عام >عام
رحيل محمود حجازي أول أسير فلسطيني لدى الاحتلال فرض إلغاء الإعدام وأُطلق سراحه بشروط «أبو عمار»
رحيل محمود حجازي أول أسير فلسطيني لدى الاحتلال فرض إلغاء الإعدام وأُطلق سراحه بشروط «أبو عمار» ‎السبت 27 03 2021 06:47
رحيل محمود حجازي أول أسير فلسطيني لدى الاحتلال فرض إلغاء الإعدام وأُطلق سراحه بشروط «أبو عمار»

هيثم زعيتر

تحفل مسيرة المُناضل اللواء محمود بكر حجازي (مواليد القدس 1936) بمحطات مُتعددة ومُتميزة، لأول أسير فلسطيني اعتقلته  قوات الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 17 كانون الثاني/يناير 1965، بعد قيامه مع مجموعة فدائية بتنفيذ عملية تفجير جسر تستخدمه قوات الاحتلال في الخليل، ما أدى إلى مقتل 24 إسرائيلياً وجرح العشرات.

تعرفت إلى العم «أبو بكر» ووثقت مسيرة حياته النضالية في كتاب «الأوائل على درب فلسطين»، الذي خصني رئيس دولة فلسطين محمود عباس بوضع المُقدمة له.

تُشكل مسيرة المُناضل محمود حجازي، نقطة تحول هامة في تاريخ النضال الفلسطيني، التي تنوعت بين العمل الفدائي في الشهر الأول لانطلاقة الثورة الفلسطينية في العام 1965، والسجن لأول فلسطيني يقع في الأسر لدى الاحتلال، وإصدار حكم الإعدام الأول بحق أسير، قبل أن تُصبح الأحكام بعد ذلك بالمُؤبد.

طلب «أبو عمار» وخليل الوزير «أبو جهاد»، من المُحامي الفرنسي جان فرجيس (الذي دافع عن المُناضلة جميلة بوحيرد ونجح بإخراجها من السجن ثم تزوجها) أن يتولى مُهمة الدفاع عن الأسير «ابو بكر، لكن الاحتلال رفض دفاعه عنه، لأنه كان يُدرك أنه سيجعل من هذه القضية منبراً لشرح القضية الفلسطينية للعالم.

أمام صلابة محمود وتشكيله أرقاً للمُحتل، حاول اغتياله، لكنه نجا  من سم دس له، قبل أن يتم إطلاق سراحه بعملية تبادل فرض فيها الرئيس ياسر عرفات شروطه بإطلاق «أسير مُقابل أسير».

تحول السجين الفلسطيني الأول في «سجن الرمله» الإسرائيلي، إلى أبٍ احتضن جميع الأسرى الذي تلوه، فكان قدوة لهم في مُواجهة السجان، بصلابته وتصديه له، وتوجيههم على كيفية الصمود بوجه المُحقين، ومُنبهاً لأساليب التعذيب ومكائد المُحتل.

شارك في مُختلف المعارك التي خاضتها الثورة الفلسطينية في لبنان، وأصيب 14 إصابة، إحدى تلك الإصابات كانت في وجهه وكادت أن تقتله.

انتخب عضواً في المجلس الثوري لحركة «فتح» منذ المُؤتمر العام السادس، الذي عُقد في شهر آب/أغسطس 2009 في بيت لحم.

عن تلك تجربة الأسر، حدثني العم «أبو بكر»، أن الاحتلال صدم عندما أسره، فكان تجربة الأسر الأولى، لم يستعمل الاحتلال معه أساليب التعذيب الجسدي بواقعه الفعلي، فهو كان بمثابة «زجاجة رقيقة» بالنسبة إليهم، يخافون أن تُخدش، فكان أسلوب بل عمد إلى استخدامً الترهيب.

فقد  كان جنود الاحتلال يعمدون إلى إصدار أصوات تعذيب في الزنازين المُجاورة للزنزانة التي يقيم فيها محمود، بُغية ترهيبه وتهديده باستخدام الأسلوب نفسه معه إذا لم يعترف بما يملكه من معلومات.

حاول الاحتلال معرفة المشاعر التي تنتاب الأسير خلال السجن والتحقيق، الأمر الذي دفع «أبو بكر» في إحدى المرات إلى تذكير اليهود بالتاريخ الفلسطيني معهم «حين احتضن الفلسطينيون اليهود خلال الحرب العالمية الثانية»، مُحذراً «إن اليوم الذي عمد فيه اليهودي (الإسرائيلي) إلى اغتصاب أرضنا وحقنا، فإننا حاربناه، وسنحاربه بكل ما نملك».

