُمَاتِ الثلاث، حُرمَةُ الدَّم، وحُرمَةُ العِرضِ والكَرَامَة، وحُرمَةُ المَال، إنَّ هناكَ مِئاتِ الآلافِ مِنَ القتلى، ومَلايينَ مِنَ المُهجَّرِين في السَّنَواتِ القليلةِ الماضِية، وهو عُنفٌ تُمارِسُهُ جِهاتٌ إقليميةٌ ودَولِيَّةٌ لا خَلَاقَ لها، لكنَّ آلافاً مِنَ الشُّبَّانِ يُمارِسُونَهُ أيضاً باسْمِ الإسلام، وضِدَّ أنفسِهِم وبني قومِهم، وهذا إجرامٌ بِحَقِّ الأديانِ وبِحقِّ الأوطان، وبحقِّ إنسانيةِ الإنسان، فنحن مُكَلَّفون دِينَاً وأخلاقاً بمُكافَحَةِ هذا العُنفَ الأعمى الذي يُدمِّرُ الإنسانَ والعُمران، ويَتهَدَّدُ الأوطانَ بالهَلاكِ والبَوَار».
وأضاف: «رَوَّعَتْنَا في الأيامِ الأخيرةِ العملياتُ الإرهابيةُ ببلدةِ القاع، والتي ذهبَ ضَحِيَّتَها أُناسٌ أبرياء، ولقد كان دأبُنا ودأبُ مُعظَمِ اللبنانيين مُنذُ أربعِ سنواتٍ وأكْثر، على وِقايَةِ وَطَنِنَا  وناسِنا مِنَ الوَيلاتِ التي تَحْدُثُ في الجِوَار، وأنْ نَعتمِدَ في ذلكَ على النَّأيِ بالنَّفْسِ بقَدْرِ الإمكان، وأنْ نَثِقَ في ذلك بالجيشِ الوطنيِّ والقُوَى الأمنيةِ الأخرى،  وقد نَجَحَ الجيشُ إلى حدٍّ كبيرٍ في ضَبطِ المَشْهَد، وفي مُكافَحَةِ الشَّظايا الآتيةِ مِنَ الجِوار، لكنَّنَا لم نُعِنْ قُوَّاتِنَا العسكريةَ والأمنيةَ كثيراً، فَمِنْ جِهَة، هناكَ هذا التداخُلُ الذي حَدَثَ مَعَ الجِوَارِ المُشْتَعِل، فاسْتَجْلَبَ النارَ التي أرادَ مُكافَحَتَها وهناك هذا التَّعَطُّلُ الذي أصابَ الحياةَ السياسيةَ بغِيابِ رأسِ الدَّولة، ومَحدُودِيَّةِ عملِ الحُكُومَةِ ومجلسِ النواب، وهناك هذا الخُمودُ والجُمودُ  الذي أصابَ الحياةَ الاقتصادية، إنَّ نارَ الجِوارِ تَقتَضِينَا إقامَةَ الجِدارِ العَازِلِ بالدَّولةِ القَوِيَّة، والإدارةِ القَوِيَّة، التي تُسانِدُ الجيشَ والقُوَى الأمنية، وتُمَكِّنُ المُواطِنينَ الآمِنينَ على سُبُلِ عَيشِهِم، مِنَ الاطمئنانِ إلى حاضِرِ وَطَنِهِمْ ومُسْتَقْبَلِه. ولا شيءَ مِنْ ذلكَ قد حَصَل، بلِ الذي حصَلَ هو عَكْسُ ذلكَ تمامَاً. ويَتحَدَّثُ عَديدون في الآونةِ الأخيرةِ عَنْ خَوفِ المَسِيحِيِّينَ المصيري، والواقعُ أنَّه مِنْ حَقِّنَا جميعاً أن نخاف، فتداعِي إداراتِ الدَّولةِ وتصدُّعها، يترُكُنا جميعاً بدونِ مِظلَّةٍ حامِية،  نعم، نحن جميعاً مُتَوَجِّسُونَ وقلِقون،  إنَّما يبدو أنَّ الوَحِيدِينَ الذين لا يَشْعُرُون مِثْلَنا بالخَوف، هُمْ بعضُ نُوَّابِنَا وسِيَّاسِيينا الكِرام، الذين لم يَدْفَعْهُمُ الحِرْصُ على الوَطَنِ والدولةِ بالتَّوَجُّهِ لِمَجْلِسِ النُّوَّاب، لانتخابِ رئيسٍ للبلاد، لِتَعُودَ بحضُورِهِ سائرُ المؤسساتِ إلى العَمَلِ والانتظام، فلا وَطَنَ لنا إلا لبنان، ولا دَولةَ لدينا غيرُ الدَّولةِ التي أقامَها عَيشُنا المُشْتَرَك، ولبنانَ العربيَّ الهُوِيَّةِ والانتماء، سيبقى هو بلدُ الوِفاقِ والعَيشِ المشترك، والتنوُّعِ والاعتدال، والانفتاحِ والتآخِي والحِوار». 
