مقالات مختارة >مقالات مختارة
الابتسامة الجدل - وفاء ناصر
الابتسامة الجدل - وفاء ناصر ‎الأحد 16 05 2021 13:00
الابتسامة الجدل - وفاء ناصر

وفاء ناصر

انقلب المشهد، واخترق حلم الحرية عتمة الاعتقال. اشتعلت الساحات احتجاجا على اعتداء بربري ومحاولة تهويد قسري ما لبثت ان ارتقت إلى نصرة ودعم نضال مشروع، فهشمت الأمنيات بيت العنكبوت.

توحّد الشارع الفلسطيني ولبى الغزاويون نداء حناجر المقدسيين. ولأن اللُّحمة لا تستقم إلا بالدم، امتزجت التبريكات بالأحزان وأنجبت وحدة شعبية عارمة.

الابتسامة رصاصة بوجه المحتل

ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها فلسطين المحتلة للاعتداءات الوحشية، وليوث وغى الهبة الشعبية ليسوا الأولين، غير أن تلك الابتسامات الساحرة التي طبعوها على أفواههم وأشرقت بها وجوههم كانت أشد وقعا وأثرا من فعل الصواريخ. وتحولت من مجرد تعبير عن السعادة إلى فعل مقاومة وتحدّ. وما تمادي عصابات الاحتلال في وحشيتها الا دليل خوف من تلك الرصاصات الطائشة التي تكتسح ببراءتها ومصداقيتها كل الشاشات وتصل إلى قلوب المشاهدين أينما كانوا، حتى اكتسبت عن جدارة صفة "أداة تغييرية".

تداخُل احاسيس وردّة فعل واحدة

تخطّت ابتسامة الفلسطيني أطر التحليل النفسي الروتيني وزاحمت في فرادة بعدها الزمكاني ابتسامة كل من دوشيني والموناليزا فحجزت لنفسها مقعدا متقدما في عمق التحليلات.

قد ينظر البعض إلى أن الابتسامة ليست دائما وليدة السعادة وإنما قد تنتج عن القلق والخوف او ربما عن الالم او السخرية. وقد تكون ردة فعل طبيعية نتيجة التعرض للاحراج او الرعب.    

غير ان ما لا يمكن انكاره ان ردة فعل الشبان والشابات الحقيقية تعالت عن حلكة الاعتقال كفكرة وانتزعت من ظلمته فسحة لاسترعاء الانتباه. وجهوا الأنظار إليهم واقتنصوا فرحة اللحظة لرفع معنوياتهم من جهة وبث الشجاعة في نفوس الآخرين من جهة ثانية.

تبسّمهم للصحافة يكشف عن رضى ذاتي 

بدون تكلف او إضافات، سطع نور المعتقل الفلسطيني في الصورة بعدما كشفت عنَّابه عن حبات البرد وأضفت قيمة جمالية تشع بالروح المعنوية، الشجاعة، الإصرار على المثابرة والاستمرار في النضال.

وهذا ما يتقاطع مع تحليل المصور الصحفي زياد الشوفي الذي يرى أن "الابتسامة الظاهرة على وجوه الفلسطينيين أثناء الاعتقال هو دليل على استخفاف اصحاب الأرض بالعدو. فبعدما اعتادوا على مسألة الاعتقال التعسفي غير المبرر، قُلبت الأدوار. وأصبح الناشطون والمقاومون المعتقلون يضحكون على خوف المحتل منهم بعدما جردوه من قوته."

وفي قراءة تحليلية للصور، يؤكد أن تبسّم الشباب للصحافة ليس مزيفا وانما ردة فعل حقيقية ناجمة عن رضى ذاتي إذ "في اعتقالهم تقديم قسط من واجبهم فداء لأرضهم"، فلا معنى للحياة بدون كفاح.

المشهدية من منظار امني

ينطلق التحليل الأمني من كون الابتسامة بكافة أشكالها وأسبابها تعبير للغة الجسد الناتجة عن تفاعل الشخص مع الحدث الذي يدور حوله. ويتوقف عند تلك التي ترتسم على مُحيَّا شخص أثناء توقيفه والتي تعبّر عن الازدراء والسخرية من القائم بالتوقيف خاصة عندما يكون ميزان القوة يميل بشدة لصالح القائم بالتوقيف الذي يتمتع بقوة جبارة.

وهذا ما وصّفته بدقة حال المقاومين الفلسطينيين المستهزئين بعدوهم إيمانا منهم بأحقية قضيتهم وثقتهم بقدراتهم، و"انطلاقا من مقولة يضحك كثيرا من يضحك أخيرا".

كما انها تعبر عن فرحة ناتجة عن الظفر بالاعتقال من قبل العدو كمكافأة طبيعية لقيامهم بفعل مفيد يليق بهم وبقضيتهم. 

دلالتها بتوقيت الهبة الفلسطينية

في حمأة حرب الإلغاء والابادة الممنهجة ارتضى المجاهدون والمقاومون الفلسطينيون الشهادة على الذل والخنوع. نذروا أرواحهم لإبراز هالة قداستهم واستبسلوا في الدفاع عنها وإعلاء شأنها. 

وبرأي الكاتب والمحلل السياسي العميد المتقاعد منذر الايوبي من يرتضي الشهادة لا يهاب نهارًا ولا يهزمه اعتقال.

أما عن توقيت الانتفاضة الفلسطينية بوجه الاحتلال الناتج عن ممارساته وسياسة تهجير العرب الفلسطينيين، يتوقف العميد الايوبي عند نقطة توقيت الحرب والبدء بها. فللمرة الاولى في تاريخ الصراع تتخذ المقاومة الفلسطينية قرارا جريئا بمعزل عن الإرادة السياسية.

ويرى أن في الابتسامة العريضة النابعة من قلب المجاهدين مؤشر وحافز انتصار مهما تهدم من حجر وسال من دماء، فالقضية في سموها إلهية نضال لمن اغتصب الاقصى المبارك و القبر المقدس"كنيسة القيامة".

في سابقة من نوعها كيّف الفلسطينيون مقاومتهم وفقا لمتطلبات المرحلة. استعاروا من الحروب التقليدية اسلحتها لرد العدوان وإرساء معادلات جديدة. وحشدوا الرأي العام العربي والعالمي مستفيدين من تكنولوجيا الاتصالات لإيصال حقيقة ما يجري عبر تنزيل صور وفيديوهات وبوستات مرفقة بوسوم على منصات التواصل الاجتماعي ومن خلال التواصل مع القنوات التلفزيونية لنقل مشاهد الاعتداءات المباشرة ومخلفاتها.. غير انهم نشدوا التميز وانتهجوا فنا جديدا في المواجهة لما له من أثر في تغيير دفة الموازين. فكانت الابتسامة الصادقة... الابتسامة الجدل.

 

 

 

 

 

 

المصدر : جنوبيات