أصدرت «المحكمة العسكرية» الإسرائيلية في العام 1965، حكم الإعدام بحق محمود حجازي، الذي ارتدى اللباس الأحمر مُدة 45 يوماً، مُنتظراً تنفيذ الحكم، إلا أن خلافاً بين أركان الحكومة الإسرائيلية أسهم في بقائه حياً، وفشلت مُحاولة اغتياله من خلال دس السُّم له خلال الأسر، ثمّ تمت مُبادلته بأسير إسرائيلي - اختطفته حركة «فتح» بعد حرب حزيران/يونيو 1967م، وهو حارس مُستعمرة إسرائيلية يُدعى شومئيل روزن فايزر.

في العام 1971، فوجئ محمود بزيارة مندوب «الصليب الأحمر الدولي»، الذي أبلغه بأنه سيكون ضمن صفقة تبادل أسرى أجرتها «مُنظمة التحرير الفلسطينية» و«إسرائيل»، تم بمُوجبها إطلاق سراحه مُقابل أن تُطلق المُنظمة «فايزر»، على قاعدة أسير مقابل أسير، وهو ما أصرّ الرئيس «أبو عمار» على تحقيقه، بعدما كان الكيان الإسرائيلي قد اقترح إطلاق سراح 54 أسيراً فلسطينياً، كانوا في السجون الإسرائيلية في ذلك الوقت، عندها قدمت رئيسة الوزراء الإسرائيلية - آنذاك - غولدا مائير، ووزير الدفاع الإسرائيلي - آنذاك - موشى ديان استقالتهما، قائلين: «إننا لن نجلس على كرسي يفرض عليه (زعيم المُخربين) - إشارة إلى «أبو عمار» - إرادته».

في هذه الفترة بدأ التحضير لعملية التبادل، فطلب الجانب الإسرائيلي من محمود حجازي التوقيع على تعهد بعدم مُمارسته الكفاح المُسلح، الأمر الذي واجهه برفض شديد قائلاً: «إن هذه الإجراءات التي تقومون بها لن تجدي نفعاً، لأنني سواءً وقّعت أم لم أوقّع، فإن التبادل سيتم، أسير مُقابل أسير».

تمت الصفقة بتاريخ 28 شباط/فبراير 1971، حيث نُقل حجازي إلى منطقة رأس الناقورة - آخر نقطة من الجانب الفلسطيني المُحتل مع لبنان، ووقف، وفي قلبه غصة الإبعاد وفرحة الحرية، ولمح علم فلسطين يُرفرف فوق سيارة جيب عسكرية تابعة لـ«الكفاح المُسلح الفلسطيني»، فيما كان الأسير الإسرائيلي «فايزر» في الناقورة عند آخر نقطة للجانب اللبناني، فتفرقا بشكلٍ مُوازٍ، حتى التقيا في نقطة وسطية.

علق محمود حجازي على تلك اللحظة بالقول: «حينما شاهدته يضع على صدره شعار «العاصفة»، ابتسمت لأن ذلك يعني أن الكفاح مُستمر، ثم تابعنا سيرنا...».

بعد إطلاق سراحه استمر بعمله النضالي من خلال «مُؤسسة صامد» الاقتصادية في بيروت، التي استفاد منها بتهريب المُتفجرات من خلال صناديق خشبية كان يقوم بصنعها لتجار الزجاج، وتنقل إلى الأراضي الفلسطينية المُحتلة عبر موانئ أوروبية.حقق إحدى أمنياته بالعودة إلى فلسطين والإقامة في رام الله بعد عودة السلطة الفلسطينية إليها في العام 1994.

التقيت بالمناضل «أبو بكر»، مرات عدة، وبينها خلال عقد جلسات المجلسين الوطني والمركزي الفلسطيني في أرض الوطن، فكنت أجد نفسي دائماً أمام رجل فذ، يمتاز بالجرأة والشجاعة، والثقة بالنفس والعزة، والايمان بالله سبحانه وتعالى وحقه المشروع.

كنت أستمع إلى حديثه وذكرياته، التي لم تتغير قيد أنملة عن إيمانه بأن «الشعب الفلسطيني هو من سيُحرر أرض وطنه، وأن فتيل الصاعق هو الذي يُفجر هذا الايمان».

رحل عن 85 عاماً، عشية الذكرى الـ51 لـ«معركة الكرامة»، التي تابع أصداءها وهو داخل السجن، ولمس مدى ما تركته من صدمة على جنود الاحتلال الذين مارسوا ضده شتى أنواع التعذيب.

ووري جثمانه الطاهر الثرى في فلسطين، كزيتونها الراسخ في أرضها، والأمل أن تتحقق أمنيه بالاستقلال الكامل والناجز بدحر الاحتلال عن أرض فلسطين. 

الرحمة للراحل الكبير، والعزاء إلى زوجته تركية وهبي، وأفراد العائلة: المُستشار بكر، السفير عمار، أنس، نبال، لبنى ولانا.

المصدر : اللواء