مقالات مختارة >مقالات مختارة
الطفولة... عالم اغتاله الوطن - هبة محمد إسماعيل
الطفولة... عالم اغتاله الوطن - هبة محمد إسماعيل ‎الجمعة 19 03 2021 11:04
الطفولة... عالم اغتاله الوطن - هبة محمد إسماعيل

هبة محمد إسماعيل

وحدها الطفولة التي ذكرها يرسم ابتسامة تلقائية على وجوهنا دون أن نشعر، تستعرض أمامنا لحظات فرح لا نهاية لها، وتبعث البهجة في أي مجلس.

هي الماضي الأبيض الذي نهرب إليه من حاضرنا الملطخ بالسواد. 

عالم نلاحق فيه البراءة ونستحضر فيه الروح الطيبة والنفس النقية. 

الطفولة هي أمنا حين تندهنا بنبرة تهديد كي ندخل المنزل قبل المغرب. 

هي مناجاتنا لخيوط الشمس أن لا تغرب كي نستمر باللعب الذي لو طال أيام لما أتعبنا. 

هي الطعام المطهو من التراب، والحجارة المحشوة في احذيتنا، خرطوم ماء نغتسل به خوفاً من أن ترانا أمهاتنا بحالة نظنها نحن أنها أكثر من رائعة. 

هي مدرسة وتفوق وعقاب معلمة، أصدقاء ولهو ومغامرات لا تحصى. 

عالم نحمله في داخلنا يمتلك أجمل المعاني الكامنة في هذا الكون والتي يعجز اللسان عن وصفها. 

النغمة الوحيدة التي نستطيع أن نسمعها مهما كبرنا. 

الطفولة هي من أهم المراحل التي يعيشها الإنسان، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحاضره وكل ما يحيط به من عائلة وأصدقاء وأحداث. 

كما أنها أحد الأسباب الرئيسية لتعلق الإنسان بالأرض التي نشأ عليها. 

أرض الوطن التي ينبغي غرس حبها في قلوب الأطفال لحظة ولادتهم. والتي يعيشون عليها جميع المراحل الأساسية في الحياة. 

العلاقات الاجتماعية المعالم السياحية والمناطق التراثية التي يزورونها، كل هذه الأمور كفيلة بأن تزرع في قلب الأطفال الشعور بالانتماء إلى الوطن.

بحسب الكاتب جوليان بارنز فإن "ذكريات الطفولة هي الأحلام التي تبقى معنا حتى بعد أن نستيقظ". 

نستشعرها في كل لحظة يختلجنا فيها الإحساس بالإرهاق والإحباط. 

لكن هل يريد أطفال لبنان اليوم أن يبقى معهم حلم طفولة مسلوبة، لوثتها الظروف القاسية ولطخها الدمار المحيط بهم؟ هل سيلاحقون هذا العالم عندما يجتاحهم الشعور بالارهاق؟ أم سيسعون جاهدين لمحو آثاره؟ 

مع حلول عيد الطفل، نظرة سريعة على مرحلة صعبة وطويلة يمر بها لبنان، مرحلة يسودها الوباء وتتدهور فيها الأوضاع على كافة الأصعدة. 

مرحلة حرم منها الأطفال من أكثر الأمور قداسة في حياتهم، اللقاء بالأصدقاء، الذهاب إلى المدرسة، اللعب تحت أشعة الشمس دون قلق، هدية بسيطة وغيرها الكثير... كل ذلك نتيجة لغياب نظام قادر على أخذ قرارات صائبة تصب في مصلحة المواطنين.

لا ينتظر الطفل في هذا اليوم لعبة بات سعرها يفوق راتب والده، لأنه أصبح على دراية بوضع هو أصغر من أن يتحمله، يردد "أن هناك ما هو أهم..."، "وأننا على حافة الانهيار..."، "وأن الليرة خسرت أمام الدولار...". 

أطفال كبروا قبل أوانهم، غاب عنهم أنهم صغار، كل ما يحتاجونه هو لعبة صغيرة والركض في باحة المدرسة.

أصبحوا يشغلون عقولهم بما يفكر به أولياء أمورهم ويسعون للتخفيف عنهم ظانين أن هذا يقع على عاتقهم. 

وبدلاً من أن يرددوا أغاني "الكرتون"، سبيستون ربما، "بالعزم انتفضت يمناه"، عهد الأصدقاء "نملك الخيار وخيارنا الأمل"... أن يرسموا بالألوان بيوتهم المستقبلية، ويفكروا باختصاصات تتبدل آلاف المرات في لحظات، وحلم المهنة التي أيضاً لا يقف اختيارها عند حد معين. 

كلا.. لا شيئ من هذه الأغاني التي تحمل دروساً قيمة وطفولة بأكملها، ولا حتى هذه الأحلام تراودهم، بل أصبحوا يرددون عبارات الشارع، يحملون في داخلهم هم يفوق أعمارهم بأشواط. لا يرون للأمل وجهاً ولا عزيمة لعيش طفولة هادئة تشعرهم بالطمأنينة. 

عيد الطفل في لبنان أضاع صغاره، يبحث عنهم بين انقاد الانفجار، بين الحزن على وجوه الكبار، الذين يفكرون كيف يلبون طلبات أطفالهم دون ان يشعروهم ان ما يطلبونه عبء عليهم. 

نظرة الأهالي اليوم في عيون أطفالهم تحكي العجز  وآلاف المشاعر الحزينة لعدم قدرتهم على تأمين أبسط ما يستحقه صغارهم بعد أن حرمهم وطنهم من أقدس حقوقهم، وهي طفولة يعيشونها بسلام وأمان وطمأنينة. 

حرصهم الدائم على تأمين جميع مستلزمات صغارهم وعدم قدرتهم على تلبيتها بات يدفعهم لقول عبارات لا يمكن لعقل أن يستوعبها، كأن يتمنوا لو أنهم "لم ينجبوا"... 

هذا ما أنجزه لبنان، انهيار وأزمات متتالية دفعت المواطنين إلى إظهار الشعور بالندم والتخلي عن أطفال لا ذنب لهم.

في عيد الطفل اليوم، تحية لكل كبير بجسد صغير يشعر بهم أهله ويرفض اللعبة أمام رغيف خبز أو وجبة يأكلها هو وعائلته. 

تحية لكل أب وأم يجاهدون لملئ الفراغ الذي أحدثه الوطن في جوف أطفالهم.

 

المصدر : جنوبيات