وقال المفتي دريان: «نعيشُ اليومَ مرحلةً صعبةً ودقيقة، لم يَشْهدْها لبنانُ، والمِنطقةُ العربيةُ في تاريخِهما، فينبغي علينا الاستنفارُ الدائم، ومعالجةُ الأزمةِ التي نمرُّ بها، بالحِكمَةِ والحِوارِ البنَّاء، بين كافةِ القُوى المعنيةِ بالشأنِ اللبنانيّ، للخروجِ مِنْ هذا المأزِقِ الوطنيّ، كما ينبغِي أن نُدرِكَ أنَّ الاستقرارَ الأمنيّ، والتفاهُمَ السياسيّ، يُعزِّزان شبكةَ الأمان، للحِفاظِ على كِيانِ الوطن، وهذه مسؤوليةُ الدولة في مواجهةِ أيِّ خطرٍ داهِم، ولا يُمكِنُ أن يكونَ هناك أمنٌ ذاتيٌّ في بلدِنا، وإلا أصبحنا في شريعةِ الغاب، ونحن لدينا ثقةٌ بالجيشِ اللبنانيّ، وقُوى الأمنِ الدَّاخليّ، والقُوى الأمنيةِ الأخرى في حمايةِ الوطنِ والمواطنين.. وهم يقومون بواجِبِهم، وإنْ حصلَ تفجيرٌ هنا أو هناك، فهذا لا يَعني أنَّ أمْنَنَا غيرُ ممسوك.. ففي كلِّ دُولِ العالمِ يَحصُلُ ذلك، علينا أن نكونَ حَذِرينَ مِن هذه الطروحاتِ التي تُسْقِطُ هيبةَ الدولة، ودَورَ مؤسساتِها الأمنيةِ وفَاعليَّتِها، وعليْنَا أَنْ نُدْرِك أنَّ هناكَ معاناةً كُبرى نمرُّ بها، فلا رئيسَ للجمهوريةِ منذُ أكثرَ مِنْ سنتين، والمبادراتُ الإنقاذيةُ في هذا الإطارِ تُواجَهُ بالعراقيل، والحكومةُ تتلقَّى السِّهامَ مِنْ داخِلِها وخارِجِها، وبالكاد تستطيعُ أن تُسيِّرَ أمورَ الناس، والمجلسُ النيابيُّ شِبهُ مُعطَّل، واستمرارُ أَوضاعِنا على ما هي عليه اليوم، مِنْ خِلافاتٍ وسِجالاتٍ وانقسامات، كلُّ ذلكَ لا يُبشِّرُ بالخير «.
وطالب اللبنانيين بالقول: «حافظوا على بلدِكم، ولا تَسْمَحُوا لأحدٍ بالتدخُّلِ في شؤونِ وطَنِكُمُ الحُرِّ السيِّدِ المستقِلّ، فكونوا مُتحابِّين مُتَّحِدين، لا مُتخاصِمين، وكونوا مُترفِّعين عَنِ المصالِحِ الخاصَّةِ، مُتحَلِّين بروحِ التفاهُمِ والتعاون، فالبلدُ لا يَحتمِلُ الانقسامَ والتشرذُمَ والفُرقَةَ بينَ أبنائه، وعلى الجميعِ أن يَثِقَ بأنَّ لبنانَ لا يُمكِنُ أن يَنهَضَ إلا بإرادةِ جميعِ أبنائه - مسلمين ومسيحيين - ولا يُمكِنُ لأيِّ فئةٍ أن تَبنِيَ لبنانَ على مِقياس مصالِحها». 
