عام >عام
د. سمير صباغ المُناضل حتى الرمق الأخير
د. سمير صباغ المُناضل حتى الرمق الأخير ‎الاثنين 1 02 2021 10:44
د. سمير صباغ المُناضل حتى الرمق الأخير

هيثم زعيتر

شكّل رحيل المُناضل الوطني والقومي العروبي الدكتور سمير محيي الدين صباغ، خسارةً تجاوزت عائلته ومدينة بيروت، التي أبصر فيها النور في العام 1936، وكانت شاهدةً على مسيرته ومحطاته النضالية، ولبنان الذي آمن بوحدته وعروبته، والقضايا القومية والتقدمية والعربية، وقضية فلسطين التي ناضل لأجلها، وتحمّل الكثير في إصراره بالبقاء على عهده لها، والدفاع عن القرار الوطني الفلسطيني المُستقل، بل لها جميعاً، لأن جذوة النضال كانت تسير في دمه وعروق جسده، وبقي قابضاً على جمر النضال الوطني الصادق.
الدكتور سمير صباغ، الأستاذ الجامعي والمُثقف، لم تغيّره الأيام والسنين، ولا المواقع والمراكز، لم يتلوّن، ولم ينقل البندقية من كتفٍ إلى آخر، بل بقي مُتمسّكاً بالمبادئ التي آمن بها مُنذ أن سار في مدرسة الزعيم جمال عبد الناصر، فناضل من أجل ما آمن به من خلال "حركة القوميين العرب".
كانت له مُساهمات مُنذ انطلاق الثورة الفلسطينية بقيادة الرئيس ياسر عرفات، الذي توطّدت علاقته به أكثر فأكثر في العام 1974، بعد عودته من فرنسا، واختيار رئيس مجلس قيادة "حركة الناصريين المُستقلين - المُرابطون" إبراهيم قليلات، صباغ نائباً له، خاصةً مع ارتفاع وتيرة التضييق واستهداف الثورة الفلسطينية، فأضحى سمير صباغ أكثر التصاقاً بالثورة وقيادتها، مع تشكيل "الحركة الوطنية اللبنانية" بقيادة كمال جنبلاط، وبعد استشهاده استمر بالنضال مع وليد جنبلاط، فكان عضواً في مجلسها السياسي.
مع الاحتفال بالذكرى الـ56 لإنطلاقة الثورة الفلسطينية، بداية هذا العام 2021، تحدثت إلى المُناضل الدكتور سمير صباغ، أسأله عن مُشاركته في حلقة برنامج "من بيروت" التي أُعدّها وأقدّمها على شاشة تلفزيون فلسطين، وكانت بعنوان: "الذكرى الـ56 لإنطلاقة الثورة الفلسطينية... تأكيدٌ لبناني على التمسّك بالثوابت"، ومُخصصة للحديث عن احتفالات انطلاقة الثورة وإيقاد الشعلة في منطقة الطريق الجديدة من بيروت، فكان جواب "أبو مهى" المُوافقة سريعاً.
في الموعد المُحدد، كان الدكتور سمير يُغادر المُستشفى، ويحضر على كرسيه المُتحرك للمُشاركة في الحلقة الذي جرى بثّها مساء الثلاثاء في 5 كانون الثاني/ يناير 2021.
في تلك الحلقة المُميّزة في مقر "الرابطة الأهلية" في الطريق الجديدة، أحد المقار التي كان يستخدمها الرئيس "أبو عمار" مركزاً له، استعاد فيها الدكتور سمير ذكريات إحياء الانطلاقة ومسيرة الثورة والدفاع عنها، وكيف شُكّلت جبهة لبنانية، ضمّت جميع المُكوّنات اللبنانية دعماً للقضية الفلسطينية، وتصدّياً وإفشالاً لمُحاولة التفرّد بالثورة الفلسطينية، لأن "استهدافها كان لإبعادنا عن الصراع ومُحاولة السيطرة على القرار الوطني الفلسطيني المُستقل، بمُواجهة المشروع الانعزالي اليميني".
وما تلا ذلك من محطات، وصولاً إلى الاستعدادات التي سبقت الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران/ يونيو 1982، والصمود الأسطوري في بيروت، وخروج الرئيس "أبو عمار" والفدائيين.
لكن، هذا الخروج لم يُوقف الدكتور سمير من استمراره بعهد الوفاء لفلسطين، بأن واصل الدفاع عن القضية التي آمن بها، يوم تخلّى عنها كُثر، وبقي من القلّة النادرة، التي دأبت على استمرار إحياء الذكرى وإيقاد الشعلة، يوم كان مجرّد ذكر "أبو عمار" تهمة تقود إلى السجن. في الحوار الشيّق مع الدكتور سمير، كان ينضج بالعنفوان، وهو يتحدث عن القضية الفلسطينية، وإن آلمه التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، مُستطرداً بالقول: "ليس المرة الأولى التي تمرُّ بها القضية الفلسطينية بمثل هذه المُؤامرات، بل دائماً كانت عُرضةً لمثل ذلك، ومررنا بتجارب مُماثلة دفاعاً عن القرار الوطني الفلسطيني المُستقل، لكن الأمل هو بفلسطين وأبنائها والمُناضلين الأحرار".
مع شكرنا للمُناضل الدكتور سمير، على تكبّده عناء الحضور والمُشاركة، على الرغم من وضعه الصحي، كان يُوجّه لنا الشكر لإتاحة المجال أمامه للمُشاركة بإحياء ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية، التي لم ينقطع عنها في يوم من الأيام.
وثّق الراحل في كتاب أصدره تحت عنوان: "أوراق من مسيرة نضالية"، المراحل التي عاشها ومرَّ بها، مُنذ كان فتياً وصولاً إلى مسيرته النضالية الذي كان فيها من موقع المُشارك الفاعل والمُؤثّر في صنع الحدث، فضلاً عن محطات عصفت بالمنطقة.
برحيل الدكتور سمير صباغ، تبقى ذكراه العطرة، ومسيرة كفاحه النضالي، وحرصه على المُشاركة في النشاطات التي تُؤكد وحدة لبنان، ونصرة فلسطين وقضايا الأمة، بصفته الشخصية أو بعدما أسّس مع نخبة من المُناضلين "رابطة العروبة والتقدم".
رحيل وغياب لمُناضل، كان يتمنى أن يُشاهد لبنان بظروف أفضل، وتحقيق الوحدة العربية، وبقي له أمل "أن أتمكن من زيارة دولة فلسطين المُحررة وعاصمتها القدس، لأنه بتحرير فلسطين تتحقق الوحدة العربية وينتصر الأحرار في العالم"، لكنه حقق إحدى أغلى أمانيه، أن يبقى مُناضلاً حتى الرمق الأخير، وهو ما كان.

المصدر : اللواء