بأقلامهم >بأقلامهم
بيادق الاستقلال وخيبة الذكرى
بيادق الاستقلال وخيبة الذكرى ‎الاثنين 22 11 2021 19:35 وفاء ناصر
بيادق الاستقلال وخيبة الذكرى

جنوبيات

انقضت ذكرى الاستقلال الوهمي المهدى من محتل فرنسي بأبطال مزيفين غيّبوا الأبطال الحقيقيين وطمسوا بطولاتهم.

انقضت الذكرى الممهورة بعرض عسكري رسمي وآخر مدني مريب انتُهج بعد حراك 17 تشرين الاول 2019 في محاولة للانقلاب على التاريخ.
وبقيت السنوات الثامنة والسبعين شاهدة على استقلال لم يرتقِ الى الكمال بفعل الاتفاقيات والسمسرات وتكالب المصالح الذاتية المتفوقة على مصلحة الوطن الثكلى.

لم أجد الاستقلال في العرض العسكري. ذاك العرض الذي طالما انتظرناه في صغرنا لنكحل انظارنا بوجوه عناصر جيشنا الباسل والقوى الامنية على اختلافها، ورؤية ترسانته المتواضعة التي كانت تذهلنا آنذاك والعروض المباشرة التي غرست فينا النظام والانضباط عدا عن الثقة بقوتهم وتفانيهم في الدفاع عن وطننا المحفور في ثنايا القلب.

لا بأس، فبمرور العمر على صفحاتنا، غابت اللهفة حين بدأت أكذوبة الاستقلال تتجلى. اندفاعنا الطفولي للمشاركة في فقرات عيد الاستقلال وتسابقنا على ارتداء البزة العسكرية لم يشفعا لهذه الذكرى. إذ بدأت تتلاشى رويدا رويدا مع انكشاف أسارير الواقع وسياسته الفظة.

كثيرة هي المطبات التاريخية التي شوّهت نظرتي الجميلة للذكرى وكشفت حقيقة الاستقلال. بيد أن المسلمة الوحيدة التي صمدت في وجداني هي احترامي للمؤسسة العسكرية. فهي لا تزال الحضن الجامع للبنانيين على اختلاف انتماءاتهم. كبرنا وأدركنا أن المقاومة جزء لا يتجزأ عنها. تضحياتهم شاهدة على ذلك. كلهم دافعوا، استشهدوا، فدوا ورفعوا علم الوطن عاليا ضد الاعداء.

وإن خُيّل للبعض أن لبنان استوى بلا مقاومة، تتأبّط الأحداث سجلاتها المكتوبة وصورها وتسجيلاتها المصورة المتزاحمة لتبرر قاعدته الذهبية فاردة بطولاتها على طبق ماسي يشهد لها العدو قبل الصديق. 

هي استفاقة متأخرة نشترك جميعا في تجربتها. نتمنى لو كان الاستقلال حقيقة لنبني مجتمعا أفضل لكن الأماني في وطني يتيمة. حالها كحالنا غرباء في وطننا.

نقاتل الظروف السيئة بشراسة كي نصمد بوجه السيناريوهات المستوردة. نتعفف ونتمسك بهويتنا اللبنانية العربية كي لا تصبح بلاد المهجر موطننا. نناضل، نحن المواطنون الحقيقيون، للبقاء على قيد الحياة وبناء وطن يليق بنا في حين أنهم يحتفلون ويهتفون وينظمون احتفالات ومسيرات فوق جثة بلد أُغمدت فيه سيوف الغدر من الداخل والخارج.

 في مشهدي اليوم، نقلت الصورة الكثير من الكذب والنفاق. حتى التهاني الداخلية والدولية اتسمت بالضبابية، والعبارات اللطيفة كانت ترشح سما... كلهم يعلمون أن البلد محتل، قراره مرتهن وسيادته منقوصة. أما الوطنية التي يتباهون بها فهي حتما منقوصة خاضعة لسلطة المال ومنصهرة في بوتقة المنصب. وإذا ما وقفنا على آرائهم لتعريف الاستقلال هرب الاستقلال نفسه من تضارب معاجهم.

كلهم يمتهنون فن الكذب والنفاق حين يتحدثون باسم الوطن عن الوطن. لكن تبقى صور الأطفال في ذكرى الاستقلال الأبهى والأنقى حتى تحقيقه على أيدي الشرفاء الاوفياء.

المصدر : جنوبيات