وتابع: «نحنُ في خِضمِ الأحداثِ المرِيعةِ والمرَوِّعةِ والمتسارعة، علينا ألا ننسى القضيةَ الفلسطينية، التي مازال العدوُّ الإسرائيليُّ الإرهابيُّ، يُمعِنُ في إجرامِهِ بآلتِه العسكريةِ الإجراميةِ التدميريةِ، ضَدَّ الشعبِ الفلسطينيِّ وبتهويدِ القدسِ الشريف، لتغيير معالمِها الإسلاميةِ والمسيحيةِ، ولهدمِ المسجد الأقصى لإعادةِ وبناءِ الهيكلِ المزعوم، إنَّ فلسطينَ أرضاً وشَعباً ومُقدَسات، ستبقى القضيةَ المركزيةَ الأولى والكُبرى، الإيمانيةَ والوطنيةَ والعربيةَ للعالَمَين العربيِّ والإسلاميّ، حتى تحريرِها وإن طالَ الزمنْ، فالقدسُ وفلسطين، ليست قضيةً محليةً أو إقليمية فقط، أو مجردَ بقعةٍ جغرافيةٍ، وإنما هي قضيةُ عدالةٍ عالمية، والعدوُّ الصهيونيّ، لا يُميز بين فئاتِ الشعبِ الفلسطيني، ولا بين قُطرٍ عربيٍّ وإسلامي، وهو سرطانٌ في جسدِ هذه الأمة، ولا بُدَّ مِن إنهاءِ وجودِ هذا السرطان بتضامُنِ وتكاتُفِ جميعِ العربِ والمسلمين، لتحريرِ كاملِ تُرابِ فلسطين».  
ورأى أنَّ «ما يحصُلُ مِن تفجيراتٍ إرهابيةٍ في عالمِنا العَربيِّ وفي أكثرِ مِنْ منطقةٍ وعاصمةٍ في العالم، وآخرُها التفجيراتُ الإرهابيةُ المجرمةُ في المملكةِ العربيةِ السُّعودية، وفي المدينةِ المنورة، بالقربِ مِنَ الحرمِ النبويِّ الشريف، هو شبيهٌ لما يحصُلُ في المسجدِ الأقصى، فحذارِ مما  يُحاكُ لأمتِنا من قِبلِ الإرهابيين الذين يحاولون المسَّ بمقدَّساتِنا الإسلامية، وتشويه صورةِ إسلامِنا في اعتدالِه ووسطيتِه ورحمتِه، ومملكةُ الخير، ستبقى عزيزةً أبيَّة، مهما مكَر لها الماكرون، وخطط المجرمون، فهي أرض الحرمين الشريفين، وأرضُ الإحسانِ والإنسان، وإننا من قلبِ بيروت، عاصمةِ لبنان، نعلنُ دعمَنا ومساندَتَنا ووقوفَنا إلى جانبِ المملكة العربية السعودية باعتبارِ أَن أمنَها وأمنَ الحرمين الشريفين، من أمنِ جميعِ العربِ والمسلمين، ونتوجَّهُ بالشكرِ والتقدير، لجمهورية مصر العربية والمملكةِ العربيةِ السُّعودية، ودولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدة، ودولِ مجلسِ التعاونِ الخليجيِّ كافَّة، على مَواقِفِهِمُ الحاضنةِ للبنان، ولقضايا العربِ والمسلمين، في مُواجَهةِ التَّطرُّفِ والانحرافِ والإرهاب، وتشويهِ صورةِ ودَورِ الإسلام والمسلمين».
وبعد إلقاء المفتي دريان خطبة عيد الفطر توجه وممثل الرئيس سعد الحريري النائب عمار حوري والنائب محمد قباني ومشاركون إلى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث قرأ الفاتحة عن روحه الطاهرة ورفاقه الأبرار.
وكانت ثلة من قوى الأمن الداخلي قدّمت التشريفات في باحة مسجد الامين للمفتي دريان قبيل دخوله الى المسجد.
ثم تقبّل المفتي دريان التهاني بالعيد في دار الفتوى، من شخصيات سياسية ودبلوماسية ودينية وعسكرية واجتماعية من مختلف المناطق والطوائف