مقالات مختارة >مقالات مختارة
الطفولة المضطهدة... براءة مسلوبة - وفاء ناصر
الطفولة المضطهدة... براءة مسلوبة - وفاء ناصر ‎السبت 20 03 2021 11:52
الطفولة المضطهدة... براءة مسلوبة - وفاء ناصر

وفاء ناصر

تتسابق الصفعات الواحدة تلو الأخرى لتستقر على وجه ذاك الطفل البريء، يزيد من حماستها صوت الألم المتواصل. وكلما خنقته التنهيدات واكتفى بالأنين، تتمدّد تلك الضربات نحو أنحاء جسمه لتطبع أبشع الرسوم.

إنه العنف بالتأكيد... عنف تمارسه أم على طفل ولدته دون أن يرف لها جفن. 

وإن اعتدنا على ملاحظة هذا الشكل من العنف الذي يرتكبه الاهل بحق أبنائهم الا ان أشكاله متنوعة ومتعددة يتفنن في ممارساتها الأقرباء والغرباء على حد سواء.

يقول المدير العام لمنظمة الصحة العالمية د. غيبريسوس أنه "لا يوجد أي عذر لممارسة العنف ضد الاطفال" غير ان مجتمعاتنا البشرية تبرر غايته ووسيلته.

وإساءة معاملة الأطفال الذين لا يتجاوزون الثامنة عشر من العمر لا تقتصر على الأذى الجسدي بل تتعداه الى النفسي والمعنوي. 

في السابق كان "تعنيف" الطفل يندرج زورا ضمن مصطلح التربية. ورغم حملات التوعية والتثقيف المحلي الأهلي والعالمي إلا أن بعض الأسر تصر على مبادئها المغلوطة مستندة في ذلك على فهم خاطئ وتحريف لأحاديث الرسول وعلى تجربتها الذاتية في مقاربة الأمور. وما يزيد الطين بلة القبول الشعبي النسبي لهذا النوع من الممارسات الذي يتعدى مجرد التربية بالضرب إلى ختان الإناث وتزويج الأطفال.

كما تلعب الضغوط النفسية للأهل دورا سلبيا في زيادة هذه الحالة. فالمشاكل المادية والعائلية وعدم قدرة الوالدين على تلبية الاحتياجات الأساسية لأفراد الأسرة إضافة إلى سوء الوضع الاقتصادي العام وانتشار البطالة بالتوازي مع تفشي الجهل تجعل من الأطفال فريسة سهلة ووعاء لتنفيس الغضب. وحدث أن جائحة كورونا العالمية رفعت من نسبة العنف ضد الاطفال لأنها جعلتهم يقضون وقتا طويلا في المنزل مع أهاليهم وحرمتهم من إمكانية حصولهم على المساعدة التي كانت المدرسة تؤمنها لهم. وقد بلغ عدد الأطفال المعنفين في الفترة الممتدة بين منتصف 2019 ومنتصف 2020 مليار طفل.

أضف إلى ذلك أن الحروب التي تقام بهدف الإنسانية والديمقراطية ومساعدة الشعوب تسيء بشكل مباشر وغير مباشر إلى هذه الشريحة.
فنسبة لا بأس بها من وفيات الحروب تعود الى الأطفال. ومن نجا من هذه النهاية المأساوية احتفظ بعاهة جسدية نتيجة رصاصة او شظية او حتى لغم أرضي ودخلت جسده كميات كبيرة من المواد المسرطنة ستنعكس سلبا على صحته.
كما تساهم الحرب في سلب الأمان من الأطفال حين  تيتمهم وتخطف منهم ذويهم أو أحدهم. فتجبرهم على خلع ثوب الطفولة وتعرّضهم للاستغلال من قبل الجماعات المسلحة والارهابية التي تجندهم في الأعمال والأنشطة العسكرية من جهة وتتاجر بهم من جهة ثانية.

وتقحمهم، مشتركة في ذلك مع انتشار الفقر، في سوق العمل التقليدي المندرج تحت "عمالة الأطفال". ولا يخفى على أحد ما يرافق هذه الحالات من استغلال جسدي ومعاناة نفسية وحرمان عاطفي ودعوة صريحة إلى تعاطي المخدرات والممنوعات، وما لها من تأثير على قدراتهم المعرفية وسلوكياتهم وحياتهم الإجتماعية وصحتهم النفسية والفيزيولوجية. 

والمؤسف أن الأسلوب العنفي المعاصر المنتهج يجاري التطور التكنولوجي، يصطاد الأطفال من وراء الشاشة ويعرّضهم لأبشع أنواع الإستغلال تزامنا مع تقصير ذويهم في رعايتهم وحمايتهم من هذا العالم الإفتراضي. هذا العنف الهجين استفاد من براءة الأطفال وحشريتهم ليفتك بسلامتهم. 

ككل المواضيع الجوهرية يحجز العنف ضد الأطفال مكانة له في تصنيف الدول بين متقدمة وأخرى نامية ومتخلفة. لكن نخطئ إن اعتبرنا أنه حكر على مجتمعات دول عالم الجنوب دون سواها. حتى الدول التي وقّعت على اتفاقيات والتزمت بحماية هذه الفئة وصون حقوقها أخفقت في ذلك بل وشهدت محاولات استغلال مختلفة اسوة بالدول الأخرى.

غير انه في عالم مليء بالتناقضات، يبرز التباين في آلية التعامل مع قضية العنف ضد الاطفال. فشتان بين مجتمع يعاقب بقسوة على اعتداء معنوي مُورِس على طفل من قبل ذويه تم تقديس حقوقه وصونها وبين مجتمع يتساهل مع العنف ويبرره.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر : جنوبيات