بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام- الثورة الحقيقية
بالنظام- الثورة الحقيقية ‎الجمعة 17 09 2021 17:20 زياد شبيب
بالنظام- الثورة الحقيقية

جنوبيات

بعد أن اصطف معظم اللبنانيين، مضطرين، في طوابير الانتظار الطويل للحصول على الوقود أو الدواء أو جواز السفر، أصبحت الطبقة الحاكمة في مرحلة جديدة من معركة البقاء التي خاضتها بنجاح حتى الآن، منذ تشرين 2019.

وقد بدا أن آمال اللبنانيين المنتفضين على واقعهم تضاءلت خلال السنتين الأخيرتين وتراجعت تدريجياً تحت وابل الضربات المالية والأمنية والمعيشية إلى حدها الأدنى الذي أصبح يقتصر على البقاء على قيد الحياة، هنا أو في أي مكان في المعمورة لمن استطاع إلى السفر سبيلاً. بالعودة إلى الشعارات والمطالب التي رُفعت عن حق خلال سنتين، فقد تناولت إلغاء #النظام الطائفي الزبائني الذي أثبت فشله في إدارة البلد وتسبب بما آلت إليه الأحوال، ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والهدر في المال العام المترافق مع دين عام هائل، واستعادة الأموال المنهوبة التي كما يبدو قد جرى تحويل معظمها إلى الخارج قبل الأزمة أو خلالها.

ولكن هذه المطالب المحقة تكسرت على أعتاب القوى التي تمسك بالسلطة وبموارد البلد منذ عقود، والتي أثبتت حتى الآن قدرة كبيرة على البقاء. أما المطالب فقد تبنّتها القوى الحاكمة وأخذ الطائفيون يطالبون بإلغاء الطائفية السياسية، والمسؤولون عن الكارثة المالية السياسية شنّوا الحملات ضدّ الفاسدين، من بين المنتمين إلى القوى السياسية المناوئة لهم طبعاً، وأقرّوا القوانين ذات العناوين الرنانة وغير القابلة للتطبيق، كقانون استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد.

إن انتفاضة الشعب تصبح ثورة عندما تطيح بأسس النظام القائم أو بالثوابت والمسلّمات وهذا ما لم يحصل، وكثيرون ممن ثاروا بصدق وعن حق على الواقع و"المنظومة" بلغوا اليأس بدل النصر وانكفأ كثر منهم أو هاجر، وآخرون ركزوا طاقاتهم على الاستحقاق الانتخابي القادم علّه يكون السبيل لتحقيق ما عصي عليهم تحقيقه في الساحات.

المشكلة الحقيقية في الانتخابات سوف تكون في الخيارات المتاحة. فالمبارزة لا تكون جدية إلا إذا كانت بين متنافسين متقاربين في القوة بنظر جمهور الناخبين. ومن هذه الناحية تشبه الانتخابات الألعاب الرياضية، وفي هذه لا يتابع المشاهد المحايد المباراة ولا يهتم بها إذا شعر بأن أحد الفريقين يفوق الآخر قوة بشكل واضح بما يسمح منذ البداية بتوقع النتيجة واعتبارها محسومة مسبقاً.فالسلطة بمختلف أطيافها اعتادت التنافس أو التصارع في ما بينها ومن مصلحتها الإيحاء بأن المبارزة الانتخابية المقبلة محسومة النتائج مسبقاً وبأن التنافس الجدي سيقتصر على الأحزاب والقوى الراهنة ولن يكون بينها وبين قوى جديدة تغييرية. أي أن النتيجة لن تكون سوى تغييراً طفيفاً في الأحجام القائمة، أما الفوز الذي قد يحققه البعض من خارج السلطة فسوف يقتصر على بعض المقاعد وهو ما يسمونه "خروقات".

لقد برعت السلطة حتى الآن في إعادة تجديد نفسها، مع تسجيل تبدّل في الصدارة أو الهيمنة فيما بينها، أما الوسائل المستخدمة لتحقيق ذلك فهي الصراعات التي يخوضها أطرافها ضد بعضهم البعض مستخدمين العصب الطائفي بالتخويف من الآخر أو بادعاء الظلم والغبن باسم الجماعة الطائفية أو باستثمار القوة والانتصارات. وهذه الحلقة المفرغة لا يمكن الخروج منها إلا بالخروج الكامل أو التدريجي على الثوابت والمسلمات التي يقوم عليها النظام السياسي، وهذا يبدأ حين تتشكل قوة سياسية جديدة ذات منطلق وهدف هو المواطنة الحقيقية التي تتحقق بالمساواة وفصل الشأن العام عن شؤون الطوائف الدينية، وعلى هذا الأساس يكون الفوز بالانتخابات ثورة حقيقية مهما كان عدد المقاعد.

المصدر : النهار