مقالات مختارة >مقالات مختارة
البقاع عاصمة الجريمة المنظّمة: معامل كبتاغون لا تحصى… وهذه التفاصيل!
البقاع عاصمة الجريمة المنظّمة: معامل كبتاغون لا تحصى… وهذه التفاصيل! ‎الأربعاء 8 12 2021 09:37
البقاع عاصمة الجريمة المنظّمة: معامل كبتاغون لا تحصى… وهذه التفاصيل!

نهلا ناصر الدين

تشير التقارير الأمنيّة الصادرة عن قوى الأمن الداخلي، إلى أنّ محافظة البقاع، وخصوصاً القرى الحدودية في البقاع الشمالي، راحت تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى ما يمكن تسميته "عاصمة الجريمة المنظّمة في لبنان". فهناك تنتشر معامل صناعة الكبتاغون إلى درجة أنّ الأجهزة الأمنيّة وقفت عاجزة أمام إحصاء عددها.

رئيس شعبة مكافحة المخدّرات وتبييض الأموال السابق في الجمارك، العقيد المتقاعد نزار الجردي،  يؤكد في حديث خاص لـ"أساس"، أنّ "الجريمة المنظّمة موجودة في لبنان بشكل كبير، ولا سيّما بعد الفلتان الأمنيّ ومحدوديّة الرقابة في السنوات الأخيرة. فاليوم لبنان بلد منتج للحشيشة، ولم تتّخذ الدولة أيّ تدبير لزراعات بديلة، وقسم كبير من البقاع الشمالي يعتمد على زراعة الحشيشة وإنتاجها، وهناك رؤوس مدبّرة وكبيرة تتمتّع بالغطاء السياسي والأمنيّ والحزبي من أحزاب المنطقة تشتري المنتوج بأزهد الأسعار وتصدِّره إلى البلد المستهلك. وفي الحقيقة أنّ التصدير هو المشكلة الفعليّة والأخطر. فلا أهميّة كبيرة للبضاعة، فهي متوافرة بكثرة في لبنان، ولا لأسعارها، فهي غير مرتفعة، إنّما القضية الأساس هي التصدير والتهريب وتمرير البضاعة في المرافق التي تشرف عليها السلطات الأمنية. إنّها جريمة منظّمة تستدعي تأمين طريق تمرّ عليه البضاعة بدءاً من البقاع وصولاً إلى البلد المستهلِك".


تشير التقارير الأمنيّة الصادرة عن قوى الأمن الداخلي، إلى أنّ محافظة البقاع، وخصوصاً القرى الحدودية في البقاع الشمالي، راحت تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى ما يمكن تسميته "عاصمة الجريمة المنظّمة في لبنان"

يكشف الجردي إلى أنّ "صناعة الكبتاغون كثرت جدّاً في لبنان بعد الحرب السورية، وساهمت كلفتها الزهيدة في ازدهارها. فمصنع الكبتاغون لا يكلّف أكثر من ماكينة لصناعة حبوب الكاندي تُستبدل بعض رؤوسها لتستطيع إنتاج حبوب أصغر بحجم الأسبيرين عند صناعة الأمفيتامين. وتحتاج هذه الصناعة إلى "السلائف"، أي الموادّ الأوّلية، المستوردة، التي تُستعمل استعمالات عديدة، ولذلك يتمّ تمريرها مثل أيّ بضاعة قانونية. على سبيل المثال، يُستخدم الكافيين في صناعة المخدّرات وفي الوقت نفسه له استعمالات أخرى قانونية. وكذلك الـ "BMK" (benzyl methyl ketone) الذي يُستعمل في صناعة البلاستيك، والإيتير "Etir"، وغيرهما من المواد الأولية ذات الاستعمالات القانونية وغير القانونية، المسموح بإدخالها قانونياً، لكنّها تُستعمل لصناعة الأمفيتامين بشكل أساسي. وتتأثّر هذه الصناعة بكميّات تهريب هذه السلائف التي يتمّ دفع الرشوة لحماية سكّتها. ويستقدم بعض التجّار الكبار المحميّون أمنيّاً طبّاخين من بلغاريا ومن الدول الفقيرة في أوروبا الشرقية لطبخ المخدّرات بجودة ونوعية عاليتين".

بالطبع لا يمكن حصر عدد المعامل في لبنان المتورّطة في هذه الصناعة "لأنّها تكتفي بمساحة صغيرة، فكلّ ما تحتاج إليه هو عبارة عن آلة مساحتها نصف متر بنصف متر وبعض الأواني البلاستيكية والأوعية الكبيرة وسجادة تمرّ عليها الحبوب بشكل أوتوماتيكي. ويكثر تهريب هذه الحبوب إلى الدول الأكثر استهلاكاً، ولا سيّما المملكة العربية السعودية. فنحن نتحدّث عن حبّة صغيرة يسهل تهريبها، وغير مكلفة، إذ يراوح سعرها بين 10 أو 20 دولاراً، أي أرخص من الكحول الذي يراوح سعره بين 300 أو 400 دولار، ومفعوله أقلّ من الحبّة. والهدف من هذه الجريمة هو جني المال، لكن يحمل حزب الله هدفاً عقائدياً يدفعه إلى تسهيل تصدير هذه المخدّرات إلى بلاد محدّدة، وعلى رأسها السعودية.

