لبنانيات >أخبار لبنانية
ألم العدل وقيامة لبنان.. في منشور للوزير السابق غازي العريضي
ألم العدل وقيامة لبنان.. في منشور للوزير السابق غازي العريضي ‎الثلاثاء 20 04 2021 17:44
ألم العدل وقيامة لبنان.. في منشور للوزير السابق غازي العريضي

جنوبيات

 

يبدو أن فيلم القضاء الذي بدأ في عوكر وانتقل الى محيط قصر العدل طويل . فيلم مركّب عن سابق تصور وتصميم . لم تنفع كل الاتصالات والتدخلات والنصائح أمام المعنيين بوقف عرضه ونتائجه ستكون كارثية . الذين يعطلون التشكيلات القضائية يرفضون ممارسة قاض صلاحيته المحدودة في تشكيلات وتكليفات لقضاة بالتحقيقات ، ويصرّون على استمرار من يدعمون في عملهم واستهدافهم لهذه الجهة أو تلك .


أصبحنا أمام استنفارات مذهبية وشعبوية وصدامات وشعارات خطيرة عندما التقى أمام قصر العدل مؤيدو هذا أو ذاك من القضاة . اعتدنا أن يلتقي أو يستعرض قوة أو حضوراً مؤيدو متهمين بأمور شتى حتى تثبت براءتهم . أما اليوم الاستنفارات بين مؤيدي قضاة ، كل واحد يتهم الآخر بالتجاوز والارتكاب وإخفاء المعلومات والاستنسابية ويصرّ على المحاسبة !! عندما يصل الأمر الى هذا الحد في القضاء الذي يقف تحت قوسه وعلى منصاته قضاة تنحبس الأنفاس عادة قبل أن ينطقوا بالحكم ومتهمون يرتجفون ،  فمن يحاسب من ؟؟ 


مجلس القضاء بتركيبته وتعيينات أعضائه السياسية ، وبقبوله الخضوع للإرادة السياسية أو بعدم قدرته على مواجهتها وهو السلطة الأعلى المشلولة ، وعندما تكون شريكة السلطات الأخرى في التركيبات أو التخريجات ، فهذا أمر خطير دستورياً وسياسياً وقانونياً وشعبياً وميدانياً لأنه يوصل الى المشهد الذي نراه اليوم . عندما تتداخل لدى السلطات الحسابات الشخصية والفئوية مع الصلاحيات القانونية وأحكام العدالة والضمير سنكون حكماً أمام الخراب والانهيار . 


انكسر ميزان العدل . انكسر ميزان الدستور . بل انكسر لدى هؤلاء ميزان الضمير والأخلاق والوطنية . القضاة ليسوا أدوات . وليسوا أزلاماً لهذا أو ذاك . القضاة هم مراجع . وأحكامهم تصدر عن المراجع القانونية . ولا شك أن الذين يستندون الى هذه الثوابت في ممارساتهم مجروحون . متألمون . وهم كثر . لا يرون في ما يجري ما يعبّر عن أمانتهم ومسؤوليتهم وصدق التزامهم وتعبهم وسهرهم لدراسة القانون والسعي الى تطبيقه . فهل ثمة أشرف من مهنة إنصاف أصحاب الحقوق وتثبيت دولة العدالة ومحاسبة ومعاقبة المرتكب بالقانون وبالقانون فقط ؟؟ لكن القيّمين على الأمور لا يبالون .  يرفعون الشعارات ويطلقون المواقف الشعبوية ويؤكدون التزامهم بالقسم على الدستور وبالعبور الى الدولة ويرتكبون تحت هذه العناوين أبشع الارتكابات . إنهم يعيشون في عالم استثنائي.  لا يدركون أنهم عندما يطلقون مثل تلك المواقف إنما يتحدثون الى أنفسهم ، ويعيشون حالة هذيان ،  ويتوهمون أن شعبيتهم الى ارتفاع فيما البلد كله والدولة فيه الى سقوط نحو القاع !! 

نعم لمحاسبة المرتكبين وقد فعلنا ذلك عندما كنا في موقع المسؤولية الوزارية . ليس ثمة مكان للنقاش حول إرادة المحاسبة . لكن السؤال الدائم : كيف ؟؟ هنا الإدارة . إدارة معركة المحاسبة ، والجواب واحد لا يحتمل لبساً . القانون والقانون والقانون . والمعيار الواحد . المعيار الواحد . المعيار الواحد . فقط . أي خروج عن هذين الأساسين فيه إساءة الى الإرادة والإدارة ولذلك نحن على ما نحن عليه اليوم . فكيف إذا كانت المشكلة أننا أمام مخلوقات غريبة عجيبة في السلطة لا يملكون الإرادة الصادقة ؟؟  وإدارتهم عبثية هنا وهناك . هذه هي الحقيقة . وهذا  لا يعني أن الآخرين أبرياء من كل شيئ . لا . ثمة أخطاء وارتكابات . لكن بعضهم على الأقل يحرص على الدولة ومؤسساتها ومع كل مشاكلها يدعو الى الاحتكام اليها . 

المشهد أمام قصر العدل بشع جداً ، مخيف ، مقلق ، ومؤشر خطير لما آلت اليه مؤسسات الدولة والى اهتزاز قوس عدالتها . واستمرار المؤسسات أهم من الأشخاص المتعثرين في إدارتهم والمدعومين بالحقد وليس بالقانون فقط ، والحقد يدمّر كل شيئ فننتهي مع هذه الإدارة على أساس القاعدة المعروفة : تثار الزوابع والمشاكل وترتفع درجات التحدي والتهديد والوعيد من هنا وهناك  فتضيع الحقيقة  ويضيع الحق . يعني يضيع الهدف ويأتي ملف يبتلع ملفاً وتدور الدورة ذاتها . 

انتصار العدل فوق كل الانتصارات في الداخل . وانكسار العدل هو انكسار الهيكل اللبناني. وبين ألم القضاة الشجعان النزيهين وحلم اللبنانيين بالعدالة النقية الطاهرة ، وبين ألم العدل وحلم العدالة ، الأمل ببقاء لبنان وقيامة الدولة يكون باجتماع لبناني عام حول قصر العدل احتفاءً بصون القضاء وتكريس القانون . غير ذلك سنبقى جماهير غفيرة ، كبيرة ، صغيرة ، محتشدين في وجه بعضنا البعض أمام مؤسات الدولة نتحدى بعضنا ، نقاتل بعضنا ، لحماية مرتكب في الإدارة ومسيرة تطبيق القانون ، أو مدان باستباحة القانون . وننتقل من " فضيحة عوكر " الى " عوكرة الفضائح " . فنكون أمام الفضيحة الكبرى التي تغطي كل الفضائح المطلوب كشفها . 

المصدر : جنوبيات