ماذا عن تهريب العملات؟

هذه الجريمة موجودة في لبنان بشكل صارخ و"لبنان بات ممرّاً لها. لأنّ كلّ جريمة منظّمة تقابلها جريمة أخرى كتهريب الأموال. إذ  تتشعّب إحداها من الأخرى، ولا يمكن حصرها برقم تقريبي، وما يتمّ كشفه هو قليل جدّاً أمام المخفيّ من العمليات التي لا تستطيع الأجهزة إحباطها".

يستذكر الجردي عملية تهريب من ألمانيا قام بها أشخاص قُبِض عليهم في المطار: "حصلتُ على معلومات من الملحق العسكري الألماني عن عمليّتين كبيرتين جدّاً لتهريب مئات الآلاف من اليوروات قبل سنتين تقريباً".


يربط قائد الشرطة القضائية السابق  العميد أنور يحيى بين ازدياد الجريمة المنظّمة وبين تدهو الوضع المعيشي "في لبنان يقيم اليوم حوالي مليون ونصف مليون من السوريين والفلسطينيين والمصريين

يستبعد وجود مصانع لتزوير العملة في لبنان: "لكنّ الأكثر رواجاً هو تبييض الأموال وتهريبها. فالجريمة المنظّمة مؤلّفة من عدّة عناصر. فمثلاً تهريب المخدّرات يحتاج إلى جريمة ثانية هي تحويل الأموال التي لا تدخل النظام المصرفي، لكن يمكن تبييضها عبر بعض عمليّات التمويه، كأن يتم إدخال حاوية برّادات يساوي سعر البرّاد الواحد منها ألف دولار بحسب الأوراق، فيما يكون سعره في الحقيقة أقلّ، مثلاً 200 دولار. فيكون المهرّبون بهذا قد بيّضوا 800 دولار في كل برّاد دخل البلد، وهو ما يستدعي الرقابة الدقيقة حتى على الصادرات النظامية".

من جهته، يربط قائد الشرطة القضائية السابق  العميد أنور يحيى بين ازدياد الجريمة المنظّمة وبين تدهو الوضع المعيشي "في لبنان يقيم اليوم حوالي مليون ونصف مليون من السوريين والفلسطينيين والمصريين. ترتفع الكثافة السكانيّة في لبنان، ومعظم مَن يأتي إلينا يكون على استعداد للقيام بهذه الجرائم بسبب الجهل والفقر".

ويرى يحيى أنّه "لو استعرضنا ما لدينا من قوى أمنيّة وإحصاءات لأعداد الجرائم، فسنعلم أنّ لبنان لا يزال بألف خير. وأنا بصفتي قائد الشرطة القضائية سابقاً أعرف جيّداً عمل الضابطة العدلية المتخصّصة بمكافحة الجرائم العادية والنوعية على مختلف أشكالها، سواء اتّصلت بالمخدّرات أو القمار أو الاتّجار بالبشر أو سرقة السيارات أو التزوير أو الجرائم المعلوماتية أو تبييض الأموال أو الإفلاس الاحتيالي، فكلّها جرائم من صلب عمل الشرطة القضائية".

لكنّ يحيى يتخوّف من الانهيار النقدي: "فعلى سبيل المثال لا الحصر، المخفر الذي كان يضمّ 8 عساكر يضمّ اليوم 3 أو 4 عناصر، فلا وسائل نقل عامّة تنقل العسكري إلى قطعته. لكن على الرغم من وجود أكثر من مليون ونصف مليون أجنبي في لبنان فإنّ الوضع لا يزال جيّداً. لأنّنا كنّا نتوقّع ارتفاعاً أكبر للجريمة. وأعتقد أنّ جميع المعنيّين في سعي دائم إلى إبقاء العنصر في خدمته".

 بدوره يقيّم العقيد نزار الجردي قدرة الأجهزة الأمنيّة على مكافحة الجريمة المنظّمة بين الأمس واليوم، فيقول إنّه "في الفترات السابقة كانت قدرة الأجهزة الأمنيّة للسيطرة على الجريمة المنظّمة أكبر، ولا سيّما شعبة المعلومات التي تمتلك القدرات المادية والمعنوية، إن على صعيد الآليّات أو العديد أو الأجهزة المتطوّرة جدّاً لكشف الجريمة والعملة المزوّرة والمخدّرات، وكان لديها مخبرون كثر، وتواصل دولي لا مثيل له. لكن اليوم من بعد سقوط الليرة اللبنانية، حتى دوريّات الجمارك باتت شبه متوقّفة، الأمر الذي يثير المخاوف على وضع لبنان الأمني".

المصدر : أساس